رحلة إلى الجنوب اللبناني قامت بها: وفاء كمال
سحمر قاع الدم الأول ( 19)
كانت الشمس تسرج عربتها لتبدأ رحلة الصباح التالي .حيث انبعث من مئذنة القرية صوت المنادي ينعي ثلاثة عشرة شهيداً وأربعين جريحا
في الأيام التالية للمجزرة عاشت سحمر أياماً لاتنسى . وخاصة حين دعت إسرائيل بعد المجزرة إلى تشكيل الحرس الوطني.
كانت زوبا تعيش مرحلة من القلق والتأرجح .فهي وإن كانت مكتظة بالانفعال والحماس، تتحرك بحيوية متفجرة بين الناس. إلا أنها كانت دائمة القلق لأن الاتصال بمسؤليها بالمقاومة قد انقطع .
فبعد أن قرأت البيان الإسرائيلي الذي ألقته المروحيات الإسرائيلية فوق الحزام الأمني . تدعو فيه لتشكيل الحرس الوطني. أحست بخطورة الوضع فلم تجد سوى غالب لتخبره.
لم يكن لغالب أية خبرة عسكرية. وكان هياجه الثوري ممزوجاً باندفاع عاطفي. وقد استطاع (كرار) أن يفتح وعيه على خطورة الحرس الوطني، حين دعا مجموعة من الشباب وأكد لهم تعليمات القيادي حازم الذي كان يوجه العناصر من الخارج عبر رسائل سرية كانت زوبا وأحد المدرسين الفاعلين ينقلانها للمقاومين .وكانت رسالة حازم تؤكدبأن المقاومة يجب أن لاتعمل فقط على تحرير الأرض من إسرائيل. بل تعمل أيضاً على تطهيرها من الخونة. ودعا الجميع إلى التزام البيوت وعدم ترك الضيعة مهما غلا الثمن لأن إسرائيل تتحرك لإيجاد التنظيمات العميلة لتسلمها مهام الأمن في هذا الحزام.
فالحرس الوطني هو أداة عميلة، ستقوم مع الميليشيات اللحدية للحفاظ على الأمن. وقد صرح “رابين” إن إسرائيل ستزود لحد بضباط ارتباط وستساعده في حال تعرضَ لهجوم شامل
كان كلام كرار يربك غالب ويشعره بحاجة لمسؤوليه. فهو لايعرف مايفعل فحدثه كرَّار بأن حازم قدبلَّغه مع الأمين أن الجنرال الاسرائيلي (شلوموإليا) اجتمع مع وجهاء ومخاتير الشريط الحدودي في بنت جبيل وحاصبيا. وطلب من ممثلي القرى تشكيل الحرس الوطني في قراهم بحجة حمايتهم وهددهم بقطع رواتبهم إن لم يستجيبوا للأمر.
قال غالب: الخطوة التالية هي التهجير إذاً .
يريدون منا حماية لحد، أو يبقون لحمايته ..يريدون منَّا حماية مصالحم في أرضنا ياللمهزلة!!
قال كرَّار:
ـ لقد مر بنا رفاق من حاصبيا رووا لنا العجائب فحاصبيا تشهد رفضاً للدعوات الإسرائيلية. وحاصر الإسرائيليون بلدة ميمس لأن أهلها رفضوا شروطهم.
قرر كل من غالب وكرَّار الاتصال بالقيادة عن طريق أحد العاملين بالمقاومة الوطنية في “كامد اللوز ” وكان يعرف الطريق السري الذي تسلكه المقاومة . فجاء رد ذلك الرجل بأن الطريق وعر وخطر بالإضافة إلى أن السوريين يجب إعلامهم مسبقا وإلا سيصلوننا ناراً ورصاصاً، لأنهم يخشون أن نكون “كوماندوس” إسرائيلي، نظراً لقرب المسافة بينهم وبين السوريين.
اضطر كل من كرّار وغالب أن يعودا للقرية وان لايغامرا بالخروج .وقد مرا على حاجز لجيش لحد في سحمر. فاستوقفهما الحرس وطلب جنسيتيهما . وغاب قليلاً ثم عاد وقال لغالب أنت مطلوب . عاتب غالب نفسه لمروره من هذا الحاجز رغم ان الجميع كانوا يمرون منه دون أن يوقفهم أحد حيث أصبح عبور الحاجز مسموحاً بعد المجزرة . ربط الجندي يدي غالب بشريط حديدي خلف ظهره، وعصب عينيه بعصبة سوداء وقذف به بسيارة “بيجو” فيها مجموعة جنود لحديين . وكذلك فعل بكرَّار
كانت العصبة غير محكمة على عيني كرَّار إذ كان يرى من تحتها الدروب وتأكد أنهم يتجهون به وبغالب نحو راشيا (مقر الحاكم العسكري) توقفت السيارة وتقدم جندي إسرائيلي وأحكم العصبة على عيني كرَّار الذي غرق في ظلام مطلق.
فبدأت الهواجس ترتاده، لم يكن يدري إلى أين هم ذاهبون؟!. لكنه تكهَّن أنهم يتجهون بهما إلى معتقل الخيام . وحين توقفت السيارة من جديد سمعا أحد الجنود يسأل عن شمعون.. فرد الأخير اذهب بهؤلاء الملاعين إلى الجحيم الذي يستحقونه . .
يتبع …