قراءة نقدية في رواية (قمر في الظهيرة) للروائية العربية بشرى أبو شرار

وليدة محمد عنتابي | ناقدة وأديبة سورية

(حين ببزغ القمر في عز الظهيرة تختفي النجوم وتتوحد الأبعاد مشكلة ملحمة الحياة) .

في رواية تتسع لمكابدات امرأة مرهفة حد الإرهاق ، تمتد الأديبة : بشرى أبو شرار بحساسيتها الأنثوية كزوجة لرجل من غير جنسيتها وكأم لطفلة تمكث بينها وبينه سدا منيعا وما محاولة للقفز فوق الراهن والرابض بينها وبين كرامتها وإنسانيتها وبالتالي حريتها ، وهي المرأة الجامعية المثقفة والأدبية الرائية لما يحيط بها وما يعتمل داخلها .
تعتريها تلك الغصة الخانقة ويجف حلقها وهي ( تشخص في شهادة تخرجها وقد أرخت أناملها عنها ، ودستها ما بين الأوراق لتستسلم لعتمة درجها الموصد عليها .) .
في وحدتها المفروضة عليها كان كل همها أن تتعامل مع طفلتها بقدر من العناية والرعاية كما يجب عليها كأم في تجربتها الأمومية الأولى ، تحت هيمنة زوج من الصعوبة القصوى مراضاته أو انتزاع كلمة استحسان منه ، لما تبذله من تفان وجهد في إدارة المنزل وتربية الطفلة والخضوع لرغباته و أوامره ، والتسليم لواقع زوغانه و انزياحاته عن سبيل الوفاء الزوجي مما يكسبه حقا غير مشروع ، متجاوزا في طغيانه وتذويبه شخصية زوجته وإحالتها الى ظل تابع راضخ لا ملامح له .
غير أن سنوات الصبر الطويلة التي عانتها تلك الشخصية الدمثة المسالمة ذات الرؤى الإنسانية ، بكل استيعابها وتفهمها وامتصاصها لمثالب الزوج بما فيها من إجحاف وانتقاص لكرامتها وإنسانيتها ، ولدت لديها مقاومة خفية أخذت تنمو مع الأيام من خلال اتخاذها مجالا تعويضيا عن واقع مبتسر بائس يحكمه الظلم والغبن والغدر ، حيث تتجه تلك المرأة المحكومة بجنسها كأنثى إلى تجاوز واقعها واختراق كل ما يحبط إنسانيتها إلى فضاء أكثر نقاء وشفافية ، لتفرغ فبه شحنات اعتملت طويلا فوق احتمالها ولتخرج من المطبخ إلى المكتبة ، محولة أطباق الطعام إلى روايات تسكب فيها عصارة تجربتها بأسلوب أدبي مرموق شفيف العبارة طريف الصورة ، تتجلى من خلاله معاناتها كزوجة وأم وامراة حملت جراحها بين أضلعها صابرة منطوية أطول ما يمكن ان تتحمله من عذاب صامت وشعور ممض بالغربة والإحباط .
استطاعت الأديبة بشرى من خلال مرويتها التي تعكس جوانب مهمة من حياتها الشخصية أن تستأثر بتعاطف القارئ وأن تشده معها في رحلة حياتها الكثيفة والحافلة بمعاناة قدر لها أن تتوصل الى وضع تسوية شبه مرضية لواقعها المعيشي ، بحيث نمت وتبلورت شخصيتها كامرأة ناضجة مثقفة صقلتها المصاعب والعقبات واوصلتها الى قناعتها الحالية الموفقة بين حياتها الشخصية وتطلعاتها الأدبية مقتنعة بمواصلة الحياة ، وقد تجاوزت فيها واقعا مريرا بخروجها من قوقعة العزلة إلى فضاء التواصل الإنساني كأديبة أثبتت جدارتها على الساحة الثقافية و الأدبية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى