كورونا … وقاعة  الدرس

 

د.محمد عرابي | أكاديمي مصري

أعُدُّ نفسي من أولئك الأكاديميين المرتبطين مباشرة بقاعة الدرس (المدرج الجامعي)، وتفاصيلها ارتباطاً وثيقاً، إذ لا ينفك ذلك عن شخصيتي، فهو دليل عندي من دلائل الثقة بالنفس، والحب العميق للعلم ونقله؛ كما أنني لست من أولئك الذين يقصرون نظرتهم إلى المحاضرة على أنها واجب من الواجبات التي على عضو هيئة التدريس أنيؤديها، بل إننيأترقب طلابي، وأنتظر رِدة فعلهم (Feed Back( وتعليقاتهم التي كثيرا ما تسعدني وترفع عندي درجة الثقة في المبدأ الثابت: (لايزال المعلم حدثاً عابراً ما لم يترك أثراً في قلب تلميذه وعقله بحيث ينشغل بما نقل إليه من معارف، ومهارات، ومشاعر وجدانية في آن واحد)

وحيث إنني مذ عُينت معاوناً لهيئة التدريس (معيداً) في العام ٢٠٠٧ من الميلاد بكلية عملية تطبيقية بحتة، هي كلية الزراعة كان القسم الذي تشرفت بالانضمام إليه آنذاك ( قسم الاقتصاد الزراعي) مثار استغراب لما يشتمل عليه من تخصصات تبدو للناظرين شيئا غريبا وعجيباً؛ إذ يحوي تخصصات نظرية بحتة في تلك الكلية التطبيقية، مثل تخصصي الذي حصلت لاحقا فيه على درجتي العلمية: (الماجستير والدكتوراة)  وهو تخصص علم الاجتماع الريفي Rural Sociology وهو ما يثير دوماً تساؤلات حولي في كل مرة أتعارف فيها على زملاء أكاديميينأو من أي وسط له علاقة ولو محدودة بأي من الشقين: كلية الزراعة أو علم الاجتماع، ليواجهنيالسؤال الذي سئمت من تكراره: ( إيه اللي لم الشامي على المغربي؟!) يقصدون بالطبع اجتماع وزراعة!!! ولهذا أكتبإليك هنا يا صديقي؛ فذلك الذي يبدو للناس عجيباً ومتناقضاً للوهلة الأولى هو سر شخصيتي، وطريقة تفكيري فالسوسيولوجيا لاتنفك في طبيعتها عن الريف الذي هو مبنيٌ على الزراعة كمهنة، وعلى خصائص اجتماعية فريدة من نوعها تدفع الباحث فوراً لتساؤلات يومية، بل تجعله في حاجة ماسّة إلى تطوير مهاراته البحثية من الملاحظة، والتحليل، والدراسة للظواهر الاجتماعية الديناميكية دوماً في ذلك المجتمع الثري القديم الأصيل، ليس هذا فحسب فأناأفخرأيضابأني من الأساتذة المرتبطين بالطلاب عموماً، ولذلك تجدهم يزاحمون على مدار اليوم عوالمي: هاتفي، ووسائل التواصل المباشرة وغير المباشرة، وهو الأمر الذي يجعلني -كما أظن- من القريبين لهم، المتفهمين لمشكلاتهم وحالاتهم المزاجية التي سرعان ما تنقلب من الثورة والغضب إلى الفرح والسرور بمجرد أن يشعروا وحسب أن هناك من أساتذتهم من هو معهم، يتفهم حالاتهم، ويرد على تساؤلاتهم، وهذا ما يسعدني شخصياً، بل أجدهأمرا يعوضني – في هذه الظروف التي منعتنا اللقاء – ارتباطي بالمدرج، ومحبتي للسبورة، والوقوف أمامها، ومن ثم رؤيةأولئك الطلاب، والرد على استفسارات المتطلعين منهم إلى المعرفة، وتشكيل الذات تشكيلا بناء يمكن أنيؤدي دوره مستقبلا بفاعلية.

إن الوقوف على خشبة المدرج يا عزيزي  متعة من نوع آخر؛ إذ يمتزج العلم بالمهارات الاتصالية، والمرح بالجدية، والمزاح بالنظريات العلمية المعقدة!! وهو ما يجعل تلك المشاهد عالقة بذهني كمعلم قبل أن تعلق بذهن طلابي، فلله در تلك الأيام التي حُرِمنا طيبها وجمالها بسبب تلك الجائحة التي نسأل الله زوالها عن بلادنا، وعن طلابنا، وزملائنا، وأساتذتنا.

إلى ذلك الحين، فإني سأظل أكتب لكم طلابي الأعزاء بقلم يملؤه الأمل باللقاء القريب، مع عيون تتوق لرؤياكم والتواصل معكم، حينها أعدكم أني سأتحمل عناء الاستظراف، والعبث الصبياني الذي أحياناً  يصدر من بعضكم، لأرد عليكم كما  تعودتم دائما بلازمتي: (ماتنساش نفسك يا طالب)، حتى ذلك الحين- الذي نسأل الله أن يكون قريباً- لكم مني محبة صادقة ووُدٌ لا ينقطع.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى