سعادة في أحضان السرطان.. قصة قصيرة

د. أحمد حسين عثمان | مصر

 

لم يكن (لبيب) مختلفا عن طبيعة مجتمعه وعصره الذي يحياه سوى في هذا القلق والخوف من المجهول الذي يحيط بأنسجة خياله أشبه بأشباح صغيرة تتراقص أمام عينيه في كل حدث يقوم به، أو كل فكرة تقفز إلى ذهنه  حاول أكثر من مرة أن يبدو منتصرا أو منتشيا، لكن جميع محاولاته كانت تعود بفيضانات تحمل طميا يزيد من خصوبة أرض الخوف المزروعة بداخله، كلما هم بوضع الدنيا وهمومها تحت قدمية جعلته هو تحت ضغوطها وسطوتها.

كانت سهر ترى في عينيه طبيعة هادئة، وفي تصرفاته طفولة ساذجة، تبدو مضحكة في لحظة، وفي لحظات تكون باعثا على الشفقة، حاولت أن تقترب منه أكثر من مرة، لكن قلقه البالغ جعله يبتعد عن أي شخص خوفا عليه لا منه، لا يريد أن يشعر بالمسؤولية. لا لتافهته وهروبه منها، بل لشعوره بها الذي يسبب له إرهاقا نفسيا، وكأن سكينا يقطع أمعاءه وخلايا عقله .

لم يكن يعلم لبيب أنه بهذا الشكل سيحمل مزيدا من الأعباء عليه، وسيجعل الأنظار تتجه نحوه طالما أنه يقدر المسئولية ويستشعرها بشدة

عاش في حياته بين القلق والاضطراب لا يتلذذ بما يجمعه من مال، ولا يطمئن في أوقات راحته إلى ما حققه من قراءات تكشف له قدرا من المجهول.

 شعر بألم في بطنه لكنه لم يكترث به، وظن أن ذلك من اضطرابات القولون العصبي الناتج عن توتره وشعوره المبالغ فيه، وانفعالاته التي لا تتناسب مع العديد من المواقف العابرة، الهموم تعطي مذاقا للحياة، لكن الطباخ الماهر يدرك أن زيادة جرعة الملح رغم حاجته إليه تجعلنا نترك الطعام بمرته أو نأكله إذا اضطررنا على مضض، مما يجعلنا نتناسى فرحة تذوقه متجهين إلى وظيفته في سد الرمق فقط .

ذهب للطبيب بقدميه وجسده، أما عقله وقلبه فكانا مفعمين بالهموم والتوتر، وكأنه يحمل نصف الكرة الأرضيه في جوفه أو فوق حاجبيه النحيفين المتقاربين بشدة في نقطة تسكن أعلى الأنف .

نظر الطبيب إلى التحاليل والأوراق، وظهرت في عينيه علامات الأسى التي لم يلاحظها (لبيب) ..

–         أستاذ ،أستاذ ،أستاذذذذذذذذذذذذذذذذذذذذ.

–         ها نعم معذرة كنت مشغول في قضية ما ..

–         الطبيب: نحن لا نغير الأقدار هناك أشياء فوق قدرتنا كبشر فقد علينا التسليم والصبر،

–         طبعا طبعا ،. المهم إيه الأخبار؟

كأن لبيب لم يدرك ما الهدف من هذه المقدمة، ثم قال له الطبيب وعيناه تتحاشى النظر إلي عينيه :

–         إنت مصاب بالسرطان

صمت برهة، وشعر بخفة في قلبه، وأن حملا ثقيلا فارق رأسه وقلبه، وابتعد الحاجبان عن تقاربهما قليلا، وشعر بأن الدنيا التي كانت جاثية فوق رأسه أصبحت تحت قدميه كورقة ملطخة بقاذورات عفنة، تعجب من حملها بهذه الطريقة، واندفع يضحك ويضحك بصوت عال..

  تعجب منه الطبيب وظن أنه أصيب بالخرف لما علم من مرضه، فنزل من عنده كريشة تتطاير في الهواء بلا جناحين، فذهب لعمله بلا قلق، ومارس حياته بلا توتر بعدما شعر أن الدنيا تخلت عنه واقترب اسمه من  الموت وسجلاته.

  قرر الاستمتاع بكل لحظة دون أن يحمل هم للحظة التي تليها ، اقترب من سهر وقضى معها أجمل لحظات الخطوبة، لم يعد يفكر في الغد لأنه في اعتقاده لن يأتي  بأسوأ مما جاء به الحاضر، أو لأنه سيرحل قبل أن يقابله، وعاش عمره وهو يحمل في خلاياه الورم، لكنه يرسم على شفتيه السعادة …عاش أياما وليالي ذاق فيها طعوما لم يتذوقها وهو بعيد عن المرض.

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى