الأمم المتحدة بعد 75 عاما على تأسيسها!!

المحامي إبراهيم شعبان | فلسطين

بعد معاناة دول الكرة الأرضية من عذاب ودمار وخراب وقتل وجرح لمئات الملايين من المدنيين والعسكريين في القرن العشرين، توافقت دول العالم في السادس والعشرين من شهر حزيران/ يونية من عام 1945 على التوقيع على ميثاق الأمم المتحدة لكفالة الأمن والسلم الدوليين، وبخاصة بعد أن فشل عهد عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى. ودخل الميثاق حيز النفاذ في 24 تشرين الأول/ أكتوبر من ذات العام.

وكانت الآمال كبيرة  حينذاك، بل عقدت الآمال على هذا الميثاق وبخاصة في ظل المقدمة العاطفية التي نصت  كلماتها على أن “نحن شعوب االأمم المتحدة، وقد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة، من ويلات الحرب التي في جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزانا يعجز عنها الوصف.

وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامته وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية وتحقيق العدالة واحترام التزامات الدول.

وأن ندفع بالرقي الإجتماعي قدما وأن نرفع مستوى الحياة في جو من الحرية فسيح. وأن نأخذ أنفسنا بالتسامح وأن نعيش في سلام وحسن جوار ” .

وأردفت في المادة الثانية وحددت مقاصدها وأهدافها في  حظر الحرب وفض المنازعات الدولية بالطرق السلمية، ومنع التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى،  ورفعة حقوق الإنسان، وتحقيق حق تقرير المصير للشعوب المستعمرة، وتحقيق التعاون بين الدول لحل المشاكل الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والإنسانية القائمة بينها. وها نحن بعد خمسة وسبعين عاما نفحص مسيرة الأمم المتحدة من لحظة قيامها إلى يومنا هذا وبخاصة في صدد القضية الفلسطينية حيث فشلت حينا ونجحت حينا آخر.

لا بد من القول ابتداء سواء أحببنا أو كرهنا، سواء أيدنا وجودها  أو نفينا استمرارها، أن الأمم المتحدة هي أكبر واضخم منظمة دولية حكومية على امتداد رقعة  هذا الكون، سواء من حيث تعداد الدول المنضمة إليها والتي تجاوزت 190 دولة تغطي كل قارات العالم بينما كانت خمسين دولة فقط حين تأسيسها، وبها أكبر عدد من الأجهزة الملحقة بها وبخاصة الجمعية العامة ومجلس الأمن والمجلس الإقتصادي والإجتماعي ومجلس الوصاية ومحكمة العدل الدولية، وتختص بأكبر عدد من المشاكل التي تناقشها وتبحثها وتعالجها، ونشاطها هو الأكبر بين الدول.

فهذه المنظمة قامت في بحر متلاطم الأمواج ولم يستطع أعضاؤها نسيان السياسة بل تشبثوا بها أكثر ولم يتعلموا درسا من الحرب العالمية الثانية. لذا فبعد قيامها شهدت حربا باردة فخلقت كتلتين كبيرتين عرفتا بالشرقية يراسها الإتحاد السوفيتي، والغربية التي ترأسها الولايات المتحدة، وهذا قاد لقيام كتلة عدم الإنحياز من مصر عبد الناصر وتيتو يوغسلافيا وجواهر لال نهرو الهند وأحمد سوكارنو أندونيسيا. وقطعا شهدت حروبا ساخنة في جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط. ووما لا شك فيه أن عدد الدول تضاعف أربع مرات تقريبا بوجود الأمم المتحدة وحق تقرير المصير.

ويجب أن نشير إلى أمر في غاية الأهمية ويغفل عنه الخطباء والكتاب والأكاديميون وهو أن الأمم المتحدة تنفذ وتستعمل القانون الدولي وجزاءاته في التعامل ما بين الدول.

وليس في وسعها استعمال القوة العسكرية لردع الدول المتمردة على القانون الدولي أو التي لا تنصاع له مثل إسرائيل. بل هي تعترف بما يسمى بالسيادة الوطنية لكل دولة صغيرة أو كبيرة وعلى قدم المساواة.

ولعل هذا الأمر هو أكبر عثرات الأمم المتحدة وبخاصة تسييس قواعدها وجزاءاتها المنصوص عليها في الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

ولنا فيما جرى في فلسطين وما جرى في العراق خير دليل على ما نقول. فبعد غزو العراق لدولة الكويت فرضت الأمم المتحدة جزاءات رادعة وفعالة على العراق جعلته في حالة من الحرج الشديد. حتى دواء السرطان للأطفال طالته يد خبراء الأمم المتحدة وحظرته بحجج وذرائع سياسية. وبموجب الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن عزلت العراق عن العالم الخارجي، فلا طيران ولا بحرية ولا استيراد ولا تصدير ولا تنقل إلا من خلال الرئة الأردنية.

بينما لم تستطع الأمم المتحدة أن تفرض على إسرائيل أية جزاءات بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بل لم تستطع الأمم المتحدة من استصدار قرار واحد من مجلس الأمن مقترن بالفصل السابع من الميثاق ضد إسرائيل.

ويجب أن لا ننسى الدور البارز السياسي الذي لعبته الأمم المتحدة في رفعة القضية الفلسطينية ودعمها ومساندتها من جميع جوانبها وبخاصة الإعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كحركة تحرر وحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وسيادتهم على ثرواتهم وأرضهم ورفضها الإعتراف بالإحتلال الإسرائيلي وإجراءاته وأفعاله وخطواته وقوانينه.

لكن يجب التذكير هنا أن الأمم المتحدة في خطوة غير قانونية وغير شرعية قامت بتقسيم فلسطين وتدويل القدس عبر القرار 181 في عام 1947. وقبله قامت عصبة الأمم بإقرار صك بلفور في صلب قرار الإنتداب البريطاني على فلسطين عام 1922. ولم تتراجع كلتا الهيئتين الدوليتين عن هذين العملين الباطلين، ولم تعلن عن عدم شرعيتهما، ولم تتراجع كلتاهما عن هاتين الخطوتين بإعلان بطلانهما ولو في تاريخ لاحق.

بكلام آخر يجب أن يزول القناع والوهم القائل بأن الأمم المتحدة في صالح القضية وباستمرار. هذا أمر غير صحيح البتة. فمن يراقب قرارات الأمم المتحدة في الحقبة الأخيرة يجد تراجعا ملموسا في المفردات والصيغ. وبالتالي ليس كل ما يصدر عن الأمم المتحدة هو خير للفلسطينيين.

ولا أدل على ذلك أن دولة فلسطين ليست عضوا في هيئة الأمم المتحدة حتى بعد اعترافها بها منذ زمن، وهي لا تملك حق التصويت في هذه الهيئة الدولية الأكبر والأهم.

وأخشى ما أخشاه أن تفقد دولة فلسطين قوتها في هذا المجمع الدولي وأن يتم التراجع عن قرارات جوهرية خاصة بالقضية الفلسطينية، بل أن تصدر قرارات في هذا الزمن الرديء تنتقص من الحقوق الوطنية والسياسية والدينية والثقافية والإجتماعية والمدنية الفلسطينية.

صحيح أن الأمم المتحدة أنشأت قوات حفظ السلام المنتشرة في جميع أنحاء العالم، واصدرت قرارا ومواثيق مرجعية لحفظ السلام وحقوق الإنسان، وقدمت مساعدات فنية عديدة لدول العالم الثالث، لكنها عجزت في مواجهة العدوان الإسرائيلي والأمريكي، بل لم تستطع أن تحرك ساكنا تجاه ضم القدس والجولان للكيان الإسرائيلي. إلا أن كل أمر له مزايا وعيوب، سلبيات وإيجابيات.

فكل عمل مشوب بالقصور في كل العصور، فلا يدرك الآخر بدون المدخل، لا تعرف الحقيقة قبل البناء ولا الثمر من غير غرس.

وهذه هي الأمم المتحدة في سلبياتها وإيجابياتها، لها ما لها وعليها ما عليها. وتحتاج لكثير من التعديلات، للخروج من عنق السياسة والإلتصاق بقيمها ومبادئها !!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى