الفلسطيني والاحتلال في رواية “جدار في بيت القاطرات” لـ” مصطفى عبد الفتاح “

رائد محمد الحواري | فلسطين

علينا كفلسطينيين أن نوثق ما نتعرض له من ممارسات الاحتلال، وبما أن الأدب أكثر استمرارية وحياة من التقارير الصحفية، نجد العديد من كتابنا يعملون على هذا الأمر، وهذا التوثيق ناتج/سببه الواقع وممارسات الاحتلال العنصرية، في رواية “جدار في بيت القاطرات” نجد العنوان مقدمة/فاتحة لمحتوى الرواية، يحدثنا “أبو علي” كيف تم سلب أرضه منه: “هذه الحياة لم تعد تطاق، يوم الأرض أفضل من شهر عبودية عند الخواجات، أخذوا أرضنا، واستعبدونا ببضعة قروش وكثير من الذل، ويلاحقوننا بما تبقى لنا” ص12، هذه اشارة إلى أن أحدة أشكال الصراع مع المحتل هو صراع على الأرض، وهنا صراع آخر، يتمثل بتفرقة العنصرية، بين أبناء الأرض وبين الاحتلال، يقدم لنا السارد هذا الحوار بين بطل الرواية “ناصر” وبين المجندة الإسرائيلية، يكشف فيه شيء من ذلك التميز:

” ـ لماذا أنا بالذات؟

ـ هذه وظيفتي، وأطبلها ممن أشاء.

ـ إذن ، أطلبيها من جميع المسافرين.

ــ أنا أطلبها منك، وليس من جميع المسافرين.

ـ أنت تطلبينها لأني عربي، لأني مواطن من الدرجة الثانية، لن أعطيك بطاقتي إلا إذا..

قاطعته بشكل مسعور.

ـ إذا لم تخرج بطلقتك سيتم اعتقالك” ص22و23، قد يبدو أن هذا الحوار يمنح الفلسطيني شيء من حرية الكلام، لكن إذا ما تتبعنا الأحداث، سنجده مجرد مقدمة لفعل آخر: “اقتادوه إلى غرفة جانبية مظلمة في ذلك المبنى الضخم بدون أن ينبس أحدهم معه ببنت شفة، وفي لحظات تغير كل شيء، لم يدر من أين تأتيه الركلات والإهانات والضرب في جميع أطراف جسمه بدون رحمة، كان يصرخ ويستغيث بدون جدوى” ص24، والجميل في هذا المشهد، أنه يحاكي الواقع، في الفضاء المفتوح يمكن للفلسطيني أن يتكلم كما يريد، لكنه في الغرف المعتمة يدفع الثمن، والثمن باهض، وإذا تتبعنا بقية الحدث، نكتشف طبيعة “ناصر” الفلسطيني وكيف أنه ـ رغم التعذيب والضرب ـ ما زال متمسكا بحقه كفلسطيني يعيش في فلسطين، يخاطب الضابط المسؤول:

“ـ أنا من أين؟ أنتم من أين؟، أنا من هنا، من هذه الأرض ولدت هنا وأعيش هنا، وسأموت هنا، أنتم من أين جئتم؟ وماذا تريدون” ص25، وهنا يحاول الضابط أن يمتص هذا الهجوم، محاولا أن يستقطب “ناصر” بالكلام المعسول:

“ما رأيك أن نكون أصدقاء” ص26، يأتيه الرد مباشرة:

“أنا لا أريد صداقتك، لا أعرفك” ص26،

لكن الضابط يستمر في محاولة جذب “ناصر” ممتصا رده العيف:

“ـ … نريدك أن تخبرنا أشياء محدودة عنهم ليس لها علاقة بالوشاية، فقط معلومات عما يقومون به من نشاطات يومية لا علاقة لها بالأمن” ص26، أيضا يبقى “ناصر” العارف والمنتمي لشعبه ولأرضه، ثابتا على موقفه:

” ـ حتى لو كان الثمن حياتي، فلن أكون صديقا لكم” ص26، من خلال هذا الحوار يتبين لنا، الطريقة المهينة التي يتعرض لها الفلسطيني، فهي لا تقتصر على الإهانة الجسدية، الضرب فحسب، بل نجدها تطال الناحية الأخلاقية، يريدون منه وبعد أن عومل بعنصرية، وتعرض للضرب، أن يكون جاسوسا على ابناء شعبه، فهل هناك أذى أكثر من هذا!.

والرواية تقدم لنا الفكر الصهيوني من خلال حديث المجندة مع نفسها: ” …هم شعب آخر يعيش بيننا، ولكن تبا لهم، لماذا لا يذهبون للعيش في الدول القريبة مع أبناء شعبهم؟، عندهم عشرون دولة، ونحن لا نملك غير هذه الدولة الصغيرة الوحيدة في العالم” ص20، ونجد الفكر الصهيوني عند السيدة التي أجلسها ناصر” في مقعده في الحافلة وأوصلها إلى بيتها: “أنظر إلى جيراننا العرب، إنهم همجيون، لا يحترمون الإنسان، لا يعرفون إلا لغة العنف والقوة، لا يحترمون الكبار، بل لا يحترمون أحدا، نحن أفضل منهم، بل نحن أفضل شعوب الأرض” ص63، من خلال هذه المشاهد يعمل السارد على تبيان حقيقة المحتلين والطريقة التي يفكرون وينظرون بها إلى العرب الفلسطينيين.

والجميل في الرواية أنها تقدم رجل الدين “الشيخ مراد” بصورة إيجابية رغم أنها تميل للشيوعيين، يرد على من يحاول أن يشوه صورة من يقوم بالعمل الوطني، بقوله: “الدين لله والوطن للجميع، ولا يجوز لأحد أن يجبر أحدا على التحزب لأحد” لهذا أطلق عليه من لا يرضون بقوله: “شيخ الشيوعيين الكفرة” ص75، ونجده مناصر للمرأة: “لن تنهض أمة إلا إذا نهضت المرأة بالعلم والمعرفة” ص43 وهذا ما يجعل الرواية رواية (واقعية) تنحاز للشعب المضطهد والمظلومين.

السرد في الرواية جاء بصورة السارد العليم، الذي يهيمن ويحيط بكل الأحداث ويعلم كافة التفاصيل عن كل الشخصيات، وهذا ما أحدث بعض الهفوات في السرد، مثلا تكرر استخدام “هذه” في الفقرة الأخير من الصفحة 15، ثلاث مرات، “أمام هذه الحوانيت، الكبيرة هذه، وهذه البناية”، وتكرر استخدام “بدون” في الفقرة الثانية من الصفحة 16 مرتين وفي سطرين متتالين، “بدون أن يلتفت، بدون وتوقف” وهذا لافت للنظر.

الرواية من منشورات مؤسسة الأفق للثقافة والفنون، حيفا، الطبعة الأولى 2017.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى