شهادة تفقد حياة للمشروع الوطني الفلسطيني
عدنان الصباح
المشروع الوطني الفلسطيني الذي بدأ كحالة دفاع عن الوطن بعد الحرب الاستعمارية الأولى رافضين من اجله كل المشاريع والمحاولات للانتقاص منه واخرها المشروع الدولي المسمى قرار التقسيم والصادر رسميا عن الامم المتحدة والذي كان ينص على قيام دولتين بكيان اقتصادي واحد وقد رفضناه لأنه يتنقص من حقنا المطلق في كل بلادنا فلسطيني وبعد قيام دولة الاحتلال ظل مشروعنا الوطني قائما ليتحول الى مشروع استعادة كل الارض المحتلة الى ان جاءت هزيمة عام 1967 لتهز كل شيء ونحاول عبر تثوير م ت ف الى تكريس المشروع الوطني كحالة لاستعادة كل فلسطين وتحريرها شبرا شبر وحجرا حجرا ولكننا لم نكتفي بذلك بل انشغلنا في تجميل مشروعنا الوطني بأسماء واسماء ومشاريع تصب جميعها في خانة قبول الحال على ما هو عليه ومنها مشروع الدولة العلمانية والدولة الديمقراطية الواحدة ورفضنا كل ما ينتقص من ذلك وقبل ان يستشري الاستيطان في الاراضي المحتلة عام 1967 عرض مناحيم ميلسون منسق الاحتلال على القيادات الفلسطينية في الضفة حكما ذاتيا كاملا فرد هؤلاء بان هناك دولة ولاية عليكم التحدث اليها وهي الحكومة الاردنية فأدار الاحتلال ظهره لدولة الولاية وللقيادات التي رفضت الفكرة في حينها وتمسك حين رفضنا بقرارات الامم المتحدة 242 وبعده 338 وظللنا على حالنا حتى حرب اكتوبر 1973 لنحاول تجميل مشروعنا اكثر فاكثر لتطفو على السطح فكرة السلطة الوطنية الفلسطينية المقاتلة كموطئ قدم لمواصلة التحرير وصولا الى الدولة الوطنية الفلسطينية الديمقراطية العلمانية الواحدة الموحدة وما الى ذلك وبقدرة قادر تحولت السلطة الوطنية الفلسطينية الى شعار اخر وهو الدولة على حدود 1967 وانشغلنا بصراع حق الولاية منذ البدايات بين المنظمة والاردن والاحتلال واعوانه سعداء بهذا الانشغال وحين استطاع العرب حسم الصراع لصالح المنظمة ظلت دولة الاحتلال كاذبة تلوح بالخيار الاردني تصريحا وتلميحا وفقط بهدف احداث القطيعة الى الابد مع الاردن كدولة ولاية وفق القانون الدولي وبدل ان تصبح الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 من اراضي دول اعضاء في الامم المتحدة كمصر والاردن اصبحت هذه الاراضي خارج معادلة القانون الدولي وبطلب من اصحاب المشروع الوطني وتواصلت الصراعات والانشغالات مع العرب بمعارك وحروب وخلافات تارة مع الاردن واخرى مع لبنان ومصر وسوريا بما في ذلك اصطفافات لا يعلم بأهدافها الا الله جعلت القضية الفلسطينية قضية وطنية محصورة بعد ان كانت قضية كل العرب والمسلمين وعديد الدول الاخرى بدون اوروبا الغربية وامريكا وقاتلنا السادات بعد كامب ديفيد ثم حالفنا العراق وسوريا وقاتلنا الخليج ومن لف لفه وخسرنا ايران ومن لف لفها في حينه حتى لم نعد ندري في أي خزانة اودعنا مشروعنا الوطني حين عاودنا ترك من حالفناهم لنحاف غيرهم ونذهب الى مدريد ولتصبح بوابة اوسلو كما نحب ان نسمي الاتفاق الذي توصلنا اليه مع دولة الاحتلال فيها او ” المبادئ الاولية لإعلان اتفاق الحكم الذاتي الفلسطيني ” كم هو في واقع الحال مشروعا وطنيا جديدا قادنا لانشقاقات واختلافات كادت ان تبهت وتختفي تحت مظلته الى ان جاء الانقسام البغيض ليضع غزة في برنامج والضفة في برنامج اخير وتضيع القدس كليا ومعها مساحات شاسعة من اراضي الضفة الغربية وبعد ان كانت فلسطين كلها صار همنا هو الاحتفاظ بمناطق ” أ ” والتي تشكل 3% من اراضي الضفة ولا شيء يذكر من اراضي فلسطين التاريخية.
اليوم يوجد حماة للمشروع الوطني بدون مشروع وطني فكل يغني على ليلاه باسم المشروع الوطني دون ان يحاول احد ان يخرج هذا المشروع من خزائن الارشيف المفقود وبالتالي بقي المشروع الوطني لفظا في الشفاه لا وجود له على وجه الارض وانشغل العرب كل العرب بالتطبيع ومن لم يفعل جاء لينشغل بنا في محاولة لراب الصدع الذي اصبح اهم من كل المشروع الوطني الغائب كليا عن دائرة الفعل والحياة.
بحاجة اليوم نحن كشعب ان نخرج شهادة تفقد حياة لمشروعنا الوطني ونسلمه للقوى والفصائل الفلسطينية المنشغلين عنه كليا بهمومها الضيقة وفي احسن الاحوال بهموم اماكن نفوذها بعد ان صار توفير الرواتب اهم من القدس فهذه القوى كانت قادرة على تجييش الشارع ضد مشروع صندوق الضمان وضد رفع الضرائب ومن اجل رفع الرواتب وبعد ان كانت الاراضي المحتلة عام 1948 فلسطينية اعترفنا بها اسرائيلية وبعد ان كان اهلنا هناك موحدين انقسموا الى جماعة الجنوب والشمال وصار النقب للبدو ولجهة الجنوب والجليل لجهة الشمال ووادي عارة يجري في مجراه وصار منصور عباس وكيل الدولة اليهودية لدى اهل الجنوب ولا يعنيه الشمال بشيء وانقسمنا هناك كما انقسمنا في الضفة وغزة ونحاول الانقسام حتى في الشتات كما هو حال لبنان بعد ان تناسينا القدس كما نسينا حيفا وصار همنا حماية المزارعين من المستوطنين بتحديد او اغلاق شبابيك بيوتهم بعد ان كان اتلاع المستوطنات شعارا وطنيا بامتياز اخترعنا شعارا جديدا هو لجم قطعان المستوطنين وبدل ان نحمي الطريق بين جنين ونابلس اخترعنا بأيدينا طرقا بديلة كما هو حالنا في كل ازمة والحكايات تطول وتطول.
مرة اخرى ان نبش الذاكرة بمخرز الملاطمة لن يأتي الا عبر مبادرة قد لا يتقنها النيام بإعادة الحياة للمشروع الوطني عبر استخراج شهادة تفقد حياة له وتسليمها للشعب لمنحها لمن يشاء ليواصل مسيرة انقطعت او اراد لها البعض ان تقطع حين زور المشروع والقى بنسخته الاصلية في خزائن لا نجد مفتاحها وعاد شعبنا لتراثه القديم ليغني ” المشروع الوطني بالصندوق والصندوق بدو مفتاح والمفتاح عند الحداد والحداد بدو بيضة والبيضة عند الجاجة والجاجة بدها قمحة والقمحة بالطاحونة والطاحونة مسكرة فيها مي معكرة ” فمن يا ترى من قادات وثوار الياقات البيضاء لديه الاستعداد للغوص في المياه المعكرة واتساخ بزاته باهظة الثمن ليخرج لنا شهادة تفقد الحياة ” المفتاح ” والسؤال برسم الاجابة لمن اراد ان يجيب ان كان هناك من يريد ذلك ان يتحمل تبعات ذلك حقا ويمضي بنا الى الامام.