الكهف (قصة قصيرة)
محمد صابر | مصر
داخل كهف وحدتي أضأت فتيل شمعة لينير بصيصها عتمة هذا الظلام الدامس؛ ولكنه أيضاً ألقى بظلي على جدرانه مشوهاً مهزوزاً ليس لديه ملامحي ولا الأبعاد أبعادي.. أقترب منه فيصبح كالمارد و إن ابتعدت تضائل و تناهى فصار أنيسي وصرت أشكله كيفما أشاء.. تارةً أكون طيراً يشق عباب السماء بقوة أجنحته وتارة أخرى أكون سلحفاة تخرج رأسها من صدفتها على استحياء.. أصبحت أسداً و ثعباناً عجوزٍ أشعث الشعر أو صغيراً مهندم الزي هنداما.
رفعت سيفي بوجه الظلم صارخا سأقتلك ولبست تاج العز والكرامة ولكن ما كان مظلماً لابد أن يعود لأهله تهادت شمعتي معلنةً إقتراب وقت رحيلها زاد اهتزاز بصيصها وعلت شعلتها وكأنها ترفض المحتوم والماضي.
جلست بهدوء بجوارها حتى أشاركها لحظتها الأخيرة أحطها بكفيا حتى لا يغدر بها الهواء وينهيها وعينى على ظلي و كأنه صخرة بالصحراء دونما جبل يلقى عليها الظل و يحميها.. انطفأت شمعتي و لم يعد لدي سوا الظلام يحيط بي يلفني و كأنه اللحد بباطن قبر بأرض هجرها أصحابها من آلاف السنين ليسكنها الجن والشياطين يرتعون فيها.. أسمع أصواتهم و هم يتراقصون محتفلين بوليمة اقترب ميعادها
فلقد ألقوا بشباكهم ووقعت الضحية ولكن ليتم الأمر يجب أن تقدم الضحية عقلها قربانا للجنون لتصير وجبة لذيذة على موائدهم يأكلون و يمرحون ويشربون دمائها خمرا و به يسطلون أسمع صرخاتهم و دبيب أرجلهم و لكني لا أراهم.
ينتظرون مني تقديم قرباني ليظهروا فإنى أنا الضحية.. ولكن ماذا لو كان لدي شمعة أخرى فلابد من وجودها بمكان ما و لكن أين أبحث بذلك الظلام أين من الممكن أن تكون.. يجب أن أجدها و إلا سلمت عقلي إلى الجنون.. أين خبأتها أين وضعتها تعبت من البحث و لم أعد أرى شيئا تعبت تعبت تعبت.
و لكن ماذا لو كنت أبحث بالمكان الخاطئ ماذا لو كانت أمام عيني من البداية و لم أرها.. كنت أبحث داخل كهف وحدتي المظلم و ماذا سوف أرى بهذا المكان الموحش لابد أنها حيلة من هؤلاء المنتظرين.. أنسوني بها أن أبحث بجعبة ذكرياتي ها هي معلقة بكتفي سأفتحها لألقي نظرة عما كان و لماذا أصبح؟ ما هذا لماذا ثقلت ما عدت قادرا على حملها سألقي بما بداخلها أمامي.. ما هذا ما هذا الكثير و الكثير من الشمعات التي ستقلب ظلام هذا الكهف إلى نهار ساطع وكل واحدة منها كتب عليها شيءٌ.. هذه كتب عليها الأهل و هذه الأصدقاء و هذه الحب و لكن كيف أنيرها كيف أجعلها تضيء لابد لى أن أتذكر لابد أن أسترجع الماضي فلنجرب شمعة العائلة.
أتذكر الأن عندما كنت طفلا صغيرا محاطا بحب والديّ وإخواتي كم كان حبهم وعطفهم يسعدني كم كنت شقيا لا أبالي بهم أو حزن.. يا ربي لقد أضأت الشمعة و هاهم عائلتي على جدران الكهف مجتمعون لا خلافات و لا حقد و لا غل انهم يحتفلون بي مرحبا مرحبا بكم جميعا.. أنا سعيد جدا للقائكم لقد أنرتم قلبي و روحي و ما عدت وحيدا
الآن عرفت كيف أنير كهفى.. الآن عرفت ما هي الطريقة..
أين الأصدقاء كم من مغامرات خضناها معا كم من الأسرار حفظنا كم من الوعود وفينا هاهم هاهم أصدقائي بعد إن أنارت شمعتهم يقفون بجواري يساندونني حتى أقف على قدمي هاهم ليس بقلوبهم إلا الحب ولا يوجد حب للذات ولا تفضيل للنفس على الصاحب
لم يتبق إلا شمعة الحب هذه التى لم ولن تنطفئ أبدا ولكن عتمة الكهف وارتها حتى لا أرى ضوءها الساطع.
الآن و بعد أن انرت كهفي بشموع عمري لم يعد كهفا ولم أعد أثيرا له بل أصبح جنة يملؤها النور و الحب و الونس لا تتركوا أنفسكم للوحدة لا تغلقوا على أنفسكم الأبواب لا تكونوا ضحية لشياطين الفراغ تنهش لحمكم؛ بل تذكروا دائما أن الحياة تستحق أن تعاش