حين يؤمن العلم، ويلحد العقل.. فما السر؟

محمد عبد العظيم العجمي |كاتب مصري
هذا الحكٌم الذي شهد له الخالق بالعدالة، ورضي به بينه وبين خلقه حكما “قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا” .. ترى هل يمكن أن تختل قوانينه أو تحيد، فتثبت بعد عناء البحث، وإزكاء السير، وإرهاق العقل أن تجنح قوانينه الرياضية والفيزيائية والفلكية والبيولوجية، و… ، أو غيرها، فترضى بغير الله خالقا وربا ومعبودا؟ هل يمكن أن يحدث ذلك؟
هل تزل قوانين العلم أو تخل فتدعي أن الكون وليد الصدفة ، وأن الخلق محض عبث، وأن الطبيعة هي كلمة السر وراء هذه الصنعة المحكمة، وأن التطور قد أبدع مع الزمان حيث لم يكن زمانا، هذي البروج والنجوم والمجرات، وعالم الملكوت .. وأحكم هذا السير الكوني بحسبان منذ مليارات السنين؟ .. لا يمكن .. فياللعجب!! كيف تُحكّم القوانين الصماء والمعادلات البحتة فتعدل، ويجنح العقل البشري عن فطرته ويزل!!؟
إذا كان الله تعالى قد ادعى الخلق وفصل بيانه في وحيه وكتبه، فقد أودع في حركته ونواميسه هذي القوانين على غاية من الدقة وإحكام الصنعة التي تحكم حركته ومساراته، كمثل إحكامه في بدعة الخلق، وانفراده بقيوميتة؛ هذه القوانين والنواميس هي ما اصطلح عليه باسم: (العلم)، وما كان الله ليعلن في كتابه عن كل هذا التحدي ــ بالعلم وقوانينه ــ للمنكرين من خلقه حتى يستدلوا به على غيره أو عدميته.. لم يكن هذا ليثبت لا علما ولا عقلا .
وقد استعرضنا في مراحل بدء الخلق ما ذهب إليه العلم وأهله وما أقروا به وسجلوه في نهاية حياتهم العلمية مما قطع بأن ليس ثمة تعارضا ولا اختلافا يمكن أن يظهر بين تلكم القوانين المحكمة وصنعة الخلق المتقنة.. فأنى يؤفك البشر، وأنى ينكرون,, وكيف تسري هذه الموجة من الإلحاد والإنكار بينهم كأنهم لم يقطعوا هذا المضمار من البحث، ولم يبلغوا من آفاق هذا العلم ما بلغوا؟
كيف يؤمن العلم الذي ويلحد أهله وسدنته، وهم سامدون(لاهون)؟ لا شك أن وراء هذا سر عظيم!!
يقول الفيزيائي (فيكتور ستينجر): ” أن ما نسميه قوانين الطبيعة لا تحتاج لخالق، وأنها لاتقوم بتوجيه حقيقي لسلوك المادة ، إنها تقييدات اضطر الفيزيائيون إلى القول بها عندما حاولوا توصيف سلوك المادة بطريقة رياضية، أي أن قوانيين الطبيعة ليس لها وجود حقيقي، وأنها من وضعنا نحن”.
كما يقول (ريتشارد دوكنز) إمام الملاحدة الجدد: “بدأت الحياة نتيجية تفاعلات كيميائية أدت إلى توافر الظروف الحيوية التي سمحت بالانتخاب الطبيعي .
ما إن تكون الجزئ الوراثي(DNA ) حتى بدأ التطور بالانتخاب الطبيعي.
كل ما نحتاجه هو جزئ سحري وفسحة من الوقت”.(2)
هذا السر هو نفسه عين السر في حكمة الخلق التي تجلت في الكون والإنسان.. وكان حقا على الإنسان إن عجزت نفسه أن يفهم عن الكون، أن يدني المسافة ويقلب الفكرة، فيوقف تأمله على أمر نفسه، وهذه التسوية الجسدية البيولوجية الفسيولوجية الجينية الروحية المتناغمة “وفي أنفسكم أفلا تبصرون” (الذاريات) .. هذا الاختصار الذي أراد أن يجعل فيه من عجائب القدرة في خلق الإنسان كما جعل منها في الكون، فصاغ هذا الإعجاز الذي جمع فيه نفخة الروح مع العقل والجسد، وجعل منه صورة مصغرة من صور الكون، كما فهم عنه أولوا النهى:
وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
“الإيمان بحقيقة الإنسان فرع عن معرفة موقعه من الكون، ومعرفة موقع الإنسان من الكون عين إدراك حقيقة الوجود خراجه.. وكل سير لا يتعثر هو ثمرة عين يقظة وقلب يتشوف إلى الإهتداء إلى السير الآمن إلى مبلغ الرجاء”(3).
إنما تنم هذه الحالة من الانفصام بين العلم والإيمان عن قطعية (منة الإيمان)، وأن هذا الذي أجرى الدلائل كلها على صفحات الكون الرائع، وفي خلق الإنسان العجيب المعجز، هو وحده (وفقط) الذي يمن بالإيمان كما من بالخلق، لمن علم عن نفوسهم في الأزل شوق الوصول، وصدق القصد، وإخلاص التوجه، ونزوع القلب وتشوفه إلى التعرف على خالقه، والإسفار عن مكنونات القدرة وطلاقة الحكمة.
لهؤلاء فقط يمن عليهم بالإيمان، ويدنيهم من حقيقة المعرفة التي لا تكون إلا به، ولا تتم إلا أن يكون هو المبدئ فيها والمعيد، وما عدا هؤلاء فهم كما قال: “يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا”، “إن الذي لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون” (النمل)، وهم الذي صدق فيهم قول الحق “إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)”[الأنفال].
وقول النبي صلى الله عليه وسلم ” “الشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَالسَّعِيدُ مَنْ سَعِدَ فِي بطن أمه” (4)، وهم الذي حقت عليهم كلمة ربك وقد علم من نفوسهم الشطط، ومن قلوبهم الزيغ وقد حاقت بهم الأدلة والبراهين من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ثم تولوا عنها معرضين.. فلله وحده منة الإيمان كما كانت له منة الخلق قبلها، وليس أدل على ذلك من كفران هؤلاء أصحاب العلم (النخبة) ، وإيمان أهل البادية حين خلصت الفطرة، وصحت النية “يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18)”[الحجرات].

المصادر والهوامش:
رحلة عقل (د. عمرو شريف)
 المصدر نفسه
براهين وجود الله (د. سامي عامري)
(صَحِيح مُسلم: قدر 3، وَابْن ماجة: مُقَدّمَة 7، والدارمي: مُقَدّمَة 23، وَأحمد 3/ 176.)،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى