سياسة

نريدها عودة مقدسة

بقلم: عصري فياض

     الجميع يردد ويؤكد على حق العودة، القائد والعنصر، المتعلم والجاهل، الغني والفقير، الصغير والكبير، المرأة والرجل، السياسي والعازف، الصابر والناقم، القابل بحل “الدولتين” والرافض، الموالي للحل التفاوضي ومعركة الطوائل، والمردد لكلمات المرشد الإيراني، المسلم والمسيحي، العابد والجاحد، السلفي والوسطي، الصوفي، المؤمن والماركسي، القومي والأممي، المناضل المكافح، والسائر جانب الجدار بحثا عن السترة، العربي وغير العربي من أنصار قضايا الشعب المشرد.. كلهم يؤكدون على حق العودة لشعب فلسطين،ولكن كيف العودة؟ هل هي واحده في أنظار الجميع؟أم أنها متفاوتة بتفاوت المنطلقات،بتفاوت مقاييس فن الممكن وفق الحالة السائدة وإمكانية تحقيق الممكن!! أم أن العودة عند البعض استحالة في هذه الظروف،لكنها حق أبلج يمكن الضرب على وتره لتحقيق ما هو اقل منه من باقي القائمة من الحقوق العملاقة التي سلبت من الشعب الفلسطيني سواء كان ذلك لجهة الأرض والمستوطنات والأسرى والدولة والتعويض ورفع العلم على الأسوار والكنائس في القدس العربية وووو…

تعالوا لنشرح معا باختصار تلك العودة المرجوة،وأسبابها ومسبباتها،حتى نعرف ما هو الحجم وما هي العودة التي نريد؟، وبأية حالة نريدها؟ وما هي معطياتها؟وما هي مسالكها؟وما هي سبل الوصول إليها؟؟ تعالوا لنرسم لنا “حلما” إن لم نحققه في حياتنا،نجعله أمانة تتوارثها الأجيال.. لتعمل على تحقيقه كحق مقدس طاهر مطهر بعيد عن كل رجس وشبهه…

النبكة…هي حجم الألم والاقتلاع والمعاناة والصبر والتضحيات والحنين والبعد والتشرد والتشرذم والثورة والتآمر والمتسلقين والنفعيين واللصوص والفساد والرماد والانتظار وذل الوقفة أمام مراكز التموين..الذي حلَّ ولا زال بشعب فلسطين الذي اخرج من دياره تحت النار ليموت في الخيام والمخيمات والشتات، وهذا الوزن المعنوي، إذا ما حاولنا أن نجد له مقاسيا قياسيا في الأرقام الفلكية لا نستطيع ولن نستطيع،لأنه حجم غير متناهٍ من كل أوصاف وأصناف العذاب.

والعودة كلمة ومطلب عظيم، مقابل لكلمة نكبة ومواز لها، وهو الوحيد القادر على إدارك وزنها، إذا ما تحقق بكامل هيئته،بل حتى ولو تحقيق بكامل هيئته، لن يمحوا من سجلات التاريخ هذه المعاناة السرمدية…

كيف خرجنا أو كيف خرج أهلنا.. خرجوا تحت النار.. فهل من العدالة أن نعود برفقة الصليب الأحمر؟أو تحت إشراف هيئة الأمم المتحدة؟ أو هل من العدالة أن نعود وننصهر في كيان لغته الأساس العبرية؟! نعود ليتعلم ابناؤنا في “التخنيون”؟! أو نعود لنقسم شاطئ حيفا قسمين الأول لهم ومسموح فيه لبس ملابس البحر،والثاني لعوائلنا التي تفترش الأغطية وتداعب مياه البحر بالجلباب والثوب المطرز؟!…لا يمكن قسمة الرمل لقسمين.

التعويض… حق مع العودة،ولكن ما هو ثمن قطعة القماش من كوفية أمي البيضاء التي مزقها أبي لحظة فقد فاطمة اثر الحمى ولم يجد شيئا يكفنها فيه،فمزقت أمي الملتاعة كوفيتها لتلف جسد أختي فاطمة ابنة الأربع سنوات؟!

التعويض مكمل لحق العودة ،ولكن هل زاحم الذين غازلوا ويغازلوا الحلول المعقوله والمشاريع التي تبنى على التنازلات المؤلمة،هل زاحموا يوما الكتل البشرية في مراكز التموين ليحصلوا على قوت أطفالهم المحرومين الجوعى؟!

التعويض حق مقترن بالعودة ،ولكن هل ذاق المطالبون “بالمعقول” من الحلول طعم صمت الحاج توفيق الأسعد الذي كان يزهوا بمئتي فارس من الثوار والأحرار على ضفاف حيفا،فوجد حاله بين يوم وليلة في خيمة قرب اربد؟؟ فصمت حتى قتله الصمت…

التعويض حق مع العودة، ولكن هل سيمسح التعويض بعد العودة بالشكل التي يريدونها أسئلة الراحلين إلى وادي السلام عندما يأتي عليهم وافد فيسارعون له ويسألونه هل عدتم،فيخجل من مماته كما خجل في حياته؟؟ ويتمنى أن يعود للدنيا هربا من خزي الإجابة…

أي عودة تريدون لنا أيها الأبطال المخلصون، أو هل فهمتم جيدا ما هي العودة التي يريدها ويتمناها وجدان الشعب الفلسطيني؟

إذا تكلم الوجدان المغيب،فإنه سيقول،نريد عودة حسب الطبيعة التي نحيا فيها ،وحسب سنن الخالق العادل،”لكل فعل ردة فعل مساو له بالمقدار ومعاكس له في الاتجاه”

نريد عودة لا تقسم الرمل إلى نصفين،ولا البحر إلى شاطئين،ولا تتشارك فيه لغة الضاد لغة أخرى،نريد عودة بنفس الحرارة التي خرج أهلنا المشردين على وقعها…بل اشد،حرارة بحجم العقود السبعة والنصف التي مضت،عودة نتصالح بها مع التاريخ ونقول له اكتب…لقد عادت أمجاد الأمة،فسيد الشهداء حمزة لم يمت،وسيف ذو الفقار ماسح خبير لا زال يلمع…

نقول للتاريخ الذي أخجلنا…لقد اردناها عودة مقدسة …وها هي تتجلى لنا بطهرها وعفافها ونقائها…لم نجعل لك أيها التاريخ فضاء لتؤنبنا بعد اليوم،فقد عدنا عودة أرادها الرحمن وتشربها الوجدان وطالب بها القلب واللسان،وناضلت وجاهدات من اجلها الأرواح والأبدان…. فكانت …. وأصبح الحلم حقيقة…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى