كيف تدفع أمواج البلاء عنك؟
د. عادل المراغي أكاديمي وأديب مصري
حينما نمر بضائقة ما في حياتنا، سواء إصابة بمرض، أو أزمة مالية ، أو مشاكل أسرية ،و تصل بنا إلى طريق مسدود ، فأول ما يمكن فعله من أجل التخلص من همومنا ، هو “الصدقة” كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الصدقة لتطفئ غضب الرب )
والمشكلة التي يُعاني منها الشخص قد تكون نتيجة لمعصية ارتكبها أو غضب أحل به سواء أكان فرداً أم مجتمعا، لذا فإن صدقة السر هي الحصن الحصين والملاذ الآمن وصمام الأمان الذي يُطفئ غضب الرب، وإذا زال الغضب رُفِعَتْ العقوبة وتنزلت الرحمات على المذنب، ورُفِعَ البلاء.
و الصدقات في زمن البلاء والوباء من الأمور المهمة التي يجب أن يحرص عليها كل مسلم خاصة أوقات الأزمات والإبتلاء والمرض وانتشار الأوبئة كما هو الحال مع انتشار فيروس كورونا الذي تسبب في ملايين الإصابات والوفيات في عدد كبير من دول العالم، وهنا تكون للصدقة أهمية عظيمة في دفع البلاء ونيل رضاء الله وعفوه وغفرانه ليرفع الوباء عن الأمة، حيث تعد الصدقة من أهم العبادات التي يتقرب بها العبد من الله عز وجل فهي تكفر الذنوب والخطايا وتزيل الهموم وتزيح الغم والإبتلاء وتدفع البلاء وترفع الوباء خاصة في هذه الأيام التي تدفقت فيها سيول الوباء وتلاطمت أمواج البلاء.
فهذا وقت رجال الأعمال وأصحاب الأموال بعد أن ترك بعض الناس أعمالهم وعضهم الفقر وطاردهم شبح كورونا في كل مكان ،هذا أعظم وقت لإخراج زكاة المال والصدقات وليس شهر رمضان، فأفضل الصدقات ما احتاج إليها الناس،هذا وقت صنائع المعروف والمواساة وتفقد الجيران والأرحام، هذا وقت التراحم والتعاون وجبر الخواطر والنجدة والشهامة والمروءة والكرم .
وتعد الصدقات من أقوي الأسباب لتفريج الهم وكشف الكرب ورفع الداء ودفع البلاء ،فصنائع المعروف تقي مصارع السوء وتدفع الآفات والهلكات،وصاحب المعروف لا يقع وإن وقع وجد متكأ يتكئ عليه، وصدقة السر وجبر الخواطر تطفئان غضب الله وتمنعان ميتة السوء، ألا تري كيف كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يواجه أمواج البلاء بالصدقة فحضنا عند الزلازل والكسوف والخسوف بقوله (إذا رأيتم ذلك فتصدقوا.. وصلوا ..واستغفروا) (داوو مرضاكم بالصدقة).
ألا ترى إلى خديجة رضي الله عنها كيف استدلت برجاحة عقلها أن صاحب المعروف لا يقع ولن يصاب بأذى بعد أن نزل عليه الوحي في غار حراء وارتجف فؤاده قائلا: (لقد خشيت على نفسي؛ فقالت له خديجة كلا ! أبشر؛ فوالله لا يخزيك الله أبدا والله إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق).
وما رأيت علاجاً أقوي لدفع البلاء من الصدقة وجبر الخواطر وصنائع المعروف وإدخال السرور على قلوب الناس.
هذا ليس وقت الاحتكار وجشع التجار وأقسم بالله إن أخلاق الجاهلية الجهلاء كانت أحسن حالا من أخلاق بعضنا اليوم التي تمثلت في الإنتهازية والإبتزاز والإحتكار وعدم مراعاة المشاعر وغياب النخوة والشهامة والمروءة والنجدة .
لقد كشفت الأزمات أخلاق الناس وغربلت الغث من السمين وكشفت عن معادن الذهب ومعادن الخشب، وميزت الغالي النفيس عن الرخيص الخسيس ،وشر الناس عند الله من تاجر في آلام الناس.
جزى الله الشدائد كل خير
وإن كانت تغصصني بريقي
وما شكري لها حمداً ولكن
عرفت بها عدوي من صديقي.
وقد أجمع العلماء على أن هناك علاقة وثيقة بين الصدقات ودفع البلاء حيث إن الصدقة لها أثر كبير في طرد جيوش الهموم وكتائب الأحزان فهي عبادة عظيمة يقوم بها المسلم بنية دفع البلاء والفرج.
الصدقة و دفع البلاء:
هناك عشرات الفوائد للصدقة منها:-
-الصدقة هي طريق البر وذلك إعمالاً لقول الله تعالى في الآية رقم 92 من سورة آل عمران : ” لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ”.
– الملائكة تدعو لمن ينفق من ماله في سبيل الصدقات: ” ما من يوم يصبح العباد
فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً ”
– الله يبارك لمن يقوم بالإنفاق في سبيل الله، حيث قال الرسول الكريم: ” ما نقصت صدقة من مال.”
– يضاعف الله أجر المحسنين والمتصدقين، كما قال رب العالمين في الآية رقم 245 من سورة البقرة: ” مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ”.
و المتصدق له باب خاص يدخل منه إلى الجنة يوم القيامة يُقال له ” باب الصدقة ” كما قال الرسول الكريم: ” من أنفق زوجين في سبيل الله، نودي في الجنة يا عبد الله، هذا خير: فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الريان.
قال أبو بكر: يا رسول الله، ما على من دُعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل يُدعى أحد من تلك الأبواب كلها: قال: نعم وأرجو أن تكون منهم .”
– الصدقة تؤكد على قوة إيمان العبد وتقربه من الله عز وجل وأنه لا يتسم بصفة البخل التي تُعد من أسوأ الصفات التي يبغضها الله جل جلاله، فقد قال تبارك و تعالى في سورة الحشر:( وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ).
ويضاف للفوائد السابقة ما يلي:
•الصدقة ترفع البلاء وتزيح الهم والغم وتبعد الوباء وتقلل ضرره.
• بالصدقة ينال الإنسان رضاء الله عز وجل.
• الصدقة تزيل الذنوب والخطايا.
• الصدقة تدخل الإنسان الجنة وتقيه من عذاب النار.
• الصدقة تحقق مبدأ التكافل الاجتماعي بين أفرد المجتمع.
• الصدقة تنشر روح المحبة والتسامح بين الفقراء والأغنياء.
• الصدقة تظلل العبد يوم القيامة وتحميه من النار والعذاب.
• الصدقة تدفع الأمراض عن العبد وتشفي المرضى حيث قال الرسول الكريم: ” داووا مرضاكم بالصدقة.”
• الصدقة شفاء للقلوب ودواء لقسوة القلب وتجعل القلب مليء بالراحة النفسية والطمأنينة.
• الصدقة تسبب نماء وزيادة لمال المتصدق.
• الصدقة تطهر المال من السيئات.
فكم من صدقة أنقذت صاحبها، وكم أطفأت غضب ربّ السّماء، وكم من همّ وضيق وكُربة فرّجتها خاصة صدقة السر الّتي وضعها العبد المؤمن في كف فقير، فوقعت أوّلاً في يد الرّحمن، فكانت لصاحبها نورًا وبرهانًا ونجاة في الدنيا والآخرة.
فالآيات والأحاديث والآثـار الّتي تدعو للصدقة وتحضّ عليها وتبيّن فضلها، كقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ”كلّ امرئ في ظلّ صدقته حتّى يُفصل بين النّاس”. والمواقف من حياة المتصدّقين و واقعهم كثـيرة، كلّها ذات عبر ودلالات، وتؤكّد للقارئ على عظم مكانة الصدقة وأهميتها ودورها الخفي، والّذي قد لا يشعر به كثـير من النّاس حتّى من المتصدّقين أنفسهم، في إنقاذ صاحبها من النّوازل والبلايا العظيمة، تمامًا مثـلما حصل للثـلاثـة الّذين حبسوا في الغار.
وللصدقة أشكال عديدة، منها الصدقات المالية؛ وتشمل كل من الطعام، واللباس، وتسديد الفواتير، وتسديد الرسوم الجامعية عن المحتاجين، بالإضافة إلى بناء المساجد، والمدارس، والمكتبات، والمنشآت النافعة للمجتمع، ومنها الصدقات المعنوية؛ حيث فضّل الله -تعالى- على عباده بأن جعلها متاحة لكل الناس، وتشمل بعض الأعمال التي يقوم به المسلم؛ كالتسبيح، والتكبير، والتهليل، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، مصداقاً لقول المصطفى المختار عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام : (إنَّ بكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بالمَعروفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عن مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ).
ومن لطيف ما ذكره ابن القيم رحمه الله في أثر الصدقة في انشراح الصدر وزوال الهم قوله: (ومن أسباب انشراح الصدر الإحسانُ إلى الخَلْق ونفعُهم بما يمكنه من المال، والجاهِ، والنفع بالبدن، وأنواع الإحسان، فإن الكريم المحسنَ أشرحُ الناس صدراً، وأطيبُهم نفساً، وأنعمُهم قلباً، والبخيلُ الذى ليس فيه إحسان أضيقُ الناسِ صدرا، وأنكدهم عيشا، وأعظمهم هما وغما.
وقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الصحيح مثلا للبخيل والمتصدق، كمثل رجلين عليهما جنتان من حديد، كلما هم المتصدق بصدقة، اتسعت عليه وانبسطت، حتى يجر ثيابه ويعفى أثره، وكلما هم البخيل بالصدقة، لزمت كل حلقة مكانها، ولم تتسع عليه. فهذا مثل انشراح صدر المؤمن المتصدق، وانفساح قلبه، ومثل ضيق صدر البخيل وانحصار قلبه).
فالصدقة مِن أهمِّ أسباب دفع البلاء قبل وقوعه وبعد أن يقع، فعن أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه قال: خرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلَّى، فمرَّ على النساء، فقال: (يا معشر النساء، تصدَّقن؛ فإني أُرِيتُكنَّ أكثرَ أهل النار) متفق عليه
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (وفي هذا الحديث من الفوائد أن الصدقةَ تدفَعُ العذاب)
وقال العلامة ابن القيم: (للصدقة تأثيرٌ عجيب في دفع أنواع البلاء، ولو كانت من فاجر أو ظالم، بل مِن كافر، فإن الله تعالى يدفع بها عنه أنواعًا من البلاءِ، وهذا أمرٌ معلوم عند الناس، خاصتهم وعامتهم، وأهل الأرض كلُّهم مُقِرُّون به؛ لأنهم قد جرَّبوه)
وقال رحمه الله: (في الصدقة فوائدُ ومنافع لا يحصيها إلا الله؛ فمنها أنها تقي مصارعَ السوء، وتدفع البلاء حتى إنها لتدفَعُ عن الظالم)
فأسعد الناس من أسعد الناس ،وخير الناس أنفعهم للناس.