عشية التوجه للانتخابات.. فتح والمصالحات الداخلية
يونس العموري | فلسطين
كثيرون غاضبون، والغضب بات جزءا من المشهد، والكل بمأزق، يبحث عن المخارج، وتقديم انجع الحلول لهذا الكل وتكويناته للخروج مما تعصف به الساحة الفلسطينية من سجالات عقيمة، وشرذمات تطال حتى البيت الواحد. ويظل القرار الصادر عن هنا او هناك ممن يقولون بامتلاكهم لحقيقة المصلحة العليا، والمصلحة العليا صارت في مهب الرياح العاتية التي تهدد اركان هذا الكل المتخبط واللاهث في سبيل الحفاظ على المصلحة والمصالح.
هذا القرار الذي يحمل صفة الوطني ، وبكثير من الأحيان يُصبغ بالمستقل والاستقلالية، وتحديدا في ظل تضارب الرؤى والرؤى المضادة، فهل ما زال لدى هذا الكل في ظل المأزق والغضب وضبابية المشهد وقد أقول التيه والتوهان، من يعبرون فعلا عن القرار الوطني المستقل ؟ وهل هو قرار العواصم، فيما يخص استقلالية القرار الوطني الفلسطيني؟ وهل ثمة قرار وطني فلسطيني مستقل بامتياز في ظل معادلة الدول المانحة والرباعية العربية والرباعية الدولية ؟ والذي قد يأتي في إطار الحلقة الأولى من مسلسل إعادة ترتيب المنطقة على قاعدة تحقيق التسوية السياسية كمقدمة لإعادة ترتيب الملفات الإقليمية وحسمها وفقا لإرادة العواصم الدولية التي بلا ادني شك لها الارتباط الجدلي بالعواصم الإقليمية ذات التأثير بالمعادلة الإقليمية عموما! من خلال بوابة العملية الانتخابية الفلسطينية بمراحلها الثلاث.
وعاصمة اللحظة الفلسطينية وعشية التوجه للانتخابات العامة، باتت تعيش بحالة ترقب وانتظار لانعكاسات قرار تلك العواصم عليها وعلى ملفاتها، وإعادة ترتيب داخلها.. اذ تجد رام الله العاصمة السياسية لسلطة القرار الفلسطيني في حالة مرتبكة جراء تداعيات ما بات يُعرف بقرارات العواصم الإقليمية التي لها علاقة مباشرة بالملف الفلسطيني بضرورة ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي وبشكل خاص بضرورة إعادة ترتيب واقع فتح من خلال لم الشمل الفتحاوي، وبالتالي مرة أخرى تجد حركة فتح نفسها أمام استحقاق من نوع جديد وآخر، وهو الاستحقاق الذي بدأ البعض بالتنظير له وصولا لجعله مادة أساسية من مواد السجال الفتحاوي الراهن، بالإضافة للكثير من الملفات الأخرى التي تعصف بالساحة الفتحاوية حاليا.
ولعل ما يسمى بضرورة إجراء المصالحات المحورية ما بين أقطاب حركة فتح سيذهب بفتح إلى وقائع جديدة، من أهمها أن المصالحات المزعومة ستكون على حساب أدبيات وثوابت ورؤى فتح، إلا إذا اعتبرنا ان الخلافات الفتحاوية خلافات شخصية بالأساس، وهو ما لا نستطيع تثبيته والاعتداد به على اعتبار أن هذه الخلافات بجوهرها ما هي إلا نتيجة طبيعية لتضارب المصالح والمواقف أولا لبعض قادة فتح وما يمثلون (إذا ما جاز التعبير)، ولتضارب المناهج السياسية ثانيا، بل إن هذه الدعوات للمصالحة تأتي في سياق التنازع والتصارع على قيادة الحركة ومحاولة خطفها أو اختطافها وجرها إلى أماكن أخرى غير أماكنها الطبيعية للتصدي لمهمات من نوع آخر وجديد، بهدف تمرير الحل السياسي التسووي الذي أصبح بشكل أو بآخر أحد المهمات الملصقة والمتبعة بفتح قسريا، وكأن المسألة التسووية قد أصبحت محتكرة من قبل فتح، وهو ما يسيء وبشدة لحركة بحجم فتح وبتاريخ فتح، الأمر الذي يعني برمجة فتح وفقا لملف تفاوضي ليس أكثر، وممارسة فنون العملية السياسية دون اي إسناد فعلي من قبل الحركة الجماهيرية الشعبية بما يتوافق وقوانين فعل التحرر من الاحتلال، بل إننا بتنا نسمع الكثير من الأطروحات التي صارت تنادي بضرورة تغير المعالم البنيوية الأساسية في فتح..
واعتقد أن المناخ السياسي الراهن يتسم بضغوط دولية ومكثفة على فتح وقادتها ليقوموا بإخلاع فتح ثوبها الحقيقي، وذلك من خلال بوابات المصالحات المزعومة التي حتما سـتأتي مع أطراف فتحاوية لها وجهات نظر متناقضة ومتضاربة وفتح ذاتها…
والسؤال الذي يطرح مرارا وتكرارا ما هو مستقبل حركة فتح نتيجة انقساماتها وصراعاتها الداخلية وأزمة الرؤية إضافة إلى تشرذم وانفلات بعض قاعدتها وتشظي زعاماتها وتشكل قبائل على رأس كل قبيلة امير ينصب ذاته المخلص القادم على صهوة المشروع الوطني القادر على قلب النظام وتغير المُتغير، والإمساك بحقيقة فتح والقادر على لم الشمل والمعبر عن الصوت الأعلى، الا انه السراب المخادع لواقع الأمور، ومن خلال هذه المشهد العبثي المرئي الآن فان فتح تهزم ذاتها وتهزم جوهرها فأين هذه الحركة التي قادت الشعب لعقود طويلة؟ هل هي شرائح اجتماعية متناثرة أم تنظيم لجسم هلامي أم مؤسسة حقيقية ولكنها لم تنهض من هزائمها؟ حيث اننا نرى واحدة من سلسلة الهزائم الداخلية لفتح، حيث العزوف عن المشاركة الفاعلة والفعالة من قادة لهم اسهامات نضالية من خلال فتح بالتفاعل السياسي الانتخابي بعد ان فقد الامل وصار مركونا على هامش هوامش فتح ليتصدر المشهد من يتسابق لإرضاء أمير القبيلة المتصارع مع امير قبيلة أخرى في تكوينات قبائل فتح.
يمكن القول إن هناك أزمة قيادة في حركة فتح، وفي هذا السياق لا بد من الاعتراف بأن القيادة تخلقها بالأساس المهمات التي تناط بها وفقا وانسجاما والبرامج السياسية والكفاحية المتوافق عليها بشكل جماعي إجماعي، وحينما تفقد فتح برامجها الإجماعية فحتما ستصاب القيادة بشيء من العجز وهو ما نشهده بالظرف الراهن… والأهم من كل هذا… مصالحات من مع من؟ وما هي طبيعة الخلافات بين قادة فتح وأمراءها؟
أعتقد أن المسألة تتمحور ما بين مناهج متضاربة متصارعة بالجسم الفتحاوي.والقائد أو القيادة هنا جزء من فعل الصراع على رأس فتح، وحركة كفتح لا يمكن أن تنهض دون مواجهة ومجابهة نقدية فعلية ما بين قادتها لغربلة الأطروحة السياسية والبرامجية لقادتها، وفتح لا يمكن أن تستوي أمورها من خلال عقد المصالحات بين القادة بشيء من التنازلات وبناء تحالفات ائتلافية تخدم مرحلة ما بعد المصالحة للعبور الى المجمعات الانتخابية فقط.
القيادة الراهنة (التي تتصدر فتح) من الواضح أنها ليست محاربة، بل هي نسيج من النخبة التقليدية تمارس مهمة وظيفية تفاوضية في مرحلة قد تكملها أو لا تكملها.
وأمامها مهمة تأمين الوقائع المعيشية للشعب الفلسطيني بالتعاون مع أطراف سياسية مستحدثة على الساحة الفلسطينية لها إرادة أخرى غير إرادتها وهو الملموس والواضح في الأداء الفلسطيني الراهن، وكأن “فتح” لها دور محدد ومرسوم بالواقع المعاش، يتلخص بمنح الشرعيات من جهة وتوفير شبكات الأمان لمحترفي الفعل السياسي الدبلوماسي حسب نصوص ومفاهيم النظام العالمي الجديد.
إن إجراء المصالحات الداخلية ما بين أقطاب حركة فتح لا بد أن يتم على أسس عملية وواقعية، الأمر الذي يعني أن حركة فتح عليها إعادة إنتاج خطابها وبرامجها واصلاح أطرها التنظيمية وإعادة الحيوية لمؤسساتها وأجهزتها وتجديد لوائحها وتفعيل كادرها وعناصرها وبرمجة نشاطاتها وفعالياتها على أسس عملية التحرير والتحرر، وكل ذلك لابد من ان يرتبط بالإجابة على السؤال الأهم من قبل قادة فتح ومؤسساتها التشريعية. هذا السؤال الذي لا بد من أن تجيب عليه فتح حتى يتم تحديد المسار الفعلي لهذه الحركة، وهو السؤال الذي من خلاله ستكون إعادة رسم الخارطة الوجودية لفتح، وعليه ستتم المصلحات ومن قبلها الإصلاحات.
وهو السؤال المرتبط أيضا بتحديد آليات وأساليب ووسائل عمل فتح بالظرف الراهن وعلى المدى المنظور، بل إن هذا السؤال سيحدد أيضا مصير المصالحات المزعومة وعلى أي الأسس ستقوم، حيث لا بد من أن توصف فتح طبيعة المرحلة ومفاهيمها. بمعنى لا بد لفتح من أن تجيب على تساؤل ماهية المرحلة بنظرها وهل هي مرحلة تحرر وطني أم أنها مرحلة بناء السلطة على طريق بناء الدولة فقط لا غير؟
بمعنى أن على فتح أن تواجه المرحلة بتحديد مفاهيمها من وجهة نظرها، وبالتالي مواجهتها لمتطلبات المرحلة ومجابهة تداعياتها وعلى مختلف المستويات والصعد. وعدا ذلك تأتي الدعوة للمصالحات في فتح وكأنها محاولات لإعادة إنتاج قيادة فتحاوية من الممكن بلورتها لأهداف انتخابية ليس أكثر.
وإذا كانت العواصم لها توجه وقرار بهذا الشأن فلا بد لفتح الحركة والمؤسسة والقاعدة ان تكون لديها القرار التنظيمي الذي يعكس حقيقة توجهات فتح الوطنية المستندة على أسس العملية الكفاحية بالاشتباك مع الاحتلال على مختلف الجبهات والمستويات الأمر الذي سيفرض بالنتيجة القرار الوطني المستقل على الكل. من هنا فإن مواجهة تلك العواصم سيسبقه بالأساس مواجهة فتح لذاتها.