حين يسقط المطر
خالد رمضان | تربوي مصري – صلالة – سلطنة عُمان
تَجدبُ الأرض، ويتشققُ طينُها من شدّة يبوستها، وصلابتها، حتى تكاد تضع إحدى يديك في فتحاتها، فتصبح متحجرةً صُلبةً لا تنبتُ زرعًا، ولا تُحيي أملاً، فتموتُ كلُّ مظاهرِ الحياةِ، فلا وجودَ لانسانٍ أو حيوانٍ، ويخيم القحطُ على كل الوجوه والأسطحِ، وتلفظُ كلّ مظاهر الحياة أنفاسها الأخيرة، وفي هذا الظلام الدامس ينزلُ الغيثُ الإلهيُّ، فيحي الله أرضا بعد موتها، ويلملم أشلاءها بعد شتاتها، فتنبت بذور الحياة، ويكسو لونُ الخضرة صفار الأرض وهذالَها، وعجفها وضعفها، وتنهمر حباتُ المطر على تلك الأرض الملتهبةِ فتُخمدُ نيرانُ الصدى، وتسمع للهيبها طشيشًا، وتحيا بعد موتها بإذن ربها فتقرُّ الأعينُ بتلك البهجة التي غمرت أرض البور والجفاف، وتشرق الشمس على أرض غير التي أشرقت عليها من قبل.
حين يسقط المطر…
تتبدلُ الأجواءُ، وتتساقطُ حباتُ المطر العالقةُ في الفضاء، فيصفو الهواء بعد التكدير، ويعبّ الناس من الماء النمير، وتزول أيام الشقاء والعناء، وتحل محلها أيامُ السعادة والهناء، فدوام الحال من المحال.
حين يسقط المطر…
لا حياةَ بلا مطر، ولا مطر بلا حياة، فحبة المطر هي الحياة.. حين يقرر الإنسانُ محوَ ٱثارِ ماضيه القديم التالف البالي فقراره هذا يشبه قطراتِ السماء التي تذيب العجاجَ المتراكمَ فوق رؤوسنا، فتتركه نقيًّا صافيا يُقبل الحياة بروح جديدة، وكأنه ولد من جديد.
لقد تراكمت بداخلنا ذرات التراب من البغض والحسد، والحقد، والغيرة، والعداوة، وهذي التراكمات لا تكفيها قطراتُ السماء، ولا حبات البَرَدِ، بل قد تحتاج سيلاً عارمًا، وطوفانًا كطوفانِ نوحٍ عليه السلامُ كي تمحوَ تلك التراكماتِ المتلاصقةَ، وتغرسَ مكانها بذور الحب والوفاء، فنقبل على الحياةِ كيوم ولدتنا أمهاتنا أصفياءَ أنقياءَ بلا حقدٍ ولا حسدٍ ولا عداء؛ أما النفوس الخبيثةُ التي أخفت قلوبَها أكوامُ العداوة والبغضاء، ونمت وترعرعت بداخلها أشجارُ الضغينةِ والشحناء فلن تنفعَها تلك القطرات الصغيرةُ ، بل أمرها لله إن شاء هداها، وإن شاء تركها لغيّها وهواها.
حين يسقط المطر…
ولابد للمطر أن يسقط، ولابد للشجر أن يثمر، ولابد للحق أن يظهر، فمهما ادلهمت الخطوبُ، وعمّت الرذائلُ والذنوبُ، فلا تيأس فإن فرجَ الله قريبُ. لا شكَّ أن الليل سينقضي، وأن الضال -بإذن ربه- سيهتدي، فقط عليك ألاّ تترك نوافذك مفتوحةً فتدخل منها أتربةُ المفاسدِ حتى تصل إلى قلبك النظيف فتتركه ملوّثًا عُرضةً لما يقضي عليه ويرديه.
حين يسقط المطر…
سيزول الشرّ، وتسكن النفس، وتهدأ الضلوع، وتغمر قطراتُ الحب والألفة كل أرجاء المعمورة.
فلا حزن يدوم ولا غرور
ولا بؤسٌ عليك ولا شقاءُ
يقول الشاعر:
إذا ما كنت ذا قلبٍ قنوعٍ
فأنت ومالك الدنيا سواءُ
وشكرا وجزاكم الله خيرا.