في تفنيد الأساطير.. هاشم وأمية الأصول والفروع (2)

الدكتور خضر محجز | فلسطين

أنجب عبد مناف بن قصي بن كلاب، أربعة من الأبناء هم: هاشم، وعبد شمس، والمطلب، ونوفل.

ويكاد الحديث يتمحور في هذا البحث حول سلالة الأخوين هاشم وعبد شمس، دون باقي الأخوة الآخرين.

فالأمويون هم أبناء أمية بن عبد شمس بن عبد مناف. والهاشميون هم أبناء هاشم بن عبد مناف.

فأما عبد شمس فقد أنجب ابناه أمية وربيعة.

فأنجب أميةُ أولاده: أبا العاص، وحرباً، وأبا عمرو.

فأنجب أبو العاص ابنيه الحكم، وعفان.

فعفان هو والد عثمان الخليفة الثالث، رضي الله عنه.

والحكم هذا، هو عم عثمان ووالد مروان، الذي سوف يؤسس الدولة المروانية فيما بعد.

وأنجب أبو عمرو ابنه المقيت أبا معيط، الذي سيأتي ذكره بعد سطور.

أما حرب بن أمية، فقد أنجب ابنه صخراً ــ المكنى بأبي سفيان ــ والذي ما زال يقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى دخل المسلمون عليه مكة من أقطارها، فهرب إلى الإسلام مكرهاً (انظر: السيرة النبوية. ج4. ص27).

هؤلاء هم أبناء أمية بن عبد شمس.

يتبقى لدينا ابن عبد شمس الآخر: ربيعة، الذي أنجب كلاً من عتبة وشيبة وهنداً.

فأما عتبة وشيبة فقد قُتلا كافرين في المبارزة الأولى يوم بدر. فنذرت هند حياتها أن تأخذ بثأرهما من المسلمين، فلما كان يوم أحد، بقرت بطن حمزة، وأخرجت كبده وحاولت أكلها، فمنع الله بطنها من أن يسمو بشيء من جسم أسد الله وأسد رسوله(انظر: السيرة النبوية. ج3. ص36).

ولولا أننا لا نستطيع قبول رواية الآحاد ـــ في الشهادة لأحد بالنار ــ لقلنا إن هنداَ هذه من أهل النار. لكن الجنة والنار من أمور العقائد، التي لا نقبل فيها خبراً غير متواتر، ولو صح(1).

إذن، فقد تزاوج نسلا الأخوين ــ أمية وربيعة ــ في شخصي أبي سفيان وهند، فأنجبا معاوية. وأنجب معاويةُ يزيداً.

هذا هو مجمل ما نريد الإحاطة به من سلالة عبد شمس بن عبد مناف.

أما سلالة هاشم بن عبد مناف، فيهمنا منها أن هاشماً أنجب ابنه شيبة الحمد، المكنى بعبد المطلب.

فأنجب عبد المطلب أبناءً منهم عبد الله، والد رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ وحمزة، وأبا طالب.

والحق أن البون كان شاسعاً بين ذرية الأخوين ــ هاشم وعبد شمس ــ ولم يكن مقرراً في الإسلام فحسب، بل كان مقرراً من قبلُ طوال عصر الجاهلية: فعندما تخاصم حرب بن أمية مع ابن عمه عبد المطلب ــ لعله في السؤدد وشرف السقاية والسدانة ــ واتفقا على أن يحكم بينهما نفيل بن عدي الحكيم المشهور، تعجب نفيل من وقاحة حرب، إذ يتناسى ما هو معروف مقرر، فينازع ابن عمه ما تقر له به العرب كافة، وحكم لعبد المطلب، وزاد حرباً من الشعر بيتاً حين عَيّره قائلاً:

أبوك معاهرٌ وأبوه عَفٌّ

وذاد الفيل عن بلدٍ حرامِ

(شرح نهج البلاغة. ج1. ص207)

وكان نفيل يشير بهذا إلى ما اشتهر به أمية بين الناس، من تعرضه للنساء، حتى أوشكت أن تقوم الحرب في قريش، إثر تعرضه آخر مرة لامرأة من بني زهرة(انظر: رسائل المقريزي. ص26).

ولئن كانت العرب، في الجاهلية، تسمي الأبناء الناتجين من زواج الابن من زوجة أبيه ــ بعد موته ــ بالمقيتين، فقد بلغ من عهر أمية هذا، أن طلق إحدى زوجاته، ليزوجها ابنه المكنى أبا عمرو، فأنتجت لأبي عمروِ ابنه أبا معيط، الذي زاد في المقت درجتين، بعد إذ أحدث له أبوه مقتاً لم يحدثه أحد من العرب قبله(انظر: رسائل المقريزي. ص27).

وأنجب أبو معيط ابنه عقبة، الذي طالما آذى الله ورسوله في مكة، قبل أن يوقعه الله تحت سيف الإسلام، فيأسره المسلمون في بدر، ويأمر الرسول صلى الله عليه وسلم علياً بأن يضرب عنقه، في طريق العودة، فيتساءل عقبة عن مصير أبنائه من بعده قائلاً: “فمن للصبية يا محمد؟” ليجيبه الذي لا ينطق عن الهوى بقوله: “النار”(السيرة النبوية. ج2. ص197).

ولم يتوقف قبح المقيتين هؤلاء عن حدود جيلهم، بل تعداه إلى الجيل اللاحق من ذراريهم، فأنجب عقبة أبناءه الملقبين بصبية النار(الأغاني. ج1. ص21 ــ 22) أحدهم الوليد، أخو عثمان بن عفان لأمه، فولّاه على الكوفة ــ رغم ما وصمه به القرآن من الفسق في قوله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا”(انظر: الألباني. الصحيحة. حديث رقم3088).

فكان يشرب الخمر حتى “صلى بأهل الكوفة الصبح أربعا ثم التفت فقال: أزيدكم؟”(البداية والنهاية. ج7. ص155).

بل إن من بني أمية من لعن رسولُ الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ مثل الحكم بن أبي العاص، والد مروان بن الحكم، الذي يفخر كثير من الناس بتأسيسه للدولة المروانية في دمشق:

فعن عبد الله بن عمرو، رضي الله عنهما قال: “كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذهب عمرو بن العاص يلبس ثيابه ليلحقني، فقال [النبي] ونحن عنده: ليدخلن عليكم رجل لعين. فوالله ما زلت وجلاً أتشوّف داخلاً وخارجاً، حتى دخل فلان: يعني الحكم”(مسند أحمد. ج11. ص71 ــ 72)(2).

ولما قام الصراع على تولية يزيد في حياة أبيه، وتولى مروان ابنه التمهيد لذلك، قالت له عائشة: “أنت فضض من لعنة نبي الله”(الكامل. ج3. ص352).

كما صح أن رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ قد نفاه إلى الطائف. وظل هذا القرار ساري المفعول طوال حياة الشيخين رضي الله عنهما، إلى أن جاء عثمان فأعاده إلى المدينة (انظر: أسد الغابة. ج2. ص49 ــ 50).

ورغم رغبة كثير من الناس عن أحاديث لعن الحكم، إلا أن صحتها ظاهرة. فلأمر عظيم نفاه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الطائف!. وقد قال ابن حجر: “وقد وردت أحاديث في لعن الحكم ــ والد مروان ــ وما ولد. أخرجها الطبراني وغيره، غالبها فيه مقال، وبعضها جيد”(فتح الباري. ج13. ص11).

هذا بعض عهر سلالة هذا الفرع من عبد مناف.

أما سلالة هاشم ــ واسمه عمرو ــ فقد بلغت ذروة المجد والشرف في الجاهلية والإسلام. ولئن كان أمية مقيتاً؛ فقد كان هاشم كريماً سيداً معترفاً له بزعامة مكة. فكان أول من سنّ لقومه رحلتي الشتاء والصيف.  وإنما سمي هاشماً، لهشمه الثريد مع اللحم لقومه في سني المحل، حتى قال الشاعر:

عمرو الذي هشم الثريد لقومه

ورجال مكة مُسْنِتون عجاف

 سُنّتْ إليه الرحلتان كلاهما

سفر الشتاء ورحلة الأصياف

(البداية والنهاية. الجزء2. ص253)

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ولدت من نكاح لا من سفاح، لم يصبني من نكاح الجاهلية من شيء”(البداية والنهاية. ج2. ص263).

وقال صلى الله عليه وسلم: “إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل. واصطفى قريشا من كنانة. واصطفى من قريش بني هاشم. واصطفاني من بني هاشم”(صحيح مسلم. حديث رقم2276).

فأنت ترى كيف كان الفرق بين النسبين: ففي حين كان نسب الهاشميين عفيفاً كله، لا سفاح فيه، كان نسب الأمويين مدخولاً منذ البداية حتى النهاية.

فالغريب أن بني أمية لم يكفوا عن عهرهم القديم، بل تفاخروا به في الإسلام. إذ لم يكفِ معاويةَ أن كان أبوه يعاهر في الجاهلية، حتى سعى إلى الاستفادة من نتاج ذاك العهر، فاستلحق ولده من سمية ــ زياد بن أبيه ــ وقال إنه أخوه(انظر: البداية والنهاية. ج8. ص28) مخالفاً في ذلك حديث رسول الله المتفق على صحته: “الوَلَدُ للفِراش. وللعَاهرِ الحجر”(انظر: جامع الأصول. ج10. حديث رقم8389)؛ ومقرا على أبيه بالعهر، حتى قال الشاعر في ذلك:

ألا  أبلغ  معاويةَ  بن  حربٍ

مغلغلةً  من  الرجل  اليماني

أتغضب أن يُقال: أبوك عَفٌّ

وترضىٰ أن  يُقال: أبوك  زانِ؟

وأشهد  أن   إلّكَ   من  زيادٍ

كإلّ الفيل  من  ولد   الأَتانِ

(الشعر والشعراء. ج1. ص363)

ولئن كانت عداوة الأقارب أشد لظىً من عداوة الأبعدين ــ لما فيها من التحاسد ــ لم يدع الأمويون مُدّخَلاَ لمعاداة بني عمومتهم، في الجاهلية والإسلام، إلا ولجوه.

ففي حين ناصر بنو المطلب بن عبد مناف ــ مسلمهم وكافرهم ــ أبناء عمهم الهاشميين، وحوصروا معهم في شعب أبي طالب، انحاز الأمويون إلى الفئة المقابلة وشاركوا في الحصار(انظر: البداية والنهاية. ج3. ص86).

بل إن التاريخ ليذكر لنا أنهم لم يشاركوا حلماء قريش في نقض الصحيفة، بعد سنوات من الحصار والجوع.

هذا وقد حرصت على تتبع أنساب هؤلاء الحلماء، الذين سعوا في نقض الصحيفة، فوجدتهم هشام بن عمرو بن الحارث من بني عامر بن لؤي، وزهير بن أمية بن المغيرة من بني مخزوم، والمطعم بن عدي من بني نوفل بن عبد مناف، وأبو البختري بن هشام من بني أسد، وزمعة بن الأسود من بني مخزوم.

فأنت ترى أن لا أحد منهم من بني أمية(انظر: البداية والنهاية. ج3. ص86).

ورغم كل ذلك فقد تعجب بنو أمية ــ من بعدُ ــ أن أخرهم الله إذ تأخروا، وقدم عليهم غيرهم إذ اختاروا لأنفسهم الدنية من قبل، فأرسلوا واردهم إلى الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ ليدلي دلوه، في عطاء الخمس، فردهم محسورين. 

ففي الصحيحين عن جبير بن مطعم، رضي الله عنه : قال: “مَشَيْتُ أنا وعثمان بن عفَّانَ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقلتُ: يا رسولَ الله، أعطيتَ بني المطلب وتركْتَنَا، ونحنُ وهُمْ بمنزلةٍ واحدةٍ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّما بنُو المطَّلِبِ وبنُو هاشمٍ شيءٌ واحدٌ…

وفي رواية للنسائي: إنَّا وبنُو المطلب لا نَفْتَرِقُ في جاهليةٍ ولا إسلامٍ ، وإنما نحنُ وَهُمْ شيءٌ واحدٌ. وشبَّكَ بين أصابعه”(جامع الأصول. ج2. 691 ــ 693).

ومعلوم أن هذا حكم في السيادة. فلا يسمى سيداً ــ من آل بيت رسول الله ــ إلا من أخذ من الخمس، وحرمت عليه الزكاة.

وللحديث بقية إن شاء الله

الإحالات:

1ــ روى ابن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين قيل له إن هنداً لاكت كبد حمزة فلفظتها، قال: “إن الله قد حرّم على النار أن تذوق من لحم حمزة شيئاً”. انظر: الطبقات الكبير. ط1. ج3. ص11. وقد ضعفوا هذا النص لأن فيه الواقدي. لكن الإمام أحمد أخرجه بسند صحيح، من غير طريق آخر: قال صلى الله عليه وسلم: “ما كان الله ليدخل شيئاً من حمزة النار”. انظر: المسند. ص419. 

2ــ وقد علق شعيب الأرناؤوط على هذا الحديث فقال: إسناده صحيح على شرط مسلم رجاله ثقات ــ رجال الشيخين ــ غير عثمان بن حكيم، فمن رجال مسلم.

المصادر:

1ــ ابن أبي الحديد. شرح نهج البلاغة. تحقيق محمد عبد الكريم النمري. ط1. جء1. دار الكتب العلمية. بيروت. 1998.

2ــ ابن الأثير. أسد الغابة. ط1. تحقيق عادل أحمد الرفاعي. ج2. دار إحياء التراث العربي. بيروت. 1996.

3ــ ابن الأثير. الكامل. ط1. ج3. دار الكتب العلمية. بيروت. 1987.

4ــ ابن الأثير. جامع الأصول. ج2،10. تحقيق عبد القادر الأرناؤوط. مكتبة الحلواني ومطبعة الملاح ومكتبة دار البيان. بيروت. 1972.

5ــ ابن حجر العسقلاني. فتح الباري. تحقيق عبد العزيز بن باز. ج13. دار المعرفة. بيروت. دون تاريخ. ص11. 

6ــ ابن كثير: الحافظ عماد الدين أبو الفدا إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي. البداية والنهاية. ج2،7،8. دار الفكر. بيروت. 1978.

7ــ ابن هشام. السيرة النبوية. تحقيق محمد بيومي. ط1. مكتبة الإيمان. المنصورة. 1995. ج2،3،4.

8ــ أبو الفرج الأصفهاني: علي بن الحسين بن محمد. الأغاني. ج1. تحقيق عبد الأمير علي مهنا وسمير جابر. ط1. دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع. بيروت. 1986.

9ــ الإمام أحمد. المسند. ط1. ج7،11. تحقيق شعيب الأرناؤوط. مؤسسة الرسالة. بيروت. 1996.

10ــ مسلم بن الحجاج. الصحيح. مجلد2. ط1. دار طيبة. الرياض. 2006.

11ــ المقريزي. رسائل المقريزي. دراسة وتحقيق رمضان البكري وأحمد مصطفى قاسم. ط1. دار الحديث. القاهرة. 1998.

12ــ ناصر الدين الألباني. سلسلة الأحاديث الصحيحة. ط1. ج8. مكتبة المعارف. الرياض. 2002.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. أنا لم أرى في حياتي, شخص ينقل من الكتب بدون تحقيق للمصادر كالمستطيئة وإخوانهم الروافض والحداثيون, فقط الطعن في أبناء عمومة النبي صل الله عليه وسلم. فإن كنت تعلم فتلك مصيبة, وان كنت لا تعلم فالمصيبة أعظم.
    تنقل من نهج البلاغة يا هذا وهذا المصدر غير موثوق به عند الرافضة, فكيف تستدل به ؟
    أنا سأوعدك أنني سأرد على كلامك بعد الفراغ وسيصلك ردي أثناء حياتك وسأهدم كل ما قلته أنسفه نسفاً بالحجة والبرهان الدامغ بالحق. ترقب, وإن غداً لناظرهم لقريب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى