قراءة فنية في نص (ستيني يهذي ذاكرته) للناقد أحمد دحبور
وجدان خضور | فلسطين
أولا – النص:
على عتبة الخامس من تموز
ستيني يهذي ذاكرته
هو تموز يقطف زهرة الزمن
كل عام في غفلة سهيل ليلا
يزرعها بين عيني
ويبقيني كظل الطيور المهاجرة
يساورني الحنين الى شجرة التوت قرب بيت امي
لماذا قذفني الجسر عند حافة سدوم وانا انشد العودة
وافتح رئتي للطلقة العابرة
تقاس المسافة بين انحناء الغيمة وسرب يمام
حط على شرفة قبلتي الأولى
هو التكوين الاول يلقي لي جسرا
من الحنظل لآخر الأرض
ليس سوى مغطس حزين بيننا
وترانيم نرجس وزعتر
وشجر ومغر وسلاح يلمع في وهج الذاكرة
ليس الا حجل ومواعيد صبار
ودالية عنب من خمر ونار
تضوج انهمار السؤال
وتكتب على مرايا الشوك
عشب وغفوة حلم وغضب
وثأر…
***
ثانيا – القراءة
على عتبة الخامس من تموز ستيني يهذي ذاكرته .. في هذا اليوم بالتحديد يصرح الشاعر بأنه قد تم فيه ذكري محفورة في قلبه ويحدد شاعرنا عمره حيث قال ستيني دلالة على عمره ويقول يهذي ذاكرته… أصبحت الذكرى لديه من شدة الشوق كهذيان المريض الذي تعتليه الحمى انها حمى الشوق لوطنه الذي أبعد عنه ..هو تموز يقطف زهرة الزمن ..يرى شاعرنا أنه في هذا اليوم الخامس من تموز قد تم قطف زهرة الزمن ..وكأنه في هذا اليوم بالتحديد قد تم نفي المناضل احمد دحبور فلتلك الذكرى غصة تذرف الذكرى على عتبة هذا اليوم اي في صباحه الحزين .. كل عام في غفلة سهيل ليلا تلك الذكرى تساوره حين يغفو نجم سهيل ليلا .. الشاعر هنا يصف رعشة تسري في روحه رعشة توق لحضن الوطن حيث اغفى نجم سهيل الذي يظهر حين ينتهي فصل الدفء وتبدأ البرودة تحيط المكان انه يذكر جذوة الصيف التي تظهر حين يغفو نجم سهيل هو الحنين والشوق للوطن يتابع شاعرنا المبعد عن وطنه بنقش ذكراه على رقيم الزمن قائلا .. يزرعها بين عيني ويبقيني كظل الطيور المهاجرة .. تلك الذكرى مزروعة في عيني الشاعر لا تختفي عبر أيام السنة حيث أنها مزروعة تكبر في عيونه وتبقيه في كل الأوقات كظل الطيور المهاجرة إنه ظل الطير حين يهاجر مع شعوره بالحنين حيث ظله يسري على الأرض متجها إلى الوطن يرى روحه تهاجر من هذا المكان الذي تم نفيه إليه يذكر الشاعر الهجرة انه الوجع من جميع الجهات حيث أنه يشعر بالحب لهذا المكان الذي ألفه أي الذي أصبح بمثابة وطنه الثاني يذكر الشتات الذي حصل نتيجة ترحيل الفلسطينين عن وطنهم ويذكر حنينه إلى أدق التفاصيل العالقه في ذهنه من شجرة التوت قرب بيت أمه .. ويتساءل المناضل قائلا لماذا قذفني الجسر عند حافة سدوم انها المنطقة التي طمست وتم حرقها من غضب الرب على قوم لوط يشعر شاعرنا هنا أنه قد تم وضعه على حافة المحرقة ظلما فهو لم يعتدي على أية حقوق إنه ينشد العودة إنه يقاوم المحتلين وهذا حق مشروع لماذا يقذفه الجسر عند حافة سدوم وهو ينشد العودة يريد وطنه ويقاوم من أجل العودة إنه الفدائي الذي يفتح رئتيه للطلقة العابرة تلك الطلقة هي الأمل والحلم الذي يساور المقاوم بإما النصر وتحرير الوطن وإما الشهادة التي تضمنت بقياسه لتلك الطلقة بانها في انحناء غيمة وسرب يمام حط على شرفة قبلته الاولى .. تلك هي الخيارات التي يحملها كل مناضل أما النصر أو الشهادة التي صورها الشاعر بعبور المقاومين عند انحناء الغيمة لهم وهم يعرجون إلى حفل عرسهم في الملأ الأعلى حيث صور الشهداء بسرب يمام حط على شرفة قبلته.. إنها قبلته التي يسعى إليها ويتجه إليها عبر كفاحه المسلح وحبه لنيل الشهادة ويسترسل هذا الشاعر الذي مضغ عوسج الصبر في غربته من خلال نفيه عن وطنه وعن أمه التي يذكرها في معظم اشعاره الحافلة بالحنين لأحضانها الدافئة وبكائه عند قدميها الطاهرتين فيقول .. هو التكوين الاول يلقي لي جسرا من الحنظل لآخر الأرض ليس سوى مغطس حزين بيننا .. يعود شاعرنا لتكوينه الاول المعجون بالحب في ثرى وطنه ويقول بمرارة الحنظل أن بينه وبين الوطن جسرا من الحنظل هو هذا الجسر والحدود الفاصلة بينه وبين تراب الوطن يصف الجسر بالحنظل لمرارته والنهر الذي تحته عبارة عن مغطس حزين بيننا .. المغطس هو نهر الأردن حيث عُمد المسيح فيه حين اغطسوه بمياه النهر هو اذاً مغطس حيث قال الشاعر ليس بيننا سوى مغطس حزين الشاعر يصف حزنه بأنه قد تم إغراقه به أي أنه قد غطس به من قدميه حتى رأسه .. مغطس حزين بيننا وترانيم نرجس وزعتر وشجر ومغر وسلاح يلمع في وهج الذاكرة …يذكر هذا المقاوم الباسل الأوقات التي كان بصحبة زملائه الفدائيين وهم في جبال فلسطين مطاردين يختبئون في المغر ويخططون للعمليات المقاومة ويعبق في ذاكرته النرجس الذي يزهر في هذا الفصل في جبال فلسطين ورائحة الزعتر الشهية والشجر الذي كانوا يتدارون بغصونه وطائرات الأباتشي تمشط الجبال وهي تبحث عنهم ويذكر التماع السلاح حين كان يهز الكيان الإسرائيلي من خلال العمليات الفدائية المحفورة في ذاكرة كل عربي شريف في السبعينات مثل عملية دلال المغربي التي تم فيها خطف حافلتين وتم اشتباك المقاومين مع جيش الاحتلال واستشهاد جميع المقاومين بعد تمكنهم من قتل قرابة ثلاثين إسرائيليا وإصابة العشرات بالجراح تلك من العمليات الناجحة في هذا الوقت وقد استمرت المقاومة المسلحة إلى أن لحق شاعرنا الوطني بها الذي ذاق ألوان الظلم في سجون الاحتلال ومن ثم النفي إلى خارج الوطن .. يذكر شاعرنا الحجل ومواعيد الصبار ودالية عنب خمر ونار نضوج انهمار السؤال .. الحجل هنا هو طائر يرمز إلى الحبيبة والحرية فلا بد أن شاعرنا عاش قصة حب في شبابه وهو في فلسطين حيث قال ليس إلا طائر حجل ومواعيد صبار تلك المواعيد الذي صبروا عليها أثناء الفراق والقلق وهو في خضم المقاومه لم ينسى حبيبته وقد وصف مواعيد لقاءه بالصبار من شدة صبره على الفراق ودالية عنب من خمر ونار
تضوج انهمار السؤال إنه التساؤل نتيجة هذا العشق الذي ينهمر على قلبه عن مستقبل هذا الحب الحسير نار في قلب هذا الثائر تحدد الطريق الذي يسير عليها من أجل تحرير الوطن .. يرى شاعرنا هذا الدرب محفوفا بالشوك والصعوبات والكمد الذي يلاقيه المقاوم وهو مطارد وبعيد عن بيته وعائلته ويحلم بحرير العشب اي النصر والحرية التي ينشدها بغضبه الممتشق سهام الثأر إنه الثأر لكل الشهداء إنه الثأر لكل الثكالى إنه الثأر لاغتصاب الوطن إنه الغضب من أجل القدس وأقصانا إنه الغضب من أجل يافا وحيفا واللد والرملة وبيسان وجميع الأراضي المحتله إنه الثأر نتيجة الغضب لهذا الاعتداء الذي يخططون له من أجل ضم الغور والاستيلاء على الضفة الغربية وشريان الوطن .. إنه الشاعر المناضل الحر الأبي المنفي أحمد دحبور تحايا تليق بمقامك أيها المناضل البطل.