تحطيم اليأس

دكتور عادل المراغي | أكاديمي وأديب مصري

إذا هبت رياح اليأس تحولت الحياة إلي صحراء قاحلة ذبلت فيها النباتات وأصابتها السنون العجاف وتحول فيها الربيع إلي خريف تتساقط فيه الأوراق،واذا هبت ريح التشاؤم واليأس خلفت وراءها أعجاز نخل منقعر واقتلعت النفوس وحطمت الآمال واجتثت الطموحات،وإذا نزل غيث الأمل سالت أودية بقدرها واهتزت القلوب وربت،وإذا سرت روح اليأس في الجسد أهلكته وراح يجر أثقالا مع أثقاله لسان حال أحدهم يقول : ليس لي حظ في التجارة،ولوأنني تاجرت في الأحذية لولد الناس بدون أرجل!؟
فالمتشائم يخاف من كل شيء،وفيه يقول الشاعر:
لقد خِفتُ حتى لو تمرُّ حمامة
لقلتُ: عدوٌّ أو طليعةُ معشر
فإن قيلَ: خيرٌ قلتُ : هذي خديعةٌ
وإن قيلَ: شرٌّ قلتُ: حقٌّ فشمّرِ
وقد عد ابن حجر اليأس من رحمته – تعالى – من الكبائر، مستدلًّا بقوله – سبحانه – : ( إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ )
قال محمد بن كعب: الكبائر ثلاث: (أن تأمن مكر الله، وأن تقنط من رحمة الله ، وأن تيأس من روح الله)
فقد نهى يعقوب عليه السلام أولاده عن اليأس فقال :
(ولا تيأسوا من روح) والمراد لا تقنطوا من رحمة الله وبألفاظ أخرى لا تفقدوا الأمل فى نفع الله لكم إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، والمراد إنه لا يقنط من رحمة الله إلا الناس المكذبين بحكم الله، فصفة الكافر هو فقدانه الأمل فى نفع الله.
وقد جاء حديث القرآن مفصلاً عن القنوط واليأس في سورة الروم قال تعالي: (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ)
وجاء بعدها الحديث عن المطر وأحياء الأرض وقنوط الإنسان قال تعالي في سورة الروم: (وَإِن كَانُوا۟ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِۦ لَمُبْلِسِينَ )
وقد فرق العلماء بين اليأس والقنوط فهما يعنيان فقدان الأمل بصور متفاوته ،ففي القنوط نجد أن الأمر يمكن أن يحصل بعد طول انتظار أما في اليأس فنرى أن الأمر لن يتحقق فهو ميئوس منه ،قال الله تعالى :
(وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)
فنجد أن الناس قد قنطوا من نزول الغيث وبلغت القلوب الحناجر وساءت الظنون وادلهم الخطب ،و لكن الله تعالى أنزل الغيث ونشر رحمته.
وقد جاء القنوط علي لسان الملائكة لسيدنا إبراهيم عليه السلام حينما بشروه باسحاق
( قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين * قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ )
ومن خلال الآيات الكريمة نجد أن اليأس أشد من القنوط لذا جعل الله اليأس أخا للكفر وجعل القنوط أخا للضلال.
واليأس والقنوط: سَـدّ لباب التفاؤل والأمل، وتوَقعٌ للخيبة والفشل، واستبعادٌ للفرَج بعد الشدة، واليُسْر بعد العُسْر.. وتغييبٌ للرّجاء في رَحمة الله وعفوه وغفرانه.
واليائسُ القنوط: من ضاقت نفسُه من كثرة الذنوب، وتوالي الهموم، فلا يتوقعُ الخيرَ ولا يرجو الفرَج.
اليأسُ والقنوط: كبيرة من كبائر الذنوب -كما ذكرت آنفاً-، وصفة من صفات أهل الكفر والضلال؛ فلا ييأسُ من رحمة الله إلا القوم الذين حادُوا عن الطريق وضلوا عن السبيل، وتركوا الرجاء في الله، لعدم علمهم بربهم، ولجهلهم بكمال فضله وعظيم كرَمه
ولا تظنن بربِّك ظنَّ سوءٍ
فإنَّ الله أولى بالجميلِ
واليأس والقنوط؛ داء ابتلي به كثير من الناس، لأسباب كثيرة، ودواعي عديدة.
فمن الناس من أصيب باليأس والقنوط، نتيجة جهله بالله تعالى، وعدم معرفته بسَعَة رحمة الله وعظيم فضله وكرمه وإحسانه.
ومن الناس من أصيب باليأس والقنوط، بسبب غلوّه وإفراطِه في الخوف من الله تعالى، حتى وقع في اليأس من رَوْحه، والقنوطِ من رحمته.. فحَدّ الخوْفِ ما حَجزك عن المعاصي. أما ما زاد على ذلك فهو غيرُ محتاج إليه، لأنه يُوقع صاحبه في اليأس والقنوط، وفيه سوءُ أدب مع رحمة الله التي سبقت غضبه سبحانه.
ومن الناس من أصيب باليأس والقنوط، نتيجة مصاحبته لليائسين والقانطين والمقنطين؛ فإنّ مصاحبة هؤلاء والإنصاتَ لهم، والاستسلامَ لكلامهم، والركونَ إلى أقوالهم باعِثٌ قوي على القنوط من رحمة الله سبحانه وتعالى.
ومن الناس من أصيب باليأس والقنوط، بسبب قلة صبره وتحمّله واستعجاله للنتائج؛ فإنّ ضَعْفَ النفوس عن تحمّل البلاء والصبر عليه، واستعجالَ حصول الخير، باعث على اليأس والقنوط، لاسيما مع طول الزمن واشتداد البلاء على الإنسان.
ومن الناس من أصيب باليأس والقنوط، نتيجة شدةِ تعلقِهِ بالدنيا والركونِ إليها والفرَحِ بأخذها؛ فهو يحزن ويتأسف على ما فاته منها من جاه وسلطان وأولاد ومال وعافية ،قال تعالي:(لا يَسْأَمُ الإنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِن مَسَّهُ الشَّرّ فَيَئُوسٌ قنُوطٌ ) ويقول عز وجل: (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرّ كانَ يَؤُوسا )
وأغلب ما يكون اليأس والقنوط بسبب الجهل بالله أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين وخير الغافرين وأجود الأجودين فرجه في لمحة البصر (كل يوم هو في شأن)
فهو الجواد الكريم البر الرحيم .
مظاهرُ اليأس والقنوط:
لليأس والقنوط صور كثيرة، ومظاهرُ عديدة، كلها تبعث على الحزن والأسى، وتورث القلق والهمّ، وتفوّت على المرء مصالحَ دنياه وأخراه
ومِن أخطر مظاهر اليأسِ والقنوطِ: اليأسُ والقنوط من مغفرة الله ورحمته؛ حين يظنّ المرء أنه قد هلك وخاب وخسر، ويقطع على نفسه باب الرجاء، ويسدّ على نفسه باب الأمل في عفو الله والطمع في مغفرته ورحمته، فيترُك العمل، ويَخلد إلى الخمول والكسل، ويخوض مع الخائضين، ولا يسلك طريق التائبين.
ومن عيون الشعر في تحطيم اليأس ما ورد عن سيدنا علي رضي الله عنه:
إذا اشتملتْ على اليأس القلوبُ
وَضَاْقَ بِمَا بِهِ الصَّدْرُ الرَّحِيْبُ
و أوطنت المكارهُ واستقرت
وَأَرْسَتْ فِي أَمَاكِنِهَا الخُطُوْبُ
و لم ترَ لانكشاف الضرِّ وجهاً
و لا أغنى بحيلته الأريبُ
أتاكَ على قنوطٍ منك غوثُ
يمنُّ به اللطيفُ المستجيبُ
و كلُّ الحادثاتِ اذا تناهتْ
فَمَوْصُولٌ بِهَا فَرَجٌ قَرْيَبُ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى