إرادة وطنية واحدة ضد الأعداء.. ماذا لو كنتُ سياسيًا؟!
د. مدحت عبد الجواد | مصر
لست سياسيًا، غير أني أمتلك قلبًا يملأه حب الوطن، وأمتلك فكرًا يشغله خوف على وطني، وأمتلك همومًا أشترك فيها مع أبناء عصري ، ولعل رصيد مطالعاتي في هذا الجانب يكفي أن أعبر عن بعض الآراء التي ربما يختلف حولها الشخص مع نفسه، فما بالكم إذا تبادله اثنان أو أكثر .
فماذا لو كنتُ سياسيًا ؟! كيف تتعامل مع (سد النهضة ، والأمر الليبي )؟!
لقد أثبت التاريخ أن الدول الكبرى هى من تصنع تاريخ الشعوب في العالم، وهى التي تعقد التحالف هنا وهناك ، وبات واضحًا للعيان من هم صناع القرار الحقيقيون، الذين يقتسمون العالم فيما بينهم وفق اتفاقيات، وهم الذين يسخرون أتباعًا ويحركون جيوشًا للتحكم في مصير الشعوب؛ وتضمن هيمنة المحتكر الرأسمالي وسلامة مصالحه.
ولذا فلن أجر مصر لأى حرب في الجنوب أو الغرب ، لكني لن أصرح بهذا مطلقًا بل على النقيض، سأظل أحشد الحشود في الغرب والجنوب، وليس هذا فقط بل ربما روجت لفكرة الحرب في الإعلام بكافة الوسائل، أما الغرب حتى أضع مصر على مائدة المفاوضات، وأحقق أكبر قدرًا من المكاسب التي أستطيع بها نفع الأوطان، وليبيا في غرب بلادنا وهى الجار الأول، الذي إن عاش سالمًا سعيدًا فستنعم الأوطان بالخير، وإن يعش مهددًا فلن تسلم الأوطان من الشر .
لذا فأمر استقرار الجيران ورخاء حياتهم لهو سعادة وخير وفيرعلينا جميعًا، وكم من عامل مصري يعمل في هذه البلاد ! وكم من المشاريع المشتركة بيننا !
أما عن موضوع سد النهضة ، فقد صار أمرًا واقعًا لا نستطيع هدمه أو محاولة وقف ملأ خزانه بالمياه؛ لأنه صار مشروعًا عالميًا ، تشترك فيه عدة دول عربية وأجنبية ، ولن تسمح هذه الدول بالإضرار بمصالحها، كما عقدت عليه عدة دول الآمال في مستقبل مغاير
وسوف لا أثق في الحلفاء العرب ، فهم الذين يعلنون على الملأ أمورًا ويصنعون في الخفاء أمورًا أشد ضراوة ، وثبت للجميع بالتجارب عبر التاريخ أن سياستهم لا تعرف سوى المصالح الخفية .
فما العمل ؟! وكيف تحل المشكلة ؟!
نحن لا نستطيع أن نحارب كل الدول فتتفرق دماؤنا بين القبائل، كما أن الأعداء يريدون لنا هذا المصير المؤلم حتى تضعف مصر وتنهار قوتها، ويضيع جيشها الذي باتت مصر تفتخر به وتباهي به ، والذي أصبح حائط الصد أمام مطامعهم وخسة ودناءة أهدافهم ….فماذا يبقى لي إن كنتُ سياسيًا ؟!
أحاول سياسيًا ودوليًا من جهة للوصول إلى أكبر مكاسب سياسية ، وضمان تعويضات تكفل لنا الخروج من المأذق، والمرور من عنق الزجاجة ، ومن جهة أخرى أعمل بكل مؤسساتي على توفير بدائل فورية بدراسة جميع جوانب الأزمة ، ودراسة كيفية التغلب عليها، كأن تعتمد الدولة ، مثلًا: تعميم الزراعة للنباتات التي لا تحتاج إلى المياة بوفرة ، وعن طريق التصدير يكفي الفائض لاستيراد المحاصيل الأخرى الضرورية ، كما يجب التفكير في زراعة الخضروات في المنازل، وعلى الأسطح وأى مكان من شأنه أن يوفر الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الزراعية ، كذلك فإن على الدول المستفيدة أن تلتزم بعقود تكفل ذلك ، مع تقديم الضمانات للمحاصيل الضرورية، والأموال الكافية؛ لإقامة محطات كهرباء تعوض النقص من الطاقة ، وكذلك ربما محطات ومشروعات؛ لخدمة المياه ، مع التشديد على وضع قوانين محكمة وقوية؛ لمنع إهدار المياه وتحسين طاقة الإفادة منها .
هذا جل ما أستطيع القيام به لو كنتُ سياسيًا، وتتحرك كل الأجهزة معي ؛ لتحقيقه للعبور بسلام من ضائقة المؤامرات، وكذلك تجنيب البلاد الحروب، والمحافظة على جيشنا قويًا لحماية أمن بلادنا .
ويبدو أن حشد القوات واستعراض القوة الآن، لهو خطوة سياسية؛ لوضع مصر على مائدة المفاوضات واقتناص المكاسب التي تضمن أمن البلاد ، وتوفير الخير والرخاء لبلادنا .
وإن الصيحات التي تنشأ هنا وهناك تنادي بالحرب، لن تؤثر مطلقًا على القرار السياسي، وإن كانت ضرورية؛ لحشد الرأى العام مع القرارات السياسية، وإجبار الرأى العام الدولي؛ للوصول إلى الأهداف.
ولأنني لستُ سياسيًا فإنك قد تختلف معي، وقد تتفق معي غير أنني أطلب منكم جميعًا الإلتفاف حول إرادتنا الوطنية ، وعدم السماح بالفرقة تنشب أظافرها في بلادنا، وعدم السماح للأعداء بأن يخططوا مصيرنا، ويستحوذوا على عقولنا …دامت مصر مباركة عظيمة مرتفعة الهامة .