بالحبر الأبيض – سيرة صحفية (6)
علي جبار عطية | رئيس تحرير جريدة أوروك | العراق
فرصةٌ قد تُضيَّعُ !!
هل جرّبت أن ترفضك إمرأةٌ ؟
ما شعورك، عندما تخوض في علاقةٍ عاطفيةٍ لسنةٍ، أو لسنتين، وتكون العلاقة من طرفين، (آخر الدراسات تقول : إنَّ أطول مدةٍ للعلاقة العاطفية، لا تتجاوز ثلاث سنوات)، ثمَّ حين تظنّ أن المرأة ستكون شريكة حياتك، تتفاجأ بقولها لك: إنَّك مثل أخي !
يشعر المرء بمثل هذه المواقف بالذلِّ والانكسار، والهزيمة الأبديّة، وكأنَّ العالم انتهى، وفي الغالب يحاول. ـ كآليةٍ نفسيةٍ تعويضيةٍ ـ إلقاء اللوم على المرأة، أو تشويه صورتها أمام الناس.
قلةٌ من المرفوضين من كان صادقاً مع نفسه، ومع الآخرين بالتعاطي الصحيح مع هذه المسألة !
أحاول أن أكون من هؤلاء القلة !
خرجتُ ظهيرة السبّت الموافق ٢٠١٥/٦/١٣ م، من جريدة ( التآخي) ، أجرُّ أذيال الخيّبة، والخسران، مطروداً، مكسور الخاطر ، أمشي على جمر الأحزان، والذكريات المريرة التي تندلق على قلبي، كشلّالٍ متدفّقٍ.
ها هو الشرُّ قد انتصر في هذه المعركة، غير المتكافئة .
كانت درجة الحرارة تقترب من الخمسين تحت الشمس، وأقلّ من ذلك بخمس درجات في الظلِّ، حسب مقياس فهرنهايت.
أتنفّس الأوكسجين بصعوبةٍ، قلّبتُ أدائي، ظهراً لبطنٍ على مدى أكثر من أحد عشر عاماً، أعمل فيها بقلبي، أكثر مما كنتُ أعمل بيديَّ ، وفي النتيجة، يأتي شخصٌ طارئٌ ، يطيح بيّ خارجاً، كشخصٍ غير مرغوبٍ فيه، لا لسببٍ مهني، وانمّا السبب الحقيقي، هو أنَّه يريد أن يستفيد من راتبي، لتعيين إحدى زوجاته الثلاث !
وإذا كان هذا الحال، على مستوى جريدةٍ تمثّل حزباً عريقاً، فكيف يكون الحال، لو كانت تمثّل شركةً؟ .
ألا يدعو هذا الأمر إلى مراجعةٍ شاملةٍ لعمل المنظومة التي أنتجتْ مثل هذه النماذج ؟
توالت عليَّ الاتصالات الهاتفية، حالما وصلت البيت، وخفَّفتْ عنّي صدمة فطامي الإجباري.
في اليوم التالي، صمتُ تطوّعاً، شكراً لله على خلاصي من التمزّق النفسي ، الذي أصابني جراء خروجي القسري من الجريدة.
بعد خمسة أيامٍ ، وفي ضحى الخميس الموافق ٢٠١٥/٦/١٨ م، وقد هلَّ شهر رمضان، وصلت رسالة تهديدٍ ، مكتوبةٍ بخطٍ ركيكٍ إلى مقر عمل القاص (نهار حسب الله يحيى) في وزارة النقل، تهدِّد الناقد حسب الله يحيى بالقتل، كما قُتل ابنه وابنته سنوات العنف الطائفي الأسود، إن استمرّ بالعمل في (التآخي)، فيعلن (يحيى) ترك العمل لأسبابٍ صحّيةٍ ، ويوافق (الأستاذ) على الإستقالة من دون مراجعةٍ، وكأنَّه كان ينتظرها !
يجري بعض رجال (العهد الجديد) اتصالاً بالناقد (عباس لطيف) لشغل موقع مدير التحرير، فيتّصل بي مباشرةً، ويطرح عليَّ فكرة العودة إلى الجريدة، فيكون ردّي : إذا عدتُ، فيجب أن يعود معي زميلي جمال الهنداوي، وإلّا فلا!
يردّ عليَّ (عباس لطيف) بالقول : لقد قلت لرئيس التحرير : لا يمكنني العمل في جريدة التآخي ، من دون( علي جبار عطية) ، و(جمال الهنداوي)، لأنَّني أعرفُ كيف يعملان، فلم يجب !
وأردف لطيف : لا أدري من هو الشخص الذي ملأ أذنّي رئيس التحرير بالكلام السيئ عنكما، حتى صار لا يطيق ذكركما ! شكرته على موقفه النبيل ، وقلتُ له : أنا ممتنٌ كثيراً لك، فأنت تحاول ردّ الاعتبار اليَّ !
اتّصل بي (لطيف)، بعد يومين ، وطلب منّي العودة إلى العمل، فأصررتُ على موقفي في أنَّ عودتي، مقترنةٌ بعودة الهنداوي، فقال : عُد أولاً ، ثمَّ يأتي دور جمال الهنداوي ! فرفضت.
لم يصمد الناقد (عباس لطيف) في العمل، سوى خمسة أيام ، ثمَّ أخذوا بإزعاجه حتى ترك العمل، ليأتي غيره ، وأصبحت إدارة التحرير كالكرة. التي يتقاذفها الّلاعبون، لا تستقرّ على أحدٍ، وهذا يكشف مدى التخبّط، والعشوائيّة التي وقعوا فيها .
في يوم الأحد الموافق ٢٠١٥/٧/١٢ م، صدر الأمر الإداري المرقم (٢١٦) بإنهاء خدماتي ابتداءً من يوم الأحد الموافق ٢٠١٥/٦/١٤م ، من دون ذكر السبب!
تذكّرتُ أبياتاً من قصيدة الجواهري (ما تشاؤون) التي نشرها سنة ١٩٥٢ م ويقول فيها :
ما تشاؤون فاصنعوا
فرصةٌ لا تُضيَّعُ
فرصةٌ أنْ تَْحَكَّموا
وتَحُطّوا ، وترفعوا
وتُدِلّوا على الرّقا
بِ وتُعطوا وتمنعوا
في يوم الأربعاء الموافق ٢٠٢٠/٧/١٥ م أعلن مجلس الوزراء تعطيل الدوام غداً الخميس في البلاد كافة لإرتفاع درجات الحرارة إلى الخمسين، قبل يومين من عيد الفطر.
اتصل بي أحد الزملاء من الجريدة في اليوم نفسه، يبلّغني : ببدء صرف راتب شهر نيسان الماضي، فتوقّعت أن الأمور ستجري بشكلٍ طبيعي : أتسلَّم الراتب، وأُُسلِّم على الزملاء، وأنصرف، لكنّي فوجئت بردّ أمين الصندوق إذ قال : أمر رئيس التحرير بعدم صرف رواتبكم !
قلتُ له:لكنَّ هذه الرواتب لشهورٍ سابقةٍ لحكم ( الأستاذ)!
رد عليَّ بالقول : رئيس التحرير يقول : ( المبطّْلين ما لهم راتب)!!
بلغ بي الغيظ مبلغاً، فماذا يكون مصير البلد لو تسلَّم مثل هذا قيادته؟
استحضرتُ كلّ قصائد المقاومة الفلسطينيّة؟، ومنها قصيدة الشاعر (سميح القاسم) : (سأقاوم) التي يقول فيها :
ربّما تغنم من ناطور أحزاني غفلة
ربّما زيّفَ تاريخي جبانٌ، وخرافيٌ مؤُله
ربّما تحرمُ أطفالي يوم العيد بدلة
ربّما تخدع أصحابي بوجهٍ مستعار
ربّما ترفع من حولي جداراً وجدار
ربّما تصلب أيامي على رؤيا مذلة
يا عدو الشمس.. لكن.. لن أساوم
وإلى آخر نبضٍ في عروقي .. سأقاوم !
أخذتُ أتّصل ببعض الزملاء المقالين للتجّمع في ساحة الجريدة، والدخول إلى غرفة رئيس التحرير ، والتعامل معه بالطريقة السوقيّة، وهي اللغة الوحيدة التي يفهمها .
حضر أغلب الزملاء المقالين، ومعهم الذين تركوا العمل، وعددهم يبلغ ستة عشر شخصاً. كانوا في غاية الغضب والانزعاج . لكنّي كنتُ أعوّل على الزميل جمال الهنداوي ، والفنان خالد جبر ، (وبالمناسبة فإن الفنان خالد جبر كان في شبابه نجّاراً ماهراً ، وملاكماً محترفاً) !
تمنّيت في هذه الساعة أنّي أتقنتُ رياضة الجودو، والكراتيه؛ لكي أؤدب مثل هؤلاء ، ولم أشغل ساعات نهاري بلعبة كرة القدم طوال مرحلة شبابي .. فهذا العالم تسيّره القوّة !
تحرّكنا نحو غرفة (الّلص الكبير) ، عازمين على إهانته، لكنَّه أدرك بحس القطّ مرادنا، فما أن رأى جمعنا الزاحف نحوه، حتى لَبَدَ في غرفته، وعلى وجه السرعة ، نادى على سكرتيره (هاني) يبلغه بأن يأمر أمين الصندوق بصرف الرواتب لجميع (المبطّلين)!
وإذ ندمتُ على شيءٍ ، فهو ندمي على هذه الفرصة، التي ضاعت في إستعمال القوة !
أدركتُ يقيناً ؛ لماذا يكفر بعض الناس بالأوطان، ويلقون بأنفسهم في البحر ، بحثاً عن أوطانٍ يجدون أنفسهم منتمين إليها بحقّ ؟
واستدعت ذاكرتي كتاب (سأخون وطني ـ هذيانٌ في الرعب، والحرية ) للشاعر السوري محمد الماغوط ( ١٩٣٤ م ـ ٢٠٠٦ م) الذي صدر عن دار المدى سنة ١٩٨٧ م، ووصل إلينا بما تُسمّى بـ (ثقافة الاستنساخ) .. نعم ، عنوانه صادمٌ ، لكن أيّ وطنٍ هذا الذي يخونه الماغوط؟.. إنَّه وطن الطغاة، حسب المعطيات، وفيه يقول : ( ما الفائدة من الاسم إذا كان صحيحاً.. والوطن نفسه معتلاً)؟
( السيرة مستمرة ، شكراً لمن صبر معي.. يتبع)
شروح صور
١. الناقد عباس لطيف
٢. القاص نهار حسب الله
٣. محمد الماغوط
٤. جمال الهنداوي، وكاتب السيرة