دولتان.. ولكن أين وكيف؟

عدنان الصباح

في خطاب بايدن في بيت لحم عقر دارنا وبلا أدنى مواربة قال إنه يؤمن بضرورة قيام دولتين على حدود العام 1967م مع ضمان التواصل الجغرافي وهو هنا يشير الى استحالة ذلك بين غزة والضفة الغربية ولم يعلق احد على هذا القول لا من قريب ولا من بعيد ولم يلتفت احد لخطورة مثل هذا القول وهو الاخطر من القول نفسه فصمت الجميع عن ذلك لا يمكن تفسيره بعدم الانتباه ولا الرغبة بمجاملة رئيس الولايات المتحدة ولا غضا للطرف فان يأتي هذا القول من شخص بحجم المنصب الذي يشغله بايدن يعني ان المستقبل الذي يراه هو هكذا.

عن أي دولتين اذن يتحدث رئيس الولايات المتحدة بعد ان اخرج من الحل حدود العام 1948 ولا حدود التقسيم الا اذا كان يقصد دولة فلسطينية عربية مسلمة في قطاع غزة ودولة يهودية في الاراضي المحتلة عام 1948م وتبقى الارض المتنازع عليها في الضفة الغربية بعد استثناء القدس وعندها سنجد عبقريات عالمية او حتى محلية تخرج علينا بحلول لازمة تصبح فيها اسرائيل طرفا في الحل لا سببا للمصيبة.

هل هناك استعداد فلسطيني لقبول حل كهذا وهل هناك من سيقبل بدولة فلسطينية في قطاع غزة قد تكون بحماية مصرية مثلا ودويلات في الضفة الغربية قد تكون بحماية اسرائيلية بينما وفي افضل الحالات تحصل المستوطنات على حماية اسرائيلية والدول المدن الفلسطينية على حماية اردنية وهل سياتي اليوم الذي سنناضل فيه من اجل دولة ثنائية القومية في الضفة الغربية وقد يضاف اليها المناطق المحتلة عام 1948م ذات الكثافة السكانية العربية كوادي عارة والمثلث بحيث يصبح من حق دولة الاحتلال ان تسمي نفسها بدولة يهودية بعد ضم القدس وبعض المستوطنات المحاذية لحدود العام 1967م والواقعة في اراضي الضفة الغربية.

دولة فلسطينية في غزة بنظام مدينة دولة كنظام موناكو بحيث يصبح في اراضي الضفة الغربية عدد من المدن الدول كإمارة موناكو المحاذي لفرنسا وبالتالي تتمكن دولة الاحتلال الاسرائيلي من فرض مشروعها والابقاء على سيطرتها وتستطيع عبر مواقع البؤر الاستيطانية خلق موانع ديمغرافية يهودية تمنع التواصل بين المعازل العربية الفلسطينية بما يجعل من حاجز زعترة والمستوطنات المحيطة عازلا بين مدن الشمال والوسط وعبر ذلك وهذه الايام تواصل دولة الاحتلال بشكل سريع اقامة شبكة طرق عصرية تسمح للمستوطنات بالتواصل فيما بينها من جهة ومع قلب دولة الاحتلال من جهة اخرى دون الحاجة للمرور بالتجمعات السكانية الفلسطينية وحتى تنتهي من ضمان ترسيم حدود المدن الدول وتقطيعها عن بعضها وارغام غزة بالقبول بنفسها الدولة الفلسطينية مع كل امتيازات الدول الا التسليح ونموذجها اليوم جمهورية سان مارينو الواقعة تحت الحماية الايطالية.

الحال الفلسطيني للأسف يؤسس لذلك وليس العكس فاستمرار وتعميق الانقسام بتكريس فصل الضفة وغزة عن بعضهما البعض وبعض الظواهر في الضفة الغربية بما في ذلك اقامة بعض المؤسسات والشركات على أسس جهوية كشركة كهرباء الشمال وشركة كهرباء الجنوب مثلا بدل تأسيس شركة كهرباء وطنية فلسطينية واحدة.

دولة الاحتلال هي النموذج الحي لتجربة الاحتلال الاوروبي لما يسمى اليوم بالولايات المتحدة الامريكية وهي معنية بنسخ التجربة بالكامل والابقاء على الفلسطينيين كسكان اصليين للبلاد ولكن في معازل منفصلة لا تواصل بينها ولا باي حال من الاحوال الا من خلال المستوطنات اليهودية التي اختيرت مواقعها بعناية لتفي بهذا الغرض وهذا المشروع قائم منذ حرب عام 1967م وسمي آنذاك باسم خطة إيغال الون وبعد ذلك جاءت خطة النجوم السبعة لشارون والتي هدفت الى طمس حدود العام 1967 وربط سائر المستوطنات ببعضها البعض وتفكيك محافظات الضفة الغربية عن بعضها بنفس الوقت واليوم تظهر الصورة في الضفة الغربية على هذا النحو وما قاله بايدن تكريس لهذا الفعل الاجرامي على الارض بصمت عربي او بتامر لا احد يدري ولا اعتقد انه سيدري يوما من هو الذي سكت او الذي ساعد او الذي فرض بعد ان تصبح عدد الدويلات الفلسطينية المتنازعة مع بعضها البعض بعدد الدول العربية ويصبح لكل مدينة تاريخ ويضيع تاريخ فلسطين كما ضاع تاريخ العرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى