أدب

ملاحظات حول كتابة الشاعرة هبة عبد الوهاب

د. أمجد ريان | شاعر وناقد مصري

هبة عبد الوهاب شاعرة كبيرة بحق، ويمكنني أن أعتبرها فلتة من فلتات حياتنا الثقافية، فاحفظوا اسمها، وترقبوها في مستقبلها الشعري، وفي كل خطوة من خطواتها في الكتابة .
في قصيدتها: (خارج _صالات _ الانتظار) المنشورة في صفحتها: Heba Elsayed Abd Elwahab سنقرأ هذا النص ما بعد الحداثي من الدرجة الأولى لأنه يجمع بين الحالات والقضايا المتباينة ليمنحنا نكهة الحياة ذاتها، وهو يجمع هذه القضايا من خلال المونتاج الشعري الجريء ، فأنا كقاريء أجد نفسي غارقاً في حالة: رأس “مريم”، وحالة مريم نفسها التي سبقتها بعدة سنتيمترات طولاً، لتصبح في هيئة عروس مستعدة للعبة الحب!! ثم أغرق في حالة: نغمات اكسيلفون “جهاد” وهى تدق أصابعه دقًا على إيقاعات السلم الموسيقي، ثم أطالع حالة رأس “سعد” الجار الذي سقط شعره نتيجة العلاج الكيماوي، وحالات أخرى عديدة منها حالة العنكبوتة التي استقرّت على جدرانِ الصالةِ، أو تحولّها إلى حديقة امتلأتْ ورودًا ساكنةً لا يقطفها المارة، ثم حالة ذات طابع سياسي عن الأولاد الجائعين تحت القصفٍ المُهلك، أو لعبة الأطفال المشهورة: “بيحبني، مبيحبنيش، بيحبني، مبيحبنيش” ، أو حالة الانتظار المتكررة في النص كله حتى السطر الأخير: (معربدةً خارج صالاتِ الانتظار../ فلا يليق بي الانتظار ولا أقوى عليه!!) . ولايمكن لقارئ هذا النص أن ينسى الصور الشعرية المبهرة، بسرياليتها أو بتركيبها اللغوي: (لماذا أنتظر كدجاجةٍ عربيةٍ ينتفُ الحاكمُ ريشها ويقصُّ منقارها، كي تضع بيضها في صمتٍ أليف؟!) ، وغيرها : (لأتحوّل إليّ وجبة”كنتاكي” فأُسعدُ قلبَ طفلةٍ صغيرةِ تتحرّق بكاءً).
ولا ننسى كذلك الحس الساخر المتمرد الذي يحتاج لدراسة طويلة متمعنة، وجاءت منه هنا لقطة عازفة الإكسيلفون التي تصفع غباء الآخرين على مؤخراتِهم بعصا “الإكسيلفون” وهى مُبتسمة!
وفي قصيدتها: (طوابعٌ ملوّنةٌ) المنشورة في الصفحة ذاتها سنلاحظ أن ما ورد فيها ـــ مثل كل كتابات هبة ـــ يمثل تنوعاً كبيراً في الحالات النفسية التي تتراكم: حالة من بعد حالة، ويتبع ذلك تنوع لغوي ثري، وصور شعرية مبهرة تهدم فيها الأشكال المستقرة والسائدة حول معنى الصورة الشعرية. نص كهذا لايستطيع المرء أن يقرأه لمرة واحدة، بل مرات، ويخرج منه بمتعة كبيرة، متعة التعرف على قدرة الإنسان على اكتشاف مجاهل حياته، ومجاهل ذاته، ومجاهل لاوعيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى