العيد والوعيد

أ.د. عنتر صلحي | أستاذ الترجمة واللغويات – جامعة جنوب الوادي – مصر

 

سألني زميل عزيز- وطالب سابق- يعمل معلما الآن، سؤالا وجه له من قبل بعض زملاءه، ولم يحر له جوابا، فألتمس ضالته عندي. والسؤال هو: أين ورد ذكر عيد الفطر في القرآن؟ أو أثبت لنا أن عيد الفطر مذكور في القرآن. وكانت حيرة صاحبي أنه انكب على المصحف يقلب صفحاته فلم يصل لآية تشفي ظمأه ليرد عليهم. فكان ردي – بعون الله- كالتالي: 

أولا: محركات الأفكار:

لابد قبل إجابة السؤال، التفكر في سبب توجيه السؤال أولا، ولماذا يهتم شخص بالبحث عن أية تذكر عيد الفطر الذي يحتفل به كل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها عاما بعد عام ولم يخالف منهم أحد عبر الأربعة عشر قرنا؟. ألا يكفيهم ما ورد من أحاديث صحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العيد ويوم العيد؟ وبعد التأمل رأيت أن مثل هذه السؤال لا يثيره سوى منكرو السنة – أو من يلقبون أنفسهم زورا وبهتانا بالقرآنيين، والقرآن منهم براء- وهم من يقولون نؤمن بما ثبت في القرآن فقط ونرد الأحاديث والسنة لأنها غير محفوظة بما حفظ الله به القرآن (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون). لذا فالخطوة الأولى في الرد هي التأكيد على عدة نقاط: 

– مصادر الدين عند المسلمين ليس القرآن وحده، بل القرآن والسنة. والقرآن نفسه يؤكد ضرورة اتباع السنة: (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (من يطع الرسول فقد أطاع الله) (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)، وقد رأى الصحابة رضوان الله عليهم النبي صلى الله عليه وسلم يصلى بهم صلاة العيدين طوال عشر سنوات بعد الهجرة، ويحتفل بالعيد – فالتزموا بالقرآن – بأن أتبعوا الرسول وأبلغونا بذلك عبر السنة. 

– القرآن نفسه يشير إلى أن السنة النبوية وحي منزل: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) إذن الذكر هنا ليس القرآن وإنما هو شيء آخر غير القرآن هدفه تبيين وتفصيل وتوضيح ما أجمل في القرآن (نزل إليهم). والقرآن نفسه يأمرنا أن نتبع صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما فعلوه اقتضاء برسول الله (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ) فإن لم يكن المؤمنون هنا هم الصحابة، فمن يكونون؟   بل جعل القرآن المعيار لحقيقة الإيمان أن يوافق الطريقة التي آمن بها الصحابة رضوان الله عليهم: (فإن آمنوا بمثل ما أمنتم به فقد اهتدوا) لاحظ (بمثل) وليس (بما). 

– من يتحجج بقوله تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) نسأله من علمك هذه الآية؟ كيف وصلت إليك؟ فلا جواب سوى إنها عن طريق روايات القرآن التي نقلها الصحابة. فمن نقل القرآن هم أنفسهم من نقلوا السنة كذلك. 

– القرآن يشير إلى أن هناك جوانب من الوحي ثبتت عن غير طريق القرآن، مثلا آية تحويل القبلة (فول وجهك شطر المسجد الحرام) تبين أنه كانت هناك قبلة سابقة (نحو بيت المقدس) فأين في القرآن: “ول وجهك نحو بيت المقدس”؟ لا توجد في القرآن، لكن لا يمكن أن ننكر وجود القبلة القديمة، لذا وجب أن يكون الأمر بالصلاة نحو بيت المقدس قد نزل في السنة لا القرآن. ومنها آية سورة التحريم (قالت من أنباك هذ، قال نبأني العليم الخبير)، والسؤال: أين نبأه العليم الخبير بخبر زوجاته صلى الله عليه وسلم في القرآن؟ لا يوجد. إذن الإنباء تم في وحي غير القرآن، وهو السنة. 

ثانيا القرآن والقداسة:  

يظن الناس أن اللفظ طالما ورد في القرآن فله قداسة خاصة به، وله تشريف وتكريم أن ذكر في كلام العزيز الحكيم، وأن ما لم يذكر لا يستحق هذا التشريف والتكريم. وهذا الكلام فيه مغالطة، فإن كلام الله كله مقدس وكله يتعبد به في الصلاة وكله يتلى إلى أن يشاء الله، لكن معاني الألفاظ تقدر بحسب سياقاتها؛ فإبليس عليه لعنة الله مذكور مرات عديدة في القرآن فهل يعني هذا كرامته وتشريفه؟ كذلك ورد ذكر أبي لهب، ولم يرد ذكر أبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي بالاسم، فهل يعني هذا أن أبا لهب أفضل منهم، وهو من (سيصلى نارا ذات لهب)؟ وبالتالي فعدم ذكر نص في القرآن يخص عيد الفطر لا يعني أنه غير ثابت أو أنه لا قيمة له، أو أنه سيكتسب قيمة أكبر إذا كان له ذكر باللفظ. 

ثالثا: المعلوم من الدين بالضرورة: 

هناك أشياء اتفق عليها المسلمون عبر تاريخيهم علماؤهم وعوامهم لم يخالف منهم أحد، هذه الأشياء تسمى المعلوم من الدين بالضرورة، لأن كل المسلمين يعرفونها ويمارسونها، وقد أخذوها عبر السنة العملية للرسول صلى الله عليه وسلم، منها أن الصلوات خمس، وأن الوضوء يسبق الصلاة بالطريقة المعروفة، وأن بالإسلام عيدين، وقد بلغت هذه العبادات من قوة الممارسة أن الناس لا تفكر فيها لأنها ثابتة قائمة من أيام الإسلام الأولى حتى اليوم لم تنقطع؛ فالناس يصلون كل يوم، ويقرأون القرآن كل يوم، ويقولون وراء الإمام “آمين” كل يوم، ويستطلعون الأهلة للشهور، ويحتفلون بالعيدين. 

رابعا: ومن قال إنه لم يذكر؟ 

بعد كل ما عرضاه وأثبتناه، نقول، ورغم كل ذلك فهل إشارة واضحة وصريحة في القرآن إلى عيد الفطر، وهي قوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ما هي العدة؟ هي عدة شهر رمضان ثلاثون يوما أو تسع وعشرون إذا ظهر هلال شوال، وما الذي يحدث بعد إتمام عدة الصيام؟ (تكبروا الله على ما هداكم)، كيف نكبر الله؟ بالصيغة التي علمنا إياها رسول الله ونقلها عنه الصحابة رضوان الله عليهم، وهي التي تقال يوم العيد، فهل هناك أظهر من ذلك على الإشارة ليوم العيد؟. 

خامسا: الوعيد: 

ولكننا نختم بالتحذير القرآني: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ.) إن الله سبحانه وتعالي يحذرنا أن نخالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول إن من يفعل، تصيبه فتنة – وهل هناك فتنة أكبر من رد السنة والتشكيك فيها – أو عذاب أليم – عذاب نفسي في الدنيا، ثم العذاب الأكبر في الآخرة. والسؤال هو: أين نجد أوامر النبي صلى الله عليه وسلم، حتى لا نخالفها؟ ليس في القرآن، فهو كلام الله سبحانه وأوامر الله التي أوحاها لنبيه عليه الصلاة والسلام، فأين أذن تكون أوامر النبي؟ في سنته التي نقلها لنا عنه صحابته رضوان الله عليهم. 

ملاحظة أخيرة: لاحظ أننا لم نستشهد بحديث واحد طوال المقال، وإنما كل الأدلة من القرآن الذي يزعمون إنهم يؤمنون به دون سواه. 

هدانا الله وإياكم والمسلمين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى