الرئيس أبو مازن وسدنته ومستقبل القضية الفلسطينية
بقلم: د. إبراهيم أبراش | فلسطين
كتبنا وتحدثنا مطولاً عن المشروع الصهيوني وإرهاب دولة الكيان بحكومتها ومستوطنيها وآخرها الجريمة في مخيم جنين التي تمثل حلقة في مخطط تصفية الوجود الوطني في الضفة، كما كتبنا وتحدثنا عن حركة حماس ومشروعها البديل لمنظمة التحرير والمشروع الوطني، كما حذرنا من الدور المشبوه لبعض دول الإقليم… ولكن أين الممثل الشرعي الوحيد للشعب من كل ما يجري؟ أين القيادة والرئيس أبو مازن؟
إن استمر الموقف الرسمي على حاله فسيتم تجاوز المنظمة والقيادة ليس فقط من طرف أحزاب المعارضة بل ايضاً ستفقد حضورها شعبياً.
بالرغم من قسوة مفردات المقال وما ننتظره من تأويلات مغرضة للبعض من بطانة الرئيس، الذين ينصبون أنفسهم سدنة معبد الرئيس وحماة الوطن والوطنية، يتصيدون كل كلمة تتضمن نقداً ولو بناء ليحرفوها وينقلونها للرئيس ليوهموه أنهم وحدهم المحبون له والمدافعون عن حماه وحمى الوطن، البطانة التي تفرض طوقا على الرئيس بحيث لا يرى العالم وشعبه إلا من خلالهم.
بالرغم من ذلك سأصارح الرئيس بما أعتقد وأرى في سياساته ونهجه وتصرفاته في السنوات الأخيرة، وقد أكون مخطئاً فيما أعتقد، ولكنني سأبوح بما يجول في خاطري متأملاً سعة صدر الرئيس، رئيس كل الشعب بعقلائه وجهلته، بمن يحبونه ومن لا يحبونه، بمن يتفقون معه بالرأي ومن يخالفونه، رئيس فتح وحماس والجهاد والشعبية الخ إنه رئيس الجميع وليس رئيس (جماعة الرئيس) فقط.
وأن اخص الرئيس بمقالتي لأن كل ما يتعلق باستراتيجية مواجهة الاحتلال ومستقبل القضية من اختصاصه ، فاستنهاض منظمة التحرير ولملمة مكوناتها السياسية تحتاج لقرار رئاسي ، واستنهاض حركة فتح مرتبط بقرار رئاسي، وإجراء انتخابات رهن بقرار الرئيس، وتغيير وظيفة السلطة والعلاقة مع الاحتلال رهن بمشيئة الرئيس… فاين الرئيس من كل ما يجري؟
منذ استشهاد الرئيس أبو عمار 2004 والقضية الوطنية تتدهور من سيء لأسوأ حيث يتواصل الانقسام الداخلي كما يسجل العدو نقاطاً لصالحه فيما يتعلق بالتوسع في مشاريعه الإستيطانية وما يجري في المسجد الأقصى أيضاً في مجال التطبيع مع دول عربية بالرغم من صمود الشعب ومقاومته المستمرة، ولذا من الطبيعي أن يتعرض الرئيس أبو مازن للانتقاد لأنه تولى الرئاسة والمسؤولية بعد ياسر عرفات ولأنه عنوان لنظام سياسي مأزوم، ولكن سيكون من عدم الإنصاف تحميل الرئيس وحده المسؤولية عما آلت إليه القضية في بعدها الاستراتيجي نظراً لتعدد الفاعلين السياسيين في القضية الفلسطينية وتعدد الأجندة الخارجية، أيضاً مراكز اتخاذ القرار داخل السلطة الوطنية.
فإن كان الرئيس القائد أبو عمار، بكل تاريخه النضالي وشخصيته الكاريزمية وعلاقاته الدولية الواسعة وفي ظل ظروف وطنية وعربية وإقليمية أفضل حالاً مما هو قائم اليوم، لم يستطع تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال، فكيف نلوم الرئيس أبو مازن لأنه لم يحقق ذلك ونحن نشهد كل الانهيارات من حولنا وتفكك معسكر الأصدقاء والحلفاء، وما يسمى الربيع العربي ينشر الفوضى والخراب والحرب الأهلية ويفكك دولاً مستقلة؟ وإن كانت قوى المعارضة المسلحة وغير المسلحة بما تملكه من إمكانيات ومصادر دعم وتمويل ، وشبكة تحالفات عربية وإقليمية لم تستطع إنجاز وتحقيق أكثر مما حققه الرئيس أبو مازن فلماذا لوم الأخير وتوجيه شتى الاتهامات ضده؟
ليس هذا دفاعاً عن أبو مازن أو عن واقع السلطة وواقع الطبقة السياسية التي يجب العمل على تغييرها جذرياً، بل لعقلنة أية ممارسة لحق النقد حتى يكون موضوعياً وعقلانياً وتجنباً لمحاولة توظيف العدو الانتقادات غير العقلانية وغير الوطنية للرئيس لإقحام الحالة الفلسطينية في فوضى لن يستفيد منها إلا الأعداء.
كما نسجل للرئيس أبو مازن أنه جنب الشعب الفلسطيني خلال سنوات فوضى ما يسمى (الربيع العربي)، الذي بدأ في مناطق السلطة، حرباً أهلية بالرغم من انقلاب حماس على السلطة والمنظمة، كما يسجل له تواجده المتواصل في المحافل الدولية وإصراره على التمسك بالرواية الفلسطينية وتجنبه الانجرار للمحاور العربية المتصارعة، ولولا هذه المواقف لكان حال القضية أكثر سوءاً.
ولكن ما يُسجل على الرئيس وما نأخذه عليه وهو في هذه المرحلة من العمر عدة أمور:
1- لا أحد يعرف كيف يفكر الرئيس وما هي خطواته القادمة على كافة المستويات وخصوصاً بعد خطابه في الجمعية العامة مناشداً العالم حماية الشعب الفلسطيني، وكأن القضية الفلسطينية قضية إنسانية وليست قضية وطنية سياسية لشعب يناضل من أجل الحرية والاستقلال؟!
2- ضعف والتباس مؤسسة القيادة بحيث لم نعد نعرف المقصود بالقيادة، هل هي الرئيس فقط؟ أم اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الغائبة عن المشهد والتي لا يعرف الشعب غالبية أعضائها؟ أم هي الحكومة؟ أم هي البطانة الملتفة من حوله؟ أم جميع هؤلاء؟ فإذا سألت مسؤولاً في المنظمة وحركة فتح عن أي قرار أو قانون مثير للجدل يقول إنه قرار الرئيس لوحده وأن الرئيس يتفرد باتخاذ القرار وقد نصحناه ولم يأخذ برأينا …!!، وقد يكون هذا الزعم صحيحاً أو محاولة لتحميل الرئيس مسؤولية كل شيء وتحويله لكبش فداء المرحلة.
3- غياب رؤية أو استراتيجية للمستقبل، حيث يكتفي الرئيس بالتأكيد على الرواية الفلسطينية والتمسك بنهج السلام والشرعية الدولية، ولكن ماذا بعد وما هي استراتيجية العمل لمواجهة الحكومة الإسرائيلية والمتغيرات الدولية؟ حتى وإن وصل الرئيس لقناعة أنه لا يمكن في ظل الظروف الراهنة تحقيق أي انتصار لا سياسي ولا عسكري وأن ما يجب القيام به هو تثبيت وجود الشعب على أرضه فإن هذا الهدف يحتاج أيضاُ لرؤية واستراتيجية ووحدة وطنية.
4- لا توجد أية رؤية للتعامل مع الانقسام الداخلي، بل توجد مؤشرات على الاستسلام لواقع الانقسام والتوافق الضمني على إدارته بل وعلى قيام (دويلة) في غزة يترك أمر حكمها لحركة حماس وفصائل قطاع غزة تحت إشراف مصري وقطري وإسرائيلي.
5- حالة الضعف وعدم الانسجام داخل منظمة التحرير وحركة فتح وغياب أي مؤشرات على استنهاضهم واكتفاء الرئيس بملء الشواغر بتعيينات من طرفه أو من طرف بطانته.
6- مسؤوليته عن حالة الجمود في النظام السياسي من خلال تعليقه للانتخابات تحت ذريعة رفض إسرائيل اجرائها في القدس! ولا ندري إن كان الرئيس يفكر بمنطق: فليأت من بعدي الطوفان!!
7- استمرار غموض مستقبل النظام السياسي من بعده، وعدم تعيينه نائباً له.
8- انغلاقه وحصر علاقاته مع بطانة قليلة العدد من ذوي المصالح والارتباطات الخارجية لا يرى شعبه والعالم إلا من خلالهم، وعدم انفتاحه على الشعب والنخب السياسية حتى من أبناء حركة فتح ومنظمة التحرير والمثقفين والمفكرين، واقصائه لكل من يخالفه الرأي.
9- مع تقدمه في السن بهتت كاريزميته وقدرته الخطابية، وبالتالي قدرته على الإقناع.
10- استمرار الرئيس على رأس الرئاسات وتفرده باتخاذ القرارات كما يزعم المقربون منه، يقطع الطريق على أي مطالبات شعبية بتجديد النخبة السياسية التي غالبيتها من جيل الرئيس، حيث سيتشبثون بمواقعهم تحت ذريعة أن الرئيس يفوقهم سناً وما زال قادراً على العمل، والرئيس قدوتهم.
وأخيراً، نكرر ما سبق وأن طالبنا به أكثر من مرة وهو أيضاً مطلب غالبية الشعب الفلسطيني، نتمنى على الرئيس أبو مازن الدعوة العاجلة لإجراء انتخابات عامة: المجلس الوطني، انتخابات تشريعية، انتخابات رئاسية، انتخابات محلية، وخصوصاً أن عودة نتنياهو واليمين المتطرف واستمرار السياسة الأمريكية المعادية للفلسطينيين وتوغل إسرائيل في العالم العربي بالتطبيع الرسمي والعلاقات غير المعلنة وبعضها أكثر خطورة من التطبيع الرسمي، كل ذلك لم يترك أية فرصة لتسوية سياسية عادلة كما كان يراهن الرئيس، ونتمنى أن يضع الرئيس ثقته في الشعب ويترك له حرية اختيار من يحكمه، وعلى الشعب أن يختار ويتحمل مسؤولية اختياره ولا نعتقد أن شعبنا أقل تحضراً ووعياً من شعوب كثيرة في العالم الثالث خاضت التجربة الديمقراطية- ولا نريد عمل مقارنة مع إسرائيل- كما لا نعتقد أن من ينتخبهم الشعب سيكونون أكثر سوءاً من الطبقة السياسية الحالية، وشعبنا أصبح واعياً وأخذ دروساً وعبراً مما جرى في انتخابات يناير 2006 .