القوميون المتطرفون يشرعون بضم إسرائيل للضفة الغربية!
بقلم: شاؤول أرئيلي | «هآرتس»
رسالة حاخامات الصهيونية الدينية المتطرفة – المسيحانية، التي دعوا فيها الى «فعل كل شيء من اجل منع تشكيل الحكومة»، وتوجيهات رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، لوزراء «الليكود» بمهاجمة وسائل الاعلام «المتعاونة مع اليسار»، تضاف الى احداث «الارهاب» الاخيرة في إسرائيل بين اليهود والعرب. كل ذلك هو تعبير عن عملية بدأت قبل عقد تقريبا، والتي يريد فيها المجهولون المسيحانيون، في ظل حكم نتنياهو المهدد، قلب النظام الديمقراطي في إسرائيل رأساً على عقب من أجل السماح بتوسيع حدودها. حسب فهمهم لن يكون بالإمكان ضم الضفة الغربية طالما أن إسرائيل تطبق نظاما ديمقراطيا يحتفظ فيه الفلسطينيون بالمواطنة الإسرائيلية.
هم يركزون الجهود على محاولات لمحو الخط الاخضر في كل المجالات – مجال الوعي، والمجال الاجتماعي والقانوني – وتحويل كل «ارض إسرائيل» الى ساحة للنضال ضد الفلسطينيين، وتحويل الحكم العسكري الموجود في مناطق الضفة الى حكم فعلي لكل الدولة، فيه يكون بالامكان دفع الفلسطينيين الى ما وراء نهر الأردن. بكلمات اخرى، في العقد الاخير اليهود الإسرائيليون، الذين يجتازون الخط الاخضر غربا نحو إسرائيل، يفعلون ذلك للمرة الاولى ليس من اجل العودة الى دولتهم السيادية، بل من اجل احتلالها وتحويلها الى نظام يهودي.
في كتاب «هذيان الضم»، 2020، يصف حاغي آرليخ المحاولات الفاشلة التي قامت بها على مدى التاريخ دول المنطقة لتضم اليها دولا ومناطق تحت شعارات وافكار لا تتساوق مع الواقع السياسي، الديمغرافي والمكاني: محاولة مصر لضم السودان تحت شعار «وحدة وادي النيل» (في القرن التاسع عشر)؛ ومحاولة المسيحيين في لبنان ضم مناطق اسلامية تحت شعار «لبنان الكبرى»، ووهم الفلسطينيين في اقامة دولة عربية من البحر الى النهر.
هكذا ايضا بخصوص هذيان «ارض إسرائيل الكاملة». بعد اعادة شبه جزيرة سيناء لمصر في اتفاق السلام في 1979، واخلاء قطاع غزة وشمال السامرة في خطة الانفصال في 2005، بقيت إسرائيل مع حلم ضم الضفة الغربية (وهضبة الجولان). ولكن سياسيا، ديمغرافيا ومكانيا، فشلت إسرائيل مثل الدول العربية المذكورة اعلاه: معظم دول العالم تعترف بفلسطين كدولة مراقبة في الأمم المتحدة وفي مؤسساتها، ولن يسمح أي نظام أميركي بعمليات ضم في الضفة. النسبة الديمغرافية في الضفة بين اليهود والفلسطينيين هي 14: 86، والنسبة المكانية هي 2: 98 لصالح الفلسطينيين. رغم الزيادة السنوية الثابتة في العقود الاخيرة التي تبلغ 14 ألف نسمة في اوساط الإسرائيليين في الضفة، إلا أن التوجهات متعددة السنوات تشير الى تراجع مشروع الاستيطان (الذي يوجد، الآن، على شفا ميزان هجرة سلبية)، وتشير الى تغير في التركيبة السكانية (40% اصوليون) والى تراجع مستمر في التصنيف الاجتماعي – الاقتصادي (ثلث السكان يتم تصنيفهم في العنقود رقم 1).
بناء على ذلك، منذ حوالي عقد، تحت أجنحة نتنياهو كرئيس للحكومة، يقود نفتالي بينيت واييلت شكيد وبتسلئيل سموتريتش، وغيرهم توجها معاكسا، ضم إسرائيل للضفة الغربية. هذا غير مفاجئ. لأنه في العام 1988 كتب بوعز عبرون في كتابه «الحساب القومي» بأن المستوطنين لا يسعون الى الاندماج داخل السكان الفلسطينيين في «المناطق»؛ و»هدفهم الحقيقي ليس استعباد العرب، بل طردهم. هكذا فإن نجاحهم (في ضم المناطق) لن يؤدي الى أي اختلاط سكاني». والاكثر أهمية، أضاف عبرون، «كما اتضح (من حالات اخرى)… تعمل مجموعات السيطرة هذه جنبا الى جنب مع القوى الرجعية والدوائر العسكرية داخل «الوطن الأم» وتحاول القيام بانقلابات عسكرية وانشاء انظمة فاشية ورجعية في الوطن الأم… النتائج بالتالي يمكن أن تكون شرخا وطنيا، ديكتاتورية أو حربا اهلية وخرابا في الارض الأم».
من اجل تدمير الديمقراطية الإسرائيلية قام القوميون المتطرفون – المسيحانيون بوضع عدد من الأهداف. الهدف الاول هو المحكمة العليا، التي مهمتها تقييد التعسف السلطوي – على اساس قوانين الدولة الديمقراطية – الليبرالية وبروح وثيقة الاستقلال، مع احترام القانون الدولي، وخلال ذلك رفض النزوات المسيحانية ومنع المس بالاقليات. تتفاخر شكيد بأنها قادت مبادرة المس بصلاحية المحكمة العليا بذريعة «يبدو أنه في السنوات الاخيرة لم يكن صنع القرار في اجهزة الحكم في أيدي الشعب وممثليه المنتخبين في الكنيست، بل في يد النظام القانوني (مؤتمر المحامين في أيار 2015).
الاساس القانوني لعملية الضم المعاكس بني بقوانين غير ديمقراطية، على رأسها قانون التسوية (الذي تم الغاؤه) وقانون القومية وفقرة الاستقواء وقانون «الاستيطان الشاب» وغيرها. كل ذلك استهدف ضمان أنه في كل ارجاء «ارض إسرائيل» ستعطى اولوية مطلقة للاستيطان اليهودي (حسب بيانات حركة «السلام الآن» فإن 99.76% من اراضي الدولة التي خصصت للاستيطان في الضفة الغربية تم تخصيصها لليهود)، وسيكون بالامكان مصادرة اراض فلسطينية خاصة لغرض بناء مستوطنات لليهود (منذ قيام الدولة اقامت إسرائيل 930 بلدة لليهود في «ارض إسرائيل» ولم تقم أي بلدة للعرب)، وشرعنة عشرات البؤر الاستيطانية غير القانونية.
الهدف الثاني هو أنظمة التعليم. بينيت وشكيد وسموتريتش يعرفون أن مواقف الشباب السياسية ستؤثر على النظام السياسي وعلى الطابع والنظام في إسرائيل في السنوات القادمة. هم يريدون أن يطبقوا على كل الاولاد تعليما يهوديا (دينيا – مسيحانيا) وصهيونيا (قوميا متطرفا). وهذا يشمل «حب الوطن» الذي يقتضي ضم الضفة، واستمرار السيطرة على شعب آخر وانعزال دولي الى أن «نعود العالم». هذا عالم تعليمي بسببه كتب يشعياهو لايفوفيتش التحذير الشديد التالي: «عندما يوافق شخص على فكرة أن «الدولة»، «الأمة»، «الوطن»، «الأمن» وغيرها، هي القيم العليا، والاخلاص دون شرط لهذه القيم هو واجب مطلق ومقدس، يكون قادرا على تنفيذ كل حركة من اجل هذه المصلحة المقدسة، دون تأنيب الضمير».
إن السعي نحو هذا الهدف يتمثل بتخصيص الموارد للتعليم الديني – القومي المتطرف – المسيحاني. وكما نذكر، كتب سموتريتش في 2011 في مقال بعنوان «نستحق اكثر» في مجلة «بشيفع»: «يجدر بالدولة أن تستثمر ميزانيات اكبر في تعليم الصهيونية الدينية. لماذا؟ لأنه القيت على ابنائها مهمة قيادة شعب إسرائيل». تعهد سموتريتش قبل الانتخابات الاخيرة بأنه اذا أصبح عضواً في الحكومة التي ستشكل فإنه سينفذ اصلاحات واسعة في التعليم، وأعلن عن تخفيض بنسبة 30 – 50% لرسوم التعليم في المدارس الدينية الثانوية وفي المعاهد.
ايضا جدعون ساعر وشاي بيرون كانا شريكين في تخصيص الموارد للتعليم الديني – القومي المتطرف – المسيحاني. حسب معطيات وزارة التعليم، فإنه في الاعوام 2012 – 2016 زادت الوزارة ميزانية طلاب المرحلة الثانوية الدينية بالنسبة الاعلى مقارنة مع القطاعات الاخرى، وبلغت الميزانية ذروة 33 ألف شيكل للطالب في السنة. هذا المبلغ اعلى 22% من الميزانيات المخصصة لطلاب المرحلة الثانوية الحكومية، واعلى 67% من الميزانيات المخصصة للطلاب العرب في المرحلة الثانوية.
الهدف الثالث: قال بينيت، إنه من اجل «ارض إسرائيل الكاملة» (أي ضم «المناطق») يجب تغيير شعب إسرائيل ودولة إسرائيل. هو واصدقاؤه يركزون على «الاستيطان في قلوب» الإسرائيليين الذين يعيشون داخل الخط الاخضر. حافلات اليهود الذين يثيرون الشغب، الذين جاؤوا الى المدن المختلطة من المستوطنات، سبقتها الانوية التوراتية. امنون باري (مبادرات ابراهيم) كتب عن ذلك في منشور في الفيسبوك في الشهر الماضي: «في العنف بين العرب واليهود في الاسبوع الماضي، كانت الانوية الفصائل الطلائعية التي مهدت الطريق، وقامت باعداد البنية التحتية واللوجستية لكتائب مستوطنين وكهانيين من اجل أن يقتحموا بشكل منظم المدن من اجل المس بالعرب. هذا شاهدناه في هذا الاسبوع، لا سيما في اللد، ولكن ايضا في يافا والرملة وعكا… في السنوات الثلاث الاخيرة حول فقط للانوية الرائدة دعم حكومي بمبلغ 20.5 مليون شيكل… تحقيق معمق لمنظمة «مولاد» من العام 2014 يظهر أنه فقط في تلك السنة حصلت 68 نواة استيطانية وتوراتية على دعم بمبلغ 24 مليون شيكل. ومنذ ذلك الحين ازداد دعمهم اكثر.
الهدف الرابع هو وسائل الاعلام. فهي لم تتمكن من تجنب قبضات نتنياهو وشركائه وابواقهم. بعد أن بقي عدد من وسائل الاعلام غير خاضع لفسادهم ونفوذهم، «تم تعيين» يئير نتنياهو ليرسم اهدافا على ظهور مراسلين مستقلين لا يسيرون في تلم الاستخذاء، والتضليل، والحيونة والوطنية المصطنعة وما شابه. وقد رافق ذلك في الاحداث الاخيرة عدد لا يحصى من التهديدات ومحاولة المس برجال اعلام ارادوا الابلاغ عن تشكيل تنظيمات عنيفة لعصابات يهود خططوا للمس بالعرب.
هذه الخطوات في النهاية ستقود الى اقامة دولة ذات نظام يهودي، لها خصائص توجد، الآن، في مناطق الضفة الغربية، أو في الحالة الاقل سوءا، على شكل نموذج للقدس الموحدة الاصولية القومية المتطرفة ذات الاغلبية غير الصهيونية، الفقيرة، المليئة بالعصابات العنيفة، والتي تعاني من مصادمات قومية وتطبق نظاما مميزا تجاه سكانها غير اليهود، الذين سيتحولون خلال سنوات معدودة الى اغلبية.
هذه التوجهات تدفع السياسيين، الذين ينظرون للعالم كساحة يسيطر فيها وعي «الشعب المختار» ومنطق «اللعبة التي مجموعها صفر»، هذه مسيرة حكومية غير ديمقراطية، تقول: اذا لم تقنع فعليك أن تسكت وتخرج خارج القانون. على من يهمهم مستقبل المشروع الصهيوني الادراك بأن الخط الاخضر قد تم اقتحامه، مرة اخرى، لكن في هذه المرة نحو الغرب. الصراع لم يعد على مستقبل المستوطنات، بل على مستقبل دولة إسرائيل وطابعها ونظامها.