البعد المأساوي العبثي للحياة من خلال فيلم Conviction
أجدور عبد اللطيف | المغرب
يتعدى الأمر مجرد تأثر بمشاهد مؤداة باحترافية عالية، وبتصوير وموسيقى وحوار محكمة جدا إلى غيرها من عناصر السينما التي دأبت هوليود على الإبداع الحقيقي فيها. بل إن الأمر يتعدى كذلك الأسف والأسى لمجرد أن القصة حقيقية، يتعدى الأمر كل ذلك بمراحل.
تُستحب مشاهدة الفيلم قبل الرجوع لهذا المقال، حتى لا تضيع قيمته الفنية الناجمة عن قابليته للتأويلات المتعددة والإنطباعات المختلفة وذلك بسبب ذاتية الكاتب التي لا فكاك منها. حيث إن تجارب من هذا النوع يتم تأويلها حسب مرجعية المُشاهد وتراكماته الحياتية وكذا تصوراته الصافية لما يعني أن تحيا وأن تكون موجودا بقوة وفعالية وإرادة حسب فكر شوبنهاور(العالم كإرادة)، وإن كان لا ينفي ذلك توحد البشر جميعا حول فكرة أن بالوجود – شئنا أم أبينا – مسحة ظاهرة جدا من العبثية، حتى وإن لم نعتبره عبثا مطلقا في تحفظ محتاط.
يتناول الفيلم قصة شخص يدعى كيني ولد مع أخت له صغرى هي آن لامرأة منحلة من أب مجهول، والرسالة الأولى التي يقدمها الفيلم أن غياب أبوين يمنحان ما ينبغي من التربية والتوجيه يخلف أشخاصا مستعدين وجدانيا للإنحراف وسلوك سبيل الإجرام المغري وذلك ما كان عليه الولد البكر كيني منذ فتوته الأولى.
كبر الأخوان وتزوجت آن، ونجحت في الإبتعاد عن طريق الإنحراف وأنجبت ولدين وأخذت تعمل بدوام ما كنادلة بمقهى، أما كيني فأنجب هو الآخر ابنة من علاقة مضطربة لكنه تردد قبل ذلك على السجن مرات، حتى صار متهما أوليا في كل جريمة تُقترف بالأرجاء فقد أصبح مذنبا حتى تتبث براءته عكس القاعدة القانونية المعلومة، وذات مرة تم اتهامه بقتل سيدة بدافع السطو، وتواترت الشهادات من جميع الجهات بما في ذلك حبيبته السابقة وزوجته – في رسالة تفيد تنصل الجميع من الإنسان عندما يصير في جب سحيق- تعزز فرضية كونه القاتل، فحكم بالسجن المؤبد.
لامت الأخت التي تحب أخاها على فعلته، لكن إصراره بأنه بريء هذه المرة ومعرفتها العميقة به، جعلها تدرك أنه فعلا تم الزج به في السجن مكان شخص آخر.. وهناك بدأت رحلة من أجمل حكايا العصامية والإيمان الشاهق بعدالة القضية وبقوة الفكرة وجبروت الحب، حب الأخت لأخيها، فقد خاضت عمرا كاملا في سبيل الترافع عن أخيها، وطرقت أبواب المحامين الذين صدوا دونها الآذان والأبواب بسبب فقرها،أما لاحقا فقد انفصلت عن زوجها بعد خلافات متعلقة فإنفاقها كل المال والوقت في سبيل قضية أخيها الخاسرة، فقد اعتبره مذنبا بسبب ما عرف عن كيني من إجرام.
لم تستسلم الأخت حتى بعد سحب المحكمة حضانة ابنيها منها بتهمة الإهمال، بل وقررت دراسة القانون وتخرجت محامية بعد سنوات عدة من المزاوجة بين الدراسة والعمل كنادلة، وذلك لترافع عن أخيها شخصيا.. وعلمنا أن هذه القصة حقيقية تقدم لنا هذه السيدة درسا مجانيا هاما في شأن اعتذارنا بالوقت أو الجهد أو المال في سبيل تحقيق حلم ما، في حين أن المانع الوحيد لبلوغ أي هدف هو غياب الحافز القوي والإرادة والإيمان.
أصبح وصول آن للدلائل والوثائق ممكنا في المحكمة بسبب صفتها الجديدة، فطلبت إجراء اختبار الحمض النووي المأخوذ من موقع الجريمة المنسوب للمجرم ومطابقته مع دم أخيها، وهو ما لم يكن ممكنا في الماضي فترة وقوع الجريمة، فأظهرت النتائج براءة كيني، وذلك بعد كفاح عويص وسنوات مقاومة ضد أخيها الذي قضى خمسة عشر سنة يائسا حاول خلالها الإنتحار، وضد ظروفها ونفسها حين أحست أحيانا كثيرة بالتعب وبطول الطريق، وضد المحكمة التي رفضت الإعتراف بإمكانية خطئها وإعادة الأختبار، ورفضت الإعتراف بمسؤوليتها عن الخطأ لاحقا، لكن في النهاية خرج كيني ليعانق الحرية بنظرة أكثر حكمة ومسؤولية، وعانق ابنته التي صارت مراهقة، وعانق أختا صدقته حين كان كل شيء يدعوها لتكذيبه، أختا تمكنت من إنقاذه من مصير حالك.
يعلمنا هذا العمل السينمائي الفخم الكثيف دروسا متعددة في كل زاوية من زواياه، وأهم ما يخبرنا به دون مواربة هو أن الحياة ظالمة وأن الكفاح هو المخرج الوحيد من هذا المأزق المسمى الحياة.