رحلة إلى الجنوب اللبناني قامت بها: وفاء كمال (14)
سحمر قاع الدم الأول ( 14 )
كان ثائر لايزال يتطلع بنظرته العميقة والحادة نحو الأفق حين هجم الليل ككلب أسود على قرية يحمر, التي اختارمشارفها منطلقاً لنضاله بعد فرار ياسر من سحمر. لم يكن ثائر معروفاً لدى أهل سحمر لكن اسمه كان يتردد على لسان البعض على أنه الوجه الآخر لياسر. وساعده في ذلك بعض أقربائه في تلك الضيعة و رفاقه في فصائل أخرى . حيث قدَّموا له بعض الأسلحة لانقطاع الذخيرة عنه بعد أن هيأ حفراً وصارت معدة لاستقبال الألغام. حيث احتل حب الوطن الصدارة بعيداً عن المشاحنات والمنازعات. فتبادل بعض العناصر سراً الذخائر. أخذ ثائر ألغاماً مقابل قطع سلاح منحها لبعض عناصر المقاومة متجاوزاً توجيهات القيادة التي تأبى أن يطلع أحد على مخططاتها. وقد أجَّلَ ثائر زرع الألغام لوقت متأخر من الليل .لأن الطريق عام وقد تسلكه السيارات المدنية .وكان الأمين يقوم في القرية بنفس العمل لاستقبال الآليات المعادية وهي تتجه نحو القرية كنوع من تأجيل دخول الاسرائيليين . فكثيرا ماجمعت الصدف العمليات في وقت واحد.
وإذا كان الكثيرون قد عارضوهما في البداية لأن مايفعلانه سيعرض شباب القرية كلها للخطر . فإن الأهالي وقفوا معهما هذه المرة قائلين: إذا لم نعرض أنفسنا للخطر فإن السياسة الإسرائيلية ستحولنا جميعاً إلى جرذان في الأرض الصخرية الوعرة . وهذا التأييد الجماعي الذي حظي به عناصر جبهة المقاومة الوطنية منح الأمين وثائر ورفاقهم بعض الطمأنينة، وبعث الأمل في نفوسهم مع كل خطوة يخطونها . فالأمين كان يشعر أنه محاط بعيون أبناء الجنوب. وكرَّار الذي داهمه المرض فاضطر للتوقف والمكوث في المغارة حتى يتماثل للشفاء ظل قوياً يصارع المرض, وقد تملكه إحساس أن أيادي أهل الجنوب تحمله وقلوبهم تنبض بصدره وتدفع الدم إلى شرايينه. قام الأمين بزرع الألغام حين بدأت تتنتهي حركة المدنيين وكذلك ثائر و رفاقه في مشارف الضيعة، وانسحب الجميع كل نحو القرية أوالبيوت التي كانت تأويهم . كل ذلك تم بصورة سحرية. سمع الأمين صوت الانفجار الأول قال: لابد أنه ثائر ورفاقه؛ لأن الإنفجار كان بعيداً وما أن وصل مشارف القرية حتى سمع دوي الانفجار الثاني الناجم عن اصطدام دبابة إسرائيلية بلغم كان قد زرعه. وكان منزل خالته أقرب مأوى له دخله فوجد خالته على الشرفة تراقب الانفجار من بعيد . سمعت الخالة صرير الباب، ففاجأها الأمين بدخوله. بادرته بالسؤال وهو يلتفت باتجاه الطريق العام .ماهذا الانفجار ؟ فردَّ الأمين بلا مبالاة وهو يدخل للنوم عندها, لاأدري… قد تكون قذيفة إسرائيلية . لقد أرسلتني أمي للإطمئنان عنكم بعد سماع الإنفجار الأول . ولم يعد بإمكاني العودة سأنام هنا اليوم . فالقنابل المضيئة تخرق تجانس الليل وكذلك هدير الدبابات. .
مضى واندس بالفراش قرب ابن خالته ظناً منه أنه لن يغفو.. لكنه غفا دون أن يشعر وكان يصرخ طوال الليل وقد غرق في عرق بارد ولم يستيقظ حتى حلول الفجر على يد خالته تهزه . فركض إلى الشرفة فوجد الآليات الإسرائيلية تطوق المكان وقد تراجعت آلياتهم عن مكان الحادث مسافة واسعة وكانت وحدات من الهندسة تباشر البحث عن الألغام .قالت خالته وهي تناوله فنجان قهوة بالحليب: يبدو أنها عملية للمقاومة، فهناك دبابة معطلة يقوم الإسرائيليون بسحبها هي ومجموعة من القتلى . لم يملك الأمين نفسه من الانفعال, فقد كان شعوره حاداً، وغريبا. ولكن عليه أن يغادر باتجاه النهر فوراً ليمضي إلى رفاقه قبل أن يصل التفتيش إلى منزل خالته .
وصل الأمين لرفاقه والإحساس بالانتصار يثلج صدره. لكن القنابل العنقودية كانت تلاحق عناصرالمقاومة. وقد التطى ثائر في منزل ببداية سحمر حيث كان الغزال قد هيأ مخبأ لأي عنصر قد تضنكه الحاجة . أما الأمين فقد عاد للكهف . ..
قال الغزال: لابد أن يطوِّق الإسرائيليون الضيعة اليوم ..وإن لم يتمكنوا من العثور على المشتبه بهم فقد يُنفِّذون عملية انتقام واسعة . لذا يجب أن نغير جميعاً مخابئنا ونرسل بيانات سرية. لأهل القرية بأن لايتوجهوا إلى مكان إذا طلبوا منهم التجمع فيه لكي لاينفذوا مجزرة بهم على غرار المجازر التي يقومون بها . وقد وقع الاختيار على غانم للقيام بذلك لأنه كان صغيراً لم تطاله الشبهات بعد . فخرج للضيعة ونشر التحذيرات والبيانات السرية بين أقاربه المقربين وساعده بذلك أخواته وبنات عمومه. وزوبا وسراب حتى انتشر الخبر بين الجميع وقد وصل لمسامع نورهان التي ارتعدت أوصالها من الخوف وتأنيب الضمير تمنت لو تنشق الأرض وتبتلعها فقد لزمت منزلها وجلست في سريرها وقد دبت القشعريرة في جسدها . وصار الحذر والتوجس يسكنان القرية فاحتمال تطويقها كان سيد التوقعات .
يتبع …