تاماهومي والرأسمالية المتوحشة والليبرالية المتربِّصة
د. مدحت عبد الجواد | أكاديمي مصري
السراب …يحكي قصة أسطورة صينية قديمة، عن بلاد أوشكت على الانهيار ..لولا ظهور فتاة من عالم آخر، تمكنت من تحقيق أمنياتها باستعادة، وقيادة سبعة محاربين، والذين بدوهم ساعدوها على تحرير طاقة سوزاكو الهائلة، وانقاذ البلاد …فهل نستطيع أن نصنع صنيعها ؟!
أتوجه بحديثي إلى مجتمع المثقفين والعلماء ، ولا عجب ألم يخاطبهم رب العزة في سورة آل عمران” وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104(
زخم عم الحياة في المجتمع العربي، حتى تأخر عن ركب التقدم، وتذيل قطار الحياة في كل جوانبه، إن رائحة الخيانة باتت تفوح من كل جانب؛ فتزكم أنوفنا، وتطمس عقولنا، وتعمي أبصارنا، فإنك إذ تطالع عالم المثقفين والعلماء، وترقب ما يشغلهم في عصرنا ، تصادفك أفعال تثير العجب ، ومنها : طبيعة القضايا التي تشغلهم ، فالبعض يتصارع حول قضايا الشعر والأدب والروايات التي صارت أفلامًا وحلقات مسلسلة على شاشات التلفاز، ودور السينما وقصص هنا وهناك ، وأنا لا أعيب الفن والأدب إذا كان موجهًا لخدمة الأمة، ويحترم عقولنا، ويقدر أوقاتنا، فافهم – عفاك الله – من الجهل والغفلة، إنما أعيب ذلك النوع الذي يبدد الطاقات، ويهدر الأوقات، وينشر الرذيلة في المجتمعات، ويغلط مفاهيم الفكر والمعتقدات، ويصرف الهمم عن قمم العلم إلى مستنقعات الجهل، يهزأ بالتعليم والمعلم ، ويحط قدر القيم المجتمعية والدينية، ويشكل الأجيال وفق مخططات تفسد أمرها، وتلك النوعية التي تتكبد فيها العناء وتخرج منها خاوي الوفاض لا ثمر أكلت ولا خير جلبت من رحلتك..
وإنه لمخطط استشراقي قديم تدعمه، وتعمل على نشره رأسمالية عفنة، ليس لها مآرب سوى أن تشغل أوقات الناس فيما لا نفع منه ولا طائل ولا فائدة ، إن العالم الذي يشغلك بسفاسف الأمور، ويضيع أوقاتك فيما لا نفع منه لهو خائن لعلمه وخائن لأمانة الله، فلا عقل يتقبل أن نترك ما يشغلنا لنلهو عنه بما لا ينفعنا ، وكأن من يصنع ذلك كمن يتناول المخذرات ؛ لينسى المشكلات، فيهلك نفسه وما حلت عقده، وكان يجب على هذا العالم أن يحترم أوقات المتلقي بما يقدمه من علم نافع، وما يقدمه من مضمون لا كذب فيه ولا خيانة ، وأول ذلك أن يشغله بما ينفعه وما يهمه من أمره .
إننا نغص بآلاف القضايا التي تدرس في مراحل التعليم حشوًا يهدر الأوقات، ويتعمد عباقرة زمانهم عند وضع مناهج التعليم أن يقتلوا الإبداع، ويهدروا الأوقات، التي تعادل آلاف المليارات من الأموال؛ لأنها تسحب من رصيد أعمار أبنائنا ، وأخيرًا ماذا نجني ؟! سل العلماء في الجامعات أن يقولوا الصدق الذي أصبح عليه حال الطلاب، أصبح الطلاب أكثرهم لا يستطيع أن يكتب نصًا صحيحًا، أو يتحدث حديثًا فصيحًا ، وفي كل مجال تأخر الطلاب تأخرًا مخزيًا، بل أكثرهم فقد الأخلاق واعتاد الغش وخيانة الأمانة وسوء اللفظ من المصطلحات البذيئة ، والتطاول على كبار السن والعلماء، واحتقار العلم وقدره، ونسمع كل يوم عن أعمال البلطجة ، وغيرها …. إنها مؤامرة على الأمم العربية ، وتأمل آلاف الذين يدرسون فيما لا يستخدمونه في حياتهم العملية، وتأمل عدد العلماء والخريجين الذين لا يجدون عملا يكفي متطلبات ونفقات أبنائهم، إن الكثير منهم فقدوا أعمارهم ، وأضاعوا زهرة شبابهم ، لم يستمتعوا بحياتهم لأجل التعليم الذي حرمهم من حياة كريمة في مستقبلهم ، فأى إبداع أو تقدم يرتجى من عالم لا يستطيع أن يضمن قوت يومه أو يوفر مطلبًا لأبنائه ، أو حاجة لزوجته، وعلى النقيض – وفي الوقت نفسه – رفعنا عاليًا قيمة الراقصات والممثلين والممثلات ونجوم الكرة ولصوص المجتمعات، فإذا أردت أن تحيا كريمًا فتعلم كيف تصبح شريرًا؟! إنني استحي ألف مرة عندما أعنف ابني على سلوك خاطيء أو أطلب منه أن يذاكر وأدعو الله أن لا يرد علىَّ بما أكره أن أسمعه عن حال الأمة ومستقبله المنتظر الذي يبدو مظلمًا ، فإنى لا أظنه يخلو من فساد – وإن تقلد منصبًا عاليًا – أفلا لا أبكي خوفًا عليه من فساد دنياه لضياع آخرته، اللهم سلم فإليك نشكو ضعفنا ، وتأمل ما وصل إليه حال التعليم الاقتصادي حتى صار استثمارًا وليته أفرز نتاجًا صالحًا ، نباهي به الغرب ونجني ثماره من التقدم؛ قم بزيارة صغيرة للجامعات الخاصة ، تجد العجب العجاب، يحدثك عنها الصادقون من أبناء تلك الجامعات، فأى وجهة ندفع إليها فلذات أكبادنا الأبناء؟! وأى مصير تتجه إليه الأوطان؟!….أليس منا رجل رشيد؟!
إنني أتعجب من حال المثقفين والعلماء الذين يتكالبون على حضور الحفلات والمؤتمرات الموجهة لضياع أوقاتهم ، وصرف عقولهم وهمتهم عن عظائم الأمور، بما تطرحه من قضايا لا قيمة ولا فائدة منها؛ بدعوى مناقشة أعمال الأديبة العالمية أو الفنانة اللولبية أو الأسطورة الروائية أو غيرها ……. ويتغافلون عن مصير القضايا الجديرة بالمناقشة، وإذا تغافل هؤلاء فمن للأمة ينشر في ربوعها الوعى بمصالحها؟! إننا في حاجة إلى كل أوقاتنا، وسيحاسبنا عليها الله ؛ لأنها أمانة.. فكيف إذا تحدثنا حديثًا أو كتبنا مقالًا فضيعنا أوقات غيرنا وضللناهم عن الحق وشغلناهم بالضار، وأخفينا عنهم النافع ؟! هل منا من يطيق هذا الوزر ؟!
وإني أخاطب من أعطاهم الله قدرة ومعرفة باللغات، وترجموا عن الغرب ، أسألهم ماذا جلبتم لنا ؟! ماذا قدمتم للأمة ؟! إن أكثركم لم ينقل لنا سوى أكاذيب المستشرقين ، بل وتجاهل المنصفين من المستشرقين ، ونقلتم لنا ترجمات الأفلام، والروايات الغربية الغرامية التي شغلتم بها أوقاتنا، ونشرتم بها الفتنة بين أبنائنا، وإن كل من يتغافل عن مشكلات الأمة، وقضاياها المصيرية، ويعمد إلى إضاعة الأوقات فإنه خائن لله ولأهله ووطنه .
ولا تحسبن أن ما يحدث في مجتمعنا هو نتاج صدفة، بل إنه مخطط يمارس بأيدي خونة بعضهم يعمد إليه عن قصد، وهو يعي جيدًا ما يدبر من مؤامرة ، وبعضهم ينساق دون وعي إلى حتفه وهو يظن أنه يحسن صنعًا ، إن الرأسمالية الغربية وأعوانها من مصلحتها صرف الطبقة المثقفة عن قضايا المصير، حتى وإن كلفها ذلك الكثير من النفقات ، فلا تظن أن ما يلوح لك هنا وهناك من مؤسسات ومؤتمرات وندوات، وما تدعى إليه ؛ لأنك مميز في مجالك …لا والله ..كل ما في الأمر أنك صالح للقيام بالدور المنشود .. فلا تخدع نفسك وتصدقها ، فكم من عالم لم نسمع عنه آثر الصمت ، واحترام الذات، وفهم اللعبة ! وكم من عالم يرقب المشهد من بعيد كمن يشاهد حلبة الصبية، وهم يلعبون، ويضحك من جهلهم! وما أسوأ القضايا التي تدعو إليها المؤسسات المصطنعة ! من قضايا الحب والغرام ، وقضايا تشغل الجيل ويتصارع هذا وذاك عليها رغبة في بريق الشهرة ، وربما طمعًا في خسيس المال الذي أعد خصيصًا لهذه الأغراض، أو سعيًا إلى حقير الجوائز التي رصدت هنا وهناك لهذه الأمور، فلا تظن أن هذا عبثًا في عالم الرأسمالية والإستشراق والسيطرة على العقول وإعادة توجيهها ، حتى تنشغل عن أمورها المصيرية بأمور تافهة ، إن هذا الزخم يُجر إليه بعض كبار العلماء دون وعي فلا ينجو إلا من رحم الله، ويقع فيه أنصاف المثقفين ؛ لأن الطبقة التي تشكل تخويفًا وتهديدًا للغرب وأعوانه – دائمًا – هى طبقة المثقفين والعلماء ، فإذا غُيب الوعى، وتشتت الأهداف ضاعت الأوطان، وفقدنا القيم، وانتشر الفساد، وعمَّ الخراب ، واستعبدنا العدو .
إنني أعود بالذاكرة إلى أيام الجامعة ، للحديث عن أمر يعرفه كل أبناء جيلي، وأكثرهم مازال على قيد الحياة ويشهد بصدق حديثي ، ولقد كان أمر استحدث على عهدنا، نتج عن فكرة ما سُبِق إليها صاحبها، أتذكر تلك الحفلات التي كانت تقام أسبوعيًا ( ليلة الخميس) على مسرح الجامعة ، حفلات رقص وغناء أنفق عليها الكثير والكثير، كانت تضم كبار الفنانين، ونجوم الغناء والطرب …ترى لخدمتنا كانت تقام تلك الحفلات ؟! ترى كانت حبًا في نشر العلم أم لأمر آخر كانت تقام ؟!
ومن دعائم الاستشراق والرأسمالية التحكم في مصادر الإنتاج، وهذا يشمل الآلات والطاقة البشرية، وإن ما يُحاك ويُدبر من مؤامرات ، لهو مخطط مدروس للسيطرة على التفكير الحر، وإدارة مصالح الغرب المحتل ، ولا تظن أنني مصروع، أو مجذوب عندما أحدث عن احتلال الغرب لنا ، وأنت ترى أنك في وطن تنعم فيه بالحرية ، فإنني أعني المحتكر لقوتك وطعامك، وضرورات حياتك فتعيش فقيرًا ذليلًا ، تكدح طلبًا لطعام يومك، وأملًا في حياة لن تستطيع – وإن طال بك الأمد – أن تحققها لأولادك، بينما يعيش المحتكر منعمًا يتقلب في رغد العيش، ذلك المحتكرهو اليد التي تحتل وطنك، وتهدم قيمك، وتسرق خيرات بلادك ، وتقتل أبناءه، وتغتصب أحلام المستقبل .
إنك واهم إن ظننت أنك ستنجو في ظل هذا العالم الرأسمالي، الذي تحارب فيه من أجل البقاء ، إنك يا عزيزي تحارب طواحين الهواء، وتظن أنك تصنع مستقبلا لأبنائك، هيهات فأنت إذا قطعت ذراعًا من أذرع الإخطبوط نمت له ألف ذراع من الفساد ، وتشكل بألف صورة ، فإن ظننت أن الأمان في جمع حفنة من المال، انظر إلى عدد الأخطاء التي ارتكبتها في سبيل الحصول عليه ، وكيف أفسدت نفسك وبعت ضميرك حتى تحصل عليه، وبالمقابل تأتيك الضربة من حيث لا تتوقع في الولد أو الزوجة ، وإن عشت فقيرًا كبلوك بقيود الديون، حتى تعيش ذليل الدين والفاقة، وتترك الأولاد؛ لترحل إما إلى غياهب السجون، أو ظلامات الغربة، وللبيت رب يحميه ، فلا تحسبن أنك ناج من فساد عمَّ، وطمس الوعى، وغيَّب القيم، فلن يتحقق لك ذلك الأمل إلا باقتلاع جذوره ، وإن اقتلاع جذوره تكمن في سبع خطوات كالمحاربين الذين حدثتك عنهم في بدأ حديثي ….آمل أن يطول بنا المقام لأحدثك عنهم في مقال آخر – إن شاء الله – أما وصيتي في هذا المقال أن ترقبوا وتتفكروا في هذه الآية من سورة مريم:
” فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)