الفن سيطرة
هدى مصطفى محمد | أستاذ المناهج وطرق التدريس – كلية التربية – سوهاج – مصر
الحقيقة التي يجب أن نعيها هي أن جذور الأعمال الفنية ونشأتها ترجع إلى سمات إنسانية منها ما هو إيجابي ومنها ما هو سلبي. فالإيجابي منها حب التعبير والخلق أو الإبداع والسلبي منها النزعة إلى السيطرة.
فالشاعر يحاول أن يسيطر على مشاعر من يقرأون شعره ويمتلك ألبابهم، والقاص يأمل أن يسيطر على سلوكيات من يستمتعون بقصصه ويتابعونها، أما الفنان في مسارح العرائس فهو قمة السيطرة حيث يقوم اللاعب بصناعة الدمى وتحريكها، والدمية يصنعها الفنان كقناع يمثل دور شخصية ما وهو بذلك يصنع شخوصه بما يهوى ويشتهي ثم يتجه إلى ما صنع (خلق) ليبث فيه الحياة بالصوت والحركة؛ فينطقه ويحركه كما يشاء هو، يفرح فتفرح الدمية بين أنامله وتملأ المسرح لهوًا ومرحًا ، ويحزن فتبكى الدمية وتسقط من بين يديه صريعة .
ولذلك فهو يحقق رغباته من خلال دماه. ويحقق أمنياته التي لا يمكن تحقيقها في الواقع ويشبع رغباته في أن يعيش بأحاسيس مختلفة ومتنوعة، يمر بتجارب مختلفة ويحيا حياة شخوص متنوعين وهو بذلك لا يمل الحياة ولا يسأمها، ولا يكره نمطًا معينًا فبين يديه عوالم أخرى وحيوات متنوعة.
والرسام يحاول أن يسيطر على الأشياء ويمتلكها من خلال رسمها، فالإنسان القديم رسم الحيوانات المفترسة؛ ليسيطر عليها ويشعر بقوته في امتلاكها وبالتالي يشعر بالأمان.
ومن هنا يتحول الفن إلى وسيلة لتحقيق الأحلام والرغبات والهروب من الواقع الذي ينتابه بعض الألم والأسى والإحباطات أو الشعور بالضعف.
ولا ننكر دور الأحلام في تقدم الحياة الإنسانية؛ فالأحلام نقطة البداية لأي اختراع والوضع لا يختلف كثيراً في عالم الفن، ذلك أن الفنان يسطر الأحلام ويجسدها.
والفنان الذي يمتلك أدواته من الكلمات في الشعر، والفكر في القصص، والدمى في المسارح، والألوان في الرسم يصبح خلاقاً في مجاله ويمتلك قوة رهيبة بسيطرته على هذه الأدوات التي تصبح مخلوقات خاضعة له يأمرهم فيأتمرون ويوجههم فيصيبون، ثم يتحول لمحاولة السيطرة على المتلقي.
وهنا تكمن أهمية الفن وخطورته فهو أداة مهمة للتنشئة الاجتماعية فهو وسيلة لتلقين القيم الاجتماعية في النواحي المختلفة الخلقية أو الدينية، وكذلك وسيلة لإثارة الخيال والوصول بالمتلقي إلى عوالم خيالية لإكسابهم خبرات، هذا بخلاف ما يمكن أن تغرسه الأعمال الفنية الجيدة من الأخلاقيات والقيم التي يمكن تقديمها بصورة محببة، ناهيك عن محاولات السيطرة على المتلقي لهذا الفن وفكره. ولعله يتوقف عند الرغبة في السيطرة بالسين، لا الصاد لأنه بذلك يترك بعض الحرية للمتلقي ذلك أن السيطرة بالصاد تفيد عدم منح أي قدر من الحرية حسب بعض التفاسير التي ترى أن قوله تعالى: “لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ” الغاشية 22 هو الأكثر دقة لأنها تعبر عن السيطرة الكلية فليس هناك هامش من الحرية.