الإساءة وما ينتج عنها وموقفك منها
أ.د. / رأفت عبد الباسط محمد قابيل أستاذ علم النفس الإكلينيكي بكلية الآداب بجامعة سوهاج – مصر
تعرف الإساءة بوصفها فعل أمر قبيح يترتَّب عليه غمٌّ للإنسان في أمور دينه ودنياه، سواء أكان ذلك في بدنه أو نفسه أو فيما يحيط به من مال أو ولد.
فهل أنت ممن تعرض إلى إساءة؟ هل أنت مستاء من تصرفات أحد أقاربك أو زملائك؟ هل أنت ممن يفضل الاحتفاظ وعدم الإعلان أو التعبير عن هذه الإساءة خوفاً من أن تفسد علاقتك بالأخر أو تفتقد تلك العلاقة؟
هل أنت ممن لا يمتلك الشجاعة الكافية أو الوعي والإدراك بضرورة التصريح والتعبير عن تلك الإساءة التي ولدَت لديك مشاعر وطاقة سلبية قد تكون هي السبب – دون أن تشعر- في حدوث ما تخشاه من إفساد وتلويث ذاتك، وذوات ما حولك؟
هل تعلم أن احتفاظك بمشاعرك السلبية التي تنتج عن إساءة الغير لك دون محاولة التعبير عنها قد تفسد حياتك، وتجعلك عرضة للإصابة بأمراض جسدية ذات المنشأ النفسي يطلق عليها مسمى الاضطرابات السيكوسوماتية Psychosomatic Medicine وهي اضطرابات يلعب فيها العامل النفسي دوراً أساسياً مثل: الصداع النصفي، والأكزيما، والقرحة، والقولون العصبي، وتساقط الشعر…إلخ؟
هل تعلم أن احتفاظك بمشاعرك السلبية الناتجة عن إساءة الغير لك دون محاولة التعبير عنها قد تفقدك الشعور بالتعاسة وتكسبك التعاسة؟
هل تعلم أن تعاستك قد تنتقل إلى من حولك فتجعلهم تعساء مثلك؟ هل قمت بمحاولة تأمل وإدراك هذه الإساءة، وتقدير مدى خطورتها في حالة الاحتفاظ بها بداخلك وعدم الإعلان والتعبير عنها؟
هل أدركت أن لديك اختيارات أخرى غير الاحتفاظ بهذه المشاعر السلبية الناتجة عن اساءات الأخرين تضمن لك سعادتك وعدم الإصابة بالمرض، وتضمن لك سعادتك، وسعادة ما حولك؟
إنها تساؤلات حول الإساءة وما يترتب عنها من مشاعر سلبية وموقفنا منها سوف نحاول الإجابة عنها في هذا المقال لعلنا نخرج معا بتصور يجنبنا شرور تلك الإساءة، وما ينتج عنها من مشاعر وطاقات سلبية تفسد علاقتنا بذواتنا وذوات الأخرين، وتفقدنا الشعور بالسعادة وبهجة الحياة مما يسبب في إعاقة حركة تكفينا في الحياة.
لا شك أن الاحتفاظ بإساءات الأخرين الموجهة إلينا والتي تتراكم بداخلنا مع مرور الوقت دون محاولة التعبير عنها قد تفسد وتلوث ما بداخلنا، وتفقدنا الشعور بالسعادة والبهجة، وتفسد كذلك وتلوث علاقتنا بمن حولنا.
إن الاحتفاظ بإساءات الأخرين المتراكمة هي في الحقيقة شكل من أشكال السلبية تجاه الذات، وتجاه الأخرين.
إن سلبيتك تجاه الإساءات الموجة إليك ليس فقط من شأنها تلويث ما بداخلك، وإنما أيضاً تلويث ما في الخارج حيث علاقتك بمن حولك وهي ليست الأسلوب الأفضل للتعامل مع الذات، ومع الأخرين، ومع مرور الوقت سوف تتحول دون أن تشعر لشخص حزين عاجز مغلوب على أمره يفتقد القدرة على إسعاد نفسه، وإسعاد من حولك، كائن يتألم دون أن يشعر به أحد، كائن يعاني من اضطرابات نفسية-جسدية يحتار بشأنها الأطباء، كائن يفتقد للحيوية والنشاط، في الوقت الذي يمكنك تجنب الوقوع في هذا وذلك من خلال التعبير عن مشاعرك السلبية الناتجة عن تلك الإساءات الموجهة إليك من الأخرين.
إن مشاعر الألم والحزن والتعاسة الناتجة عن إساءة الأخر لك سوف تنتقل إلى من حولك دون أن تشعر ما لم تعبر عنها، وتعلن عنها حيث أن التعاسة والألم النفسي ينتشر أكثر وبسهولة مقارنة بالألم الجسدي فهو أمر معدي، فتعاستك وألم النفسي حتما ودون أن تشعر سوف ينتقل إلى من حولك الذين لا ذنب لهم، ولم يسيئوا إليك.
فلكي يحافظ الإنسان على سعادته، وسعادة من حوله عليه أن يتخلص – أول بأول – من مشاعره السلبية الناتجة عن إساءة الأخرين له، ولا يدعها تتراكم بداخله مسببة التعاسة والألم له، ولمن حوله، فأنت أيها الإنسان أمام ثلاثة اختيارات عليك أن تختار أحدهما في ضوء طبيعة العلاقة التي تربطك بالشخص المسيء إليك، ومدى قربه أو بعده منك، وفي ضوء علمك بأن البشر أنواع فمنهم من يحبك، ومنهم من يتظاهر أنه يحبك، ومنهم من يتمنى موتك وهلاكك، فلا يعقل أن تكون استجاباتك – لهذه الأنواع أو لتلك الأنماط المختلفة من البشر ممن تصدر منهم الإساءة – واحدة، ولهذا فأنت أمام اختيارات ثلاثة عليك أن تختار واحدة منهم بحيث تتفق مع طبيعة الموقف الذي أنت فيه، ومع تلك الأنماط المختلفة من البشر، وفي ضوء علاقتك بهم، ومدى قربك أو بعدك عنهم:
فأنت إما أن تتكيف مع تلك الإساءة، وتتقبلها كلية على الرغم من كرهك لها اعتقاداً وإيماناً منك بأنك تتعامل في الأصل مع الله وليس مع البشر، وأن الإساءة يجب ألا نُقابلها بإساءة أخرى، بل نُقابلها بالحسنة، وأن أفضلنا هو من خالط الناس وصبر على أذاهم إلا أن هذا الاختيار يتطلب قدرة على التسامي والسمو والعلو وتجاوز أخطاء البشر، وهي للأسف لا تتوافر لدى الكثير منا، لكونها تتطلب أناس لديهم قدرة على الصبر، قدرة على كظم الغيظ واحتمال المكروه، وهى مرتبة عظيمة لا تتوافر لدى عامة البشر، لكونها تتوافر لدى فئة تطمع ليس فقط في تحقيق السعادة في الدنيا، وإنما أيضاً في الأخرة {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت من الآية:35].
وإما أن تقاوم تلك الإساءة، وتعلن صراحة رفضك لها، وإبلاغ من أساء إليك أن إساءته قد سببت لك ألم وضيق وأضرار ومتاعب نفسية وذلك في محاولة منك لتغيير طريقة تعامل الأخر لك، ولفت نظره إلى عدم تكرار تلك الإساءة مرة أخرى.
وفي حالة عدم استجابة الأخر لنداءاتك ومعاناتك وأوجاعك وألآمك فأنت إذن إمام الاختيار الثالث وهو الابتعاد عن مصدر الإساءة، واقصد بهذا الابتعاد عن هذا الشخص الذي يكرر توجيه الإساءة لك على الرغم من التنبيه عليه، وهذا ما قد يحدث بين زوجين استحالة العشرة والحياة بينهما فالحل هو الانفصال أي الطلاق، فالطلاق في مثل هذه الحالات قد يكون هو الحل الأمثل للزوجين، وكذلك للأبناء.
أعلم أن الأمر معقد وصعب ولكن تبقي حقيقة يجب ألا تغييب عن الأذهان وهو ضرورة التعبير عن المشاعر السلبية الناتجة عن الإساءات الموجهة إليك، وضرورة التخلص منها إذا وجدت بداخلنا –أول بأول-وإلا لكانت سبباً ليس فقاً لتعاستك، وإنما أيضاً لتعاسة من حولك ممن تحبهم، فإن إي اختيار سوف تختاره من الاختبارات الثلاثة الأنفة الذكر هو أفضل لك من أن تقف موقفاً سلبياً وخاصة في حالة تكرار تلك الإساءة وتراكمها بداخلك.