طرق قراءة التاريخ

د. إسلام إسماعيل أبوزيد | عضو اتحاد المؤرخين العرب
تتعدد طرق واستراتيجيات القراءة العلمية للتاريخ لما فيه من تدقيق وفحص وملاحظة واستنتاج الدروس والعبر ومنها:
1- القراءة الشاملة:
إن النظرة الجزئية لأحداث التاريخ تُنتج مواقف إزاء تلك الأحداث لا تتفق مع الواقع تمامًا، وتكون ظالمةً لأشخاص ووقائع؛ فمَن نظر إلى الدولة العباسية مِن منظور قسوة النَّشأة وتتبُّع الخصوم؛ سيحكم عليها حكمًا جائرًا، لذلك لابد من النظر إلى الأحداث والحضارات والأشخاص نظرة شاملة والاهتمام ليس فقط بالحدث ولكن أيضاً بالظروف التي نشأ فيها الحدث وكذلك الشخصيات التاريخية لابد أيضاً من دراسة ظروف نشأتها والأحداث المحيطة بها والتي شكلت فكرها وتصرفاتها وليس فقط قرراتها أو أعمالها.

2- القراءة المركزة:
يَهاب أكثرُ قُرَّاء التاريخ مِن دخول المبسوطات الضخمة “الموسوعات” التي أُلِّفت فيه كـ”البداية والنهاية” للحافظ ابن كثير، و”الكامل” لابن الأثير، و”تاريخ الرسل والأمم والملوك” لابن جرير الطبري رحمهم الله تعالى، وذلك لأمرين: ضخامة المادة وطولها؛ مما يصيب القارئ بالمَلَل. كثرة الاستطرادات التي تخرج بالقارئ عن النَّسَق العام للموضوع، بحيث ينتهي إلى تشتُّت وخلط؛ فإنَّ مِن عادة المؤرخين القدامى أنْ يُخلِّلوا سرد الحَدَث قصائد شعرية أو تراجم أو حَدَثًا تاريخيًّا آخر، وقد يعجز غير الخبير بمناهج تلك الكتب أنْ يتابع موضوعه الذي يريده. ولعلاج هذا الأمر فيحسُن بالقارئ أنْ يقرأ كتابًا على الطريقة العلمية الحديثة التي تلمُّ بالموضوع بإيجاز نسبيٍّ وترتيب منهجي دون استطراد أو تطويل.

3- فهم الفرق بين مناهج المؤرخين القدامى والمُحْدَثين:
هناك فروق مهمة في طرائق كتابة التاريخ بين المؤرخين القدامى والمُحْدَثين؛ ولابد مِن فَهْم هذه الفروق ومنها:
أ‌- الأسلوب:
المؤرخون القدامى يكتبون المادة التاريخية ويخلطونها بعاطفتهم وآهاتهم الحزينة أو عبارات الإعجاب والإشادة، وهذا منتشر جدًّا في كتاباتهم، بينما المؤرخون المُحْدَثون لا يكتبون بهذه الطريقة؛ حرصًا منهم على اتباع المنهج العلمي الخالي من العواطف المصاحبة للمادة المسرودة، ويمكن أنْ يقال إجمالاً: إنَّ أسلوب المُحْدَثين فيه جفاف ويُبس، وأسلوب القدامى فيه عاطفة ولين وجمال.
ب‌- السرد:
المؤرخون القدامى إذا سردوا المادة التاريخية المراد الحديث عنها؛ فإنهم غالبًا ما يخلطونها بغيرها، وذلك نحو التراجم -وهي سِيَر حياة الأشخاص، وهذا كثير في كتبهم-، والأبيات الشعرية الكثيرة، والاستطرادات التي يخرجون بها عن موضوعهم الذي يسردونه إلى موضوع آخر، ثم يعودون من قريب أو بعيد إلى موضوعهم الذي بدؤوا به، وهذا مُرهِق لقُرّاء التاريخ في عصرنا. بينما يُحمد للمُحْدَثين أنهم -لمراعاتهم المنهج العلمي الحديث- لا يقعون في هذا الخلط والتشتيت، وتجد كتبهم التاريخية حسنة السرد، وقوية التركيز على ما يريدون إيراده.
جـ- النقد:
إن أكثر المؤرخين المُحْدَثين يراعون مسألة النقد هذه، ولا يوردون الأساطير والمرويات شديدة الضعف، التي تَورَّط فيها بعض ضعاف قدامى المؤرخين، لكنهم قد يبالغون، فيستبعدون الوقائع الممكنة، ويَرُدُّون الأحداث التي يرون أنها لا توافق ما يعتقدونه ويذهبون إليه. أما المؤرخون القدامى؛ فكثير منهم لا ينقد الأخبار التي يوردها، ويعوِّض ذلك ما يُعرف بالتحقيق العلمي الجيد الحديث للكُتُب الذي يُنتظر منه نقد الأخبار والآثار نقدًا يعوِّض تقصير المؤرخ في نَقْدها.
4- الاطلاع على كتب التاريخ الحديث:
يمكن اعتبار الخط الزمني الفاصل بين التاريخ الحديث والتاريخ الوسيط هو الحملة الفرنسية على مصر سنة 1211هـ/ آخر القرن الثامن عشر وبداية التاسع عشر الميلادي 1799-1801م، ولابد أن يعرف المريد للتخصُّص في التاريخ الحقائق التالية حول العصر الحديث: ليس هناك كتاب تاريخ واحد جامع اشتمل على التاريخ الحديث كله، بل إنَّ أكثر أحداث التاريخ الحديث مفرقة في عدة كتب .

أسس قراءة كتب التاريخ:
هناك إرشادات عامة عندما نقرأ كتب التاريخ علينا أن ننتبه إلى:
1- لابد أن ننظر إلى أصل الرواية والتثبت منها.
2- الحذر من الميل مع رأي المؤلف.
3- الإنصاف عند القراءة، والحكم بالأدلة والمنطق لا بالأهواء والعاطفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى