كتاب الدولة العثمانية في التاريخ الحديث للدكتور إسماعيل أحمد ياغي

قراءة أكاديمية: د. طارق محمد حامد | مصر

اللوحة للفنان الأمريكي: بول كراييف

يتناول هذا الكتاب تاريخ الدولة العثمانية منذ نشأتها وحتى سقوطها. وقد تحدثت فصول الكتاب عن أصل الأتراك ونشأتهم، وعن قيام الدولة العثمانية وتوسعها، وعن تاريخ الدولة في فترات القوة والضعف والانحطاط، وتحدثت فصول أخرى عن الحركات القومية وحركة الإصلاح العثماني وكذلك تناولت عصر السلطان عبد الحميد والمسألة الشرقية ونهاية الدولة وقيام تركيا الحديثة.

تأسست الدولة العثمانية في بداية القرن الرابع عشر علي يد عثمان الأول ابن أرطغرل إذ كانت مجرد إمارة صغيرة داخل حدود العالم الإسلامي تعتمد على الغزو ضد الصلييبن، وبدأت هذه الإمارة في التوسع شرقا بشكل تدريجي، وضم العديد من الأراضي لصالحها، وأصبحت بذلك أقوى دولة في العالم. فما هو دور الخلافة العثمانية في نشر الإسلام؟

إن الدور الذي قامت به الدولة العثمانية بعدما تحولت من دويلة صغيرة إلى خلافة تسعى إلى توحيد العالم الإسلامي تحت راية واحدة ومنهج واحد وأصبح لها دورا مهما في نشر الإسلام وإصاله لدول أوروبا، إضافة إلى تقديم خدمات جلية وواضحة للعالم العربي وللمسلمين بشكل عام، ومن ذلك حماية الشرق العربي والإسلامي من الغزو الإستعماري بحيث واجهت جميع الهجمات وتصدت للمخططات ومنعت تغلغل المستعمر وتنفيذ مخططاته داخل الحجاز، وكذلك الدفاع على المقدسات الإسلامية وعلى رأسها حماية الكعبة المشرفة والمسجد النبوي، ثم استئناف الزحف تجاه بيت المقدس والاستيلاء على المسجد الأقصى كما قامت بمساعدة نقل المسلمين من الأندلس للشمال الأفريقي الإسلامي و نجاتهم من محاكم التفتيش الصليبية بعد سقوط غرناطة آخر الممالك الإسلامية في الأندلس و كذلك بدخول الخلافة الإسلامية العثمانية إلي مصر تأخير الإحتلال الغربي الصليبي الفرنسي و الانجليزي لمصر ثلاثة قرون حتي عام 1882م .

وعموما لقد كان للخلافة العثمانية دورا عظيما في نشر الإسلام وحمل رايته إلى العالم كله وإلى جنوب شرق أوروبا بالتحديد، كما قامت برعاية المسلمين وتوفير جميع الإحتياجات التي سهلت نشر الإسلام في أوروبا، ويتضح ذلك من حجم وكثرة المساجد التي لا زالت موجودة في أوروبا وغيرها من الأثار الإسلامية، كما أن من المجهودات الكبيرة والعظيمة التي قامت بها الدولة العثمانية هو كفالتها للحرية الدينية مما أدى إلى اتساع نطاق الإسلام.فقد كان سلاطين الدولة العثمانية يعتمدون الألقاب الدينية بجانب أسمائهم مثل لقب حامي “الحرمين الشريفين”، ولقب “الخليفة”، كما حرصوا على تطبيق الشريعة الإسلامية تطبيقا صارما بحذافيرها، فقد كان الدين والدولة عندهم أمر واحد، والقرآن الكريم والسنة النبوية هما المصدران الأصيلان لسياستهم، وكان الطابع الإسلامي يأخذ مكانة في تشريعات الدولة وفتوحاتها.

“العثمانيون والفتوحات الإسلامية”

اتخدت الفتوحات العثمانية الأولى شكل حملات موجهة إلى الشمال، تستهدف بلوغ البحر الأسود وبحر مرمرة، وغيرها من المناطق، ومن ذلك الوقت واصل عثمان الأول مسيرته وجهوده في فتح القلاع بإسم الإسلام ضد الكيانات المسيحية المجاورة له، كما أن “مراد الأول” ثالث أمراء آل عثمان تمكن من هزيمة القوى النصرانية في مناطق البلقان ونقل العاصمة من “بروسه” إلى “أدرنه” التي عمرت بالمساجد والمدارس، وبذلك استولى الجيش العثماني على العديد من مدن شرق أوروبا ،ومن أبرزها صوفيا عاصمة بلغاريا، واستمرت الفتوحات الإسلامية نحو أوروبا بذريعة نشر الإسلام.

وجاء بعد ذلك الفتح العظيم فتح “القسطنطينية” عاصمة الدولة البيزنطية مصداقا للحديث النبوي الشريف “لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش” .فبعد هذا الفتح المبين، أمر محمد الفاتح أن يؤذن فيها، كما حول الكنيسة آيا صوفيا إلى مسجد وأطلق على القسطنطينية اسما إسلاميا جديدا هو “إسلامبول” بمعنى عاصمة الإسلام.إن هذا الدور الذي قامت به الإمبراطورية العثمانية في نشر الإسلام وحمل رايته كان له أثرا إيجابيا على كافة الأطياف ،بحيث قامت بتطبيق تعاليم الإسلام الذي ينص على نشر هذا الذين في الآفاق مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم “بلغوا عني ولو آية”، فأخذ السلاطين العثمانين بمجمل هذه الأحاديث والآيات التي نصت على إظهار الحق ونبذ الجهل فباشرو في تطبيقها، ومن هنا صارت الخلافة العثمانية هذفا لأعداء الإسلام من الصليبيين واليهود، الذين أخذوا يتآمرون عليها، ويكيلون لها الضربات.

واتفق المؤرخون على أن عظمة الدولة انتهت بوفاة السلطان سليمان القانوني حيث فتح الطريق من بعده لاستلام السلاطين الضعاف زمام أمور الدولة، في الوقت الذي كان هناك العديد من الأخطاء التي تفشت في جسد الخلافة العتمانية، وتسبب ذلك في انهيار بنيانها، وأضحى التهديد العثماني ينقرض من جديد، بعد أن انتشر الظلم وأصبح العلماء ألعوبة بيد الحكام الجائرين.

و الدولة العثمانية منذ أن فتحت بلاد الشام عام ٩٢٢هـ /1516م، ومصر ٩٢۳هـ / 1517م وتبعتها الحجاز، كان الغزو البرتغالي يهدد منطقة الخليج والعالم الإسلامي وذلك لتحقيق أغراض صليبية واستعمارية واقتصادية لذا كان على الدولة العثمانية أن تعمل على حماية الولايات العربية من أي خطر استعماري يعزلها عن الاتصال بالعالم الخارجي

السلطان سليم الأول فاتح مصر قراراً بترحيل علماء مصر إلى استانبول ولكن معظم المؤرخين لم يذكروا تاريخ عودتهم حيث إن إقامتهم في استانبول قد امتدت إلى ثلاث سنوات ونيف عاد بعدها جميعهم إلى القاهرة بأمر سلطاني من السلطان سليمان القانوني . كما تعرضت الدولة العثمانية إلى حملة تشهير أخرى هي دورها

وكانت هذه الأباطيل والافتراءات وحملات التشهير التي توجه للدولة العثمانية بقصد الإساءة للحكم العثماني الإسلامي، وبقصد النيل منها والإطاحة بها بعد أن رأى الأوروبيون أن هذه الدولة العثمانية دولة إسلامية حربية من الطراز الأول وتريد تحويل دار الحرب (الكفر) إلى دار الإسلام.

ويجدر بنا أن نتناول إيجابيات الحكم العثماني ثم سلبياته إذ إن الدولة العثمانية لها جوانب إيجابية وأخرى سلبية ومن إيجابيات الحكم العثماني:

۱- توسيع رقعة الأرض الإسلامية، إذ فتح العثمانيون القسطنطينية و تقدموا في أوروبا. مما عجز المسلمون من قبلهم منذ أيام معاوية وساروا فيهـا شـوطـاً بعيداً حتى وقفوا على أبواب فينا وحاصروها أكثر من مرة دون جدوى.

 ٢ – الوقوف في وجه الصليبيين على مختلف الجبهات فقد تقدموا في شرقي أوروبا ليخففوا الضغط عن المسلمين في الأندلس كما انطلقوا إلى شمال البحر الأسود ودعموا التتار ضد الصليبيين من الروس، هذا فضلا عن التصدي للإسبان في البحر المتوسط والبرتغاليين في شرق إفريقيا والخليج. ولم يوفقوا في حملاتهم وذلك يرجع لعدم تكاتف المسلمين والتفافهم حولهم.

 3 – عمل العثمانيون على نشر الإسلام، وشجعوا على الدخول به، وقدموا الكثير في سبيل ذلك وعملوا على نشر الإسلام في أوروبا وعملوا على التأثير في المجتمعات التي يعيشون بينها.

4 – إن دخول العثمانيين إلى بعض الأقطار الإسلامية قد حماها من بلاء الاستعمار الذي ابتليت به غيرها، في حين أن المناطق التي لم يدخلوها قد وقعت فريسة للاستعمار باستثناء دولة المغرب.

 ه ـ كانت الدولة العثمانية تمثل الأقطار الإسلامية، فهي مركز الخلافة، لذا كان المسلمون في كل مكان ينظرون إلى الخلافة وإلى الخليفة نظرة احترام وتقدير، ويعدون أنفسهم من أتباعه ورعاياه، وبالتالي كانت نظرتهم إلى مركز الخلافة ومقرها المحبة والعطف وكلما وجد المسلمون أنفسهم في ضائقة طلبوا الدعم من مركز الخلافة كما كان الخلفاء.

6 – وكانت الخلافة العثمانية تضم أكثر أجزاء البلاد الإسلامية فهي تشمل البلاد العربية كلها باستثناء المغرب إضافة إلى شرقي إفريقيا وتشاد وتركيا وبلاد القفقاس وبلاد التتار وقبرص وأوروبا بحيث وصلت مساحتها حوالي ٢٠ مليون كيلو متر مربع.-

۷ ـ كانت أوروبا تقابل العثمانيين على أنهم مسلمون لا بصفتهم أتراكاً، وتقف في وجههم بحقد صلبيبي وترى فيهم أنهم قد أحيوا الروح الإسلامية القتالية من جديد، أو أنهم أثاروا الجهاد بعد أن خمد في النفوس مدة من الزمن، وترى فيهم مدأ إسلامياً جديداً بعد أن ضعف المسلمون ضعفاً جدياً وتنتظر أوروبا قليلا لتدمرهم، والأتراك العثمانيون حالوا بينهم وبين المد الصليبي في الشرق والغرب الإسلامي، الأمر الذي جعل أوروبا تحقد على العثمانيين وتكرههم . – كانت للعثمانيين بعض الأعمال الجيدة تدل على صدق عاطفتهم وإخلاصهم، مثل عدم قبول النصارى مع الجيش وإعفاء طلبه العلم الشرعي من الجندية الإلزامية، وكذلك إصدار المجلة الشرعية التي تضم فتـاوى العلماء في القضـايـا كـافـة وكـذلك احترام العلماء وانقيـاد الخلفـاء للشرع الشريف والجهـاد بـه وإكـرام أهـل القـرآن وخـدمـة الحرمين الشريفين والمسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي. ٩ – وكان للعثمانيين دورهم في أوروبا إذ قضوا على نظام الإقطاع، وأنهوا مرحلة العبودية التي كانت تعيشها في أوروبا حيث يولد الفلاح عبداً وينشأ كذلك ويقضي حياته في عبوديته لسيده مالك الأرض واهتم السلاطين بتقديم الصدقات والعطايا للمواطنين. (1)

ومن أهم سلبيات الخلافة العثمانية، والتي كان لها الأثر في إضعاف الحكم:

1- إهمال اللغة العربية التي هي لغة القرآن الكريم والحديث الشريف وهما المصدر الرئيسي للتشريع،

٢ – عدم الوعي الإسلامي الصحيح إذ كان كثير من المسؤولين لا يعرفون من الإسلام سوى العبادات،

3- كان العثمانيون يحرصون على تغيير الولاة باستمرار وخاصة في أواخـر عـهـدهـم، وذلك خشية استغلال المنصب أو الاستقلال بالولاية.

4- الحكم الوراثي الذي سار عليه العثمانيون

5- ضعف الدولة العثمانية في أواخر عهدها جعل الدول الأوروبية تتأمر عليها فأثاروا ضدها الحركات الانفصالية السياسية والدينية، كما استغل دعاة القومية والصهيونية هذا الضعف مما جعلهم يقومون بحركات لتقويض هذه الدولة

6-  كان العثمانيون يحرصون على تغيير الولاة باستمرار وخاصة في أواخـر عـهـدهـم، وذلك خشية استغلال المنصب أو الاستقلال بالولاية.

وفي الختام إن ما يقال عن العثمانين من أنهم استغلوا الإسلام كذريعة للوصول إلى أهدافهم، فهذا كلام عار عن الصحة، لأن التاريخ العثماني تعرض لتشويه والتزوير والتشكيك من طرف اليهود والمسيحين والعلمانين، والأصح أن الخلافة العثمانية كان هدفها الرئيسي هو إيصال الحق للبشرية وإخراج الناس من الظلمات إلى النور كما حرص العثمانيون على تحكيم شرع الله تعالى في كل شيء، كما أن آثاره الدنيوية والأخروية ظهرت على المجتمع العثماني منها، الاستخلاف والتمكين، الأمن والاستقرار؛ انتشار الفضائل وانكماش الرذائل وغير ذلك من الآثار، والذي يستفاذ من هذا كله أن الخلافة العثمانية كانت وستظل رمزا شامخا يعتز به كل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، كما أن تركيا في عصرنا الحالي بدأت تعطي اعتبارا لهذا الذين بعد أن قضت عليه العلمانية بسقوط الخلافة الإسلامية المتمثلة في الخلافة العثمانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى