مقطع روائي: نمسوتا

وسام محمد| مصر

فتحت عيني على الشارع المظلم بينما أستند بجبهتي على الجدار الزجاجي، أشعر بأن ظلام الليل يبتلعني وكأن ما في قلبي ليس كافياً، تنهش البرودة في جسدي عاري الصدر، أشعر بالجوع يقطع أمعائي .

أغمضت عيني مجدداً أتلذذ بكل معاناتي وأرقص طرباً من شدة الحزن، أستعد جيداً كل ليلة لاستقبال الموت أتهيأ له في أفضل صورة بشعة قد يريدها ليهديني فرحاً رصاصة الرحمة الغادرة… ولكن كل ليلة تنتهي ليأتي النهار ناشراً آماله المزعجه يتكلم عن التفاؤل وغير ذلك من تلك التَّرهات.

لكم فعلاَ أكره تلك اللحظات التي تسبق شروق الشمس، تلك اللحظات التي تريد أن تمنعني من الظلام ولكن هيهات لن أسمح لها.

“تعالي أيتها اللحظات المشرقة  سأقتلك بيدَي هاتين ” .

“لا تأتي .. أترجاكِ لا تأتي اتركي لي الظلام فهو يمثلني “.

“تعالي بكل تفاؤلك وقوتك وإشعاعك فلن تصلي لي يوماً “.

” لا تاتي بكل جبروتك أنا لا أستحق أن تطلع علي شمس يومٍ جديد”

وقفت أنظر بضياع لخيوط الضوء المنسوجه بعناية إلاهيةٍ فائقة على بساط الليل بيأس، أشعر بأني عدة أشخاص في شخص واحد، هؤلاء أنا يتجددون في نسخ بائسة مني، أقول بصراخ: ” إنه الجنون .. أريد الغرق به أكثر فأكثر، أريد الغرق لعله الموت، لعله ملاك الرحمة الذي سينتزع مني روحي بعنف يسحبها من جسدي ببرود يماثل البرودة التي تسير في أطرافي بهدوء”.

أستمع إلى رنين الهاتف المتواصل ولن أجيب له لعله يتوقف، ولكن هذا المزعج يتواصل بشكل لا ينتهي، ” لا أعلم لماذا لا أستطيع التخلص منه “.

وأجيب على ذاك السمج وأنا أغلق الستائر بشكلٍ محكم أشعر بنشوة وأنا أتغلب على الضوء قبل أن يتسلل إلي، وما إن انتهيت حتى تمددت على السرير وضغطت على زرٍ مزعج كصاحبه بجانب المنضددة ليصدح صوت في أرجاء الغرفة وهو يقول:

” مرحباً سامر ” .

لأجيب بتأفف : ” لا مرحباً بك ” .

ولكنه كالعاده لم يُبالِ وسأل : ” هل تناولت طعامك “.

قبل أن أجيب أجابت معدتي بأصوات سمعها هو بوضوح ولكن عاندتها:

” لا ، ولا أريد واتركني شادي لأنام” .

باعتياد أجابني:

 ” سآتي إليك غداً لنحتفل بأول السنة أو لنقل بداية القرن الجديد ” .

 – ” وما الداعي للاحتفال بيوم جديد، أعدك أن أحتفل معك عندما يزورني الموت …” .

أنهيتُ الجملة وتخافت صوتي شيئاً فشيئاً أغطُ في نومٍ عميق وأهمس:” ما الجديد في عام 2200 لأسمع أصوات الاحتفالات منذ أسبوع، تباً لكم جميعاً “.

وفي مكانٍ آخر قال شادي بأسى وهو يضغط على ساعة يده ينهي المكالمة التي عن بعد:

“لقد نام ” .

بينما يستقبل لحظات الصباح الأولى وهو يفكر ما العمل وكيف سيخرجه من تلك الحالة التي تلازمه منذ سنتين، ومع كل هذا التقدم التكنولوجي والعلمي الذي يشعر معه الجميع أنه سيصل إلى عنان السماء لم يستطع أحد الوصول إلى داخل عقله ومداواته.

فآخر مرة أخبرني الطبيب أنه يعاني من اضطرابات شديدة بمراكزه العصبية التي لم تتحمل ما حدث وقررت حمايته، وعلى عكس جميع الحالات فإن المراكز الحسية لم يمسسها شئ كأنه يريد أن ينسى كل شئ ولا يتذكر سوى الألم، بالتحديد ” هو يعاقب نفسه !! “.

ليزفر بيأس كاد أن يبتلعه لولا أنه يجب أن يتماسك إلى اليوم الذي سيعود فيه لطبيعته ويتقبل ما مر به ويومها سيقتله لا محاله .

وهمَّ شادي بهدوء ليشتري ما يلزم وينال قسطاً من الراحة قبل ملاقاة رفيق طفولته الغارق في الظُلمات دون حتى أن يدري هو ما سببها.

يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى