أدب

قراءة مكثفة في نصٍّ قصير للشاعر العماني سعيد الصقلاوي

فاختر طريقك في الحياة تمكنا..إن الطريق تُضلل المنقادا

بقلم: أ.د. سامية الدريدي

أولا – النص:

إنّ الجراح مدىً لنا ومدادُنا
فإذا كتبت بها تشب عنادا

***

في الحب لا إثمٌ ولا أعراضه
إثمُ الجمال مؤصلاً ومعادا

***

خرجتْ مِنَ الصدمات بعضُ صلادها
ألقتْ على كل الضعاف رمادا

***

فاختر ْ طريقكَ في الحياة تَمَكُّناً
إنّ الطريقَ تُضَلّلُ المُنْقادا

ثانيا – القراءة

    (فاختر طريقك في الحياة تمكنا.. إن الطريق تُضلل المنقادا).. حكمة بليغة في هذا الحيز الدقيق من الكلام فمنطق الحياة يفترض الجرأة والشجاعة والقوة؛ والقوة هنا قوة إرادة و قوة فعل ولهذا اقترنت بالتمكن أو أفضت إليه لأنه متى كان المرء قويا ذا عزم انقادت له الحياة وأذعنت.
في المقابل يجد الضعيف الخامل أو الجبان المتخاذل من مصاعب الحياة ومشاقها الكثير؛ بل لأنه لا يملك قوة التدبير والتنفيذ قد يضل الطريق فبدل أن تنقاد له الحياة يظل لها منقادا تتقاذفه أمواجها وتعبث به حوادثها وأخبارها
    ومن أهم وجوه البلاغة في هذه الحكمة أن الشاعر سعيد الصقلاوي اختار ألفاظه بدقة واختار المقابلة أسلوبا أجرى عليه المعنى فكانت المقابلة بين التمكن والانقياد وكانت المقابلة بين الاختيار والضلال وكان التناقض جليا بين الطريقين الأول (أو الأولى لانه يجوز في كلمة طريق التأنيث والتذكير) طريق الإرادة والحرية و الثاني طريق الذل والخنوع .

    والمهم في تقديرنا أن الحكمة لا تستقيم شعرا ولا تؤثر في نفوس المتلقين إلا إذا صدرت عن ذات شاعرة امتلكت نواصي الشعر من ناحية و خبرت الحياة وتمرست بها من ناحية أخرى. وهما شرطان توفرا في سعيد الصقلاوي فحق له أن يحلق باجنحة الحكمة في سماء الشعر.
    والواقع أن الحكمة بشكل عام تضمن للشعر سيرورته بين الناس وخلوده؛ وذلك لسببين على الأقل: أولهما أن المعاني فيها عامة تتجاوز. حدود الزمان والمكان وتخاظب الإنسان في كل أوان.
   وثانيهما قيام الحكمة عادة على بلاغة الاختزال وسحر الإيجاز فلا تطويل فيها ولا إسهاب. وهذا بيِّن في شعر الحكمة عند الصقلاوي الذي انطلق في حكمته دون شك من تجاربه الواسعة في الحياة واستلهم ما خبره من صروف الدهر وأحداثه؛ ولكنه تعالى على ذلك كله وسما بشعره إلى فضاء إنساني رحب جاعلا من المعاني قواعد عامة تتجاوز الذات إلى المجموعة بل إلى الإنسانية في المطلق.
     ولعل النزعة الإنسانية في هذا الشعر وغيره هي ما يبرر قول النبي الكريم “الحكمة ضالة المؤمن”في إشارة بليغة إلى الحاجة الملحة إليها و ضرورة السعي وراءها؛ بل إن قوله المعروف”إن من الشعر لحكمة” يجعل من الحكمة مقياسا تقاس به شعرية الشعراء فمن بلغ في الشعر شأنا عظيما قال الحكمة و أجاد فيها. وإن استلهمنا شعر الصقلاوي الذي خضنا في شأنه في هذا المقال قلنا: إن الشاعر الحق عليه أن يصوغ الحكمة تمكنا حتى يكون الشعر له منقادا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى