الفلاح في الكتاب والسنة

ماجد الدجاني | فلسطين

الفلاح بحث فى أصل الكلمة

المعنى الأول: الفلاح، يعني: السعادة، قد أفلح: قد سعد. فذلك قوله: {قد أفلح المؤمنون} [المؤمنون: 1]. يعني: قد سعد. وقال في: سبح اسم ربك الأعلى: {قد أفلح من تزكى} [الأعلى: 14]. يعني: سعد.

المعنى الثاني: الفلاح، يعني: الفوز. فذلك قوله في يونس: {إنه لا يفلح المجرمون} [17]. يقول: لا يفوزون في الآخرة. وقال في يوسف: {إنه لا يفلح الظالمون} [23]. يعني: لا يفوزون. ونحوه كثير.

الفَلَح والفَلاحُ: الفوز والنجاة والبقاء في النعيم والخير؛ وفي حديث أَبي الدَّحْداحِ: بَشَّرَك الله بخير وفَلَحٍ أَي بَقاءٍ وفَوْز، وهو مقصور من الفلاح، وفَلاحُ الدهر: بقاؤُه، يقال: لا أَفعل ذلك فَلاحَ الدهر؛ وقول الشاعر: ولكن ليس في الدنيا فَلاحُ

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )130

“وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” 104

(يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون)

صفات المفلحين: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ

(المفلحون) في القرآن الكريم :

وردت عبارة هم المفلحون في القرآن الكريم 12 مرّة في الآيات التالية :

– أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {5} البقرة .

– وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {104} آل عمران .

– وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {8} الأعراف .

– الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {157} الأعراف .

– لَـكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {88} التوبة .

– فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {102} المؤمنون .

– إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{51} النور .

– فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {38} الروم .

– أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {5} لقمان

– لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {22} المجادلة .

– وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {9} الحشر .

– فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {16} التغابن

فمن تبع الرسول فهو من المفلحين، ومن عصاه كان من الخاسرين ﴿ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف: 157] صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

وفي آية أخرى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الحج: 77] والخير كلمة جامعة لكل عمل صالح. وقال سبحانه ﴿قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ﴾ [المؤمنون: 1] ثم ذكر سبحانه جملة من صفاتهم التي بسببها أفلحوا، وكل صفة من هذه الصفات سبب للفلاح، وهي: الخشوع في الصلاة والمحافظة عليها، والإعراض عن اللغو، وأداء الزكاة، وحفظ الفروج، وأداء الأمانات، والوفاء بالعهود. ومن دلائل فلاحهم قول الله تعالى بعد ذكر أوصافهم وأعمالهم ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [المؤمنون: 10- 11].

والتوبة طريق الفلاح؛ فعلى المؤمن أن يلزمها اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يتوب إلى الله تعالى في اليوم مئة مرة ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [النور: 31].

والشهادتان هما كلمة الفلاح؛ لأنه يُدخل بهما في الإسلام، وقد أسر المسلمون رجلا من بني عقيل، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: إِنِّي مُسْلِمٌ، فقَالَ عليه الصلاة والسلام: «لَوْ قُلْتَهَا وَأَنْتَ تَمْلِكُ أَمْرَكَ أَفْلَحْتَ كُلَّ الْفَلَاحِ» رواه مسلم. فجعل الفلاح كله في الإسلام. وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدور فِي أسواق المشركين وَهُوَ يَقُولُ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تُفْلِحُوا﴾

وفي آية قرآنية جمع الله تعالى الإيمان والعمل الصالح لحصول الفلاح ﴿ فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ المُفْلِحِينَ﴾.

والتقوى تجمع الإيمان والعمل ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: 189] وجاء الأمر بالتقوى لنيل الفلاح في القرآن أربع مرات.

وصلاح القلب، وتزكية النفس لا تكون إلا بالأعمال الصالحة، وذلك سبب للفلاح ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى﴾ [الأعلى: 14] وفي الآية الأخرى ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا﴾ [الشمس: 9].

والتزام الحسبة على الناس طريق إلى الفلاح (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104]

والجهاد في سبيل الله تعالى بالنفس أو المال يوصل إلى الفلاح ﴿ لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ [التوبة: 88].

وذِكْرُ الله تعالى سبب للفلاح ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الأنفال: 45] وذكره نعمه لشكرها أيضا سبب للفلاح كما قال هود عليه السلام لقومه ﴿فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف: 69].

والتحاكم إلى شريعة الله تعالى، وطاعته سبحانه وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم سبب للفلاح ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ [النور: 51].

وأداء الحقوق إلى أهلها، مَنْ بَعُدَ منهم ومن قَرُبَ يحقق الفلاح ﴿ فَآَتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ وَالمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ [الرُّوم: 38].

وموالاة أولياء الله تعالى، ومعاداة أعدائه، وبناء الولاء والبراء على منهاج النبوة ينظم صاحبه في جماعة المؤمنين، وهم حزب الله تعالى، وهم المفلحون ﴿ أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ المُفْلِحُونَ ﴾ [المجادلة: 22]

وإيثار الغير على النفس، والتخلص من شح النفس سبب للفلاح ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: 9] وفي الآية الأخرى ﴿ وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ [التغابن: 16].

والتزام فرائض الله تعالى، وعدم بخس شيء منها سبب للفلاح، وذلك أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علَّم أعرابياً شَرَائِعَ الإِسْلاَمِ، فقَالَ الأعرابي: وَالَّذِي أَكْرَمَكَ، لاَ أَتَطَوَّعُ شَيْئًا، وَلاَ أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ» متفق عليه.

وكف اليد في الفتن سبب للفلاح؛ لأن أمر الدماء عظيم عند الله تعالى؛ كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، أَفْلَحَ مَنْ كَفَّ يَدَهُ» رواه أبو داود. ولما ثارت الفتنة في العهد الأموي، واشرأبت لها أعناق الناس كان ممن بقي من الصحابة: الْعَدَّاءُ بْنُ خَالِدٍ الْكِلَابِيُّ رضي الله عنه وكان شيخا كبيرا، فشاوروه للخروج فقَالَ: إِنْ تَقْعُدُوا تُفْلِحُوا وَتَرْشُدُوا، إِنْ تَقْعُدُوا تُفْلِحُوا وَتَرْشُدُوا، إِنْ تَقْعُدُوا تُفْلِحُوا وَتَرْشُدُوا، ثم ساق

والقناعة سبب للفلاح؛ لأنها تمنع صاحبها من الوقوع في الظلم، والتطاول على الأموال المحرمة، والهلاكُ بسبب ذلك كثير في الناس. قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللهُ بِمَا آتَاهُ» رواه مسلم.

واجتناب المحرمات ولو هَوِيَتْهَا النفوس طريق إلى الفلاح ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: 90].

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: 35].

ثمة أعمال خبيثة تنفي الفلاح عن فاعليها، وصفات تمنع أصحابها من الفلاح، ورأس ذلك الظلم، وأعظم الظلم الشرك ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الأنعام: 21] وفي آية أخرى ﴿ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [يونس: 17].

وكذلك ظلم البشر بالاعتداء على دمائهم أو أعراضهم أو أموالهم سبب لنفي الفلاح كما قال يوسف عليه السلام لما راودته امرأة العزيز ﴿ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ﴾ [يوسف: 23]

والكذب على الله تعالى بتحليل المحرمات، أو تحريم المباحات، أو إسقاط الواجبات، أو تبديل الشريعة؛ لهوى النفس أو لإرضاء الغير سبب كبير لنفي الفلاح ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴾ [النحل: 116].

وجاء في القرآن نفي الفلاح عن السحرة ﴿ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ﴾ [طه: 69] وجاء في السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً» رواه البخاري.

وكلما ثقلت الموازين بالعمل الصالح، وخفت من العمل السيئ تأكد حصول الفلاح، وكان فلاحا كثيرا بأعظم مما في الموازين من صالح العمل ﴿ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ ﴾ [المؤمنون: 102]

ومثله قارون ﴿ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾ [القصص: 82].

تكرر لفظ ( أفلح ) في القرآن الكريم ماضياً ومضارعاً ، واسم فاعل أربعين مرة ،

وتكرر بلفظ ( أفلح ) أربع مرات وهي ـ ما عدا الآية السابقة ـ قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) [7] وقوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) [8] وقوله تعالى: (وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى) [9] .

وورد لفظ (تفلحوا) بمعنى السعادة في الدنيا والاخرة حيث قال الفتية المسلمة : (إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً) [11] أي لن تظفروا في الدنيا حيث يقتلوكم ، ولن تظفروا في الآخرة إذا عدتم إلى دينهم .

ولفظ (تفلحون) احدى عشرة مرة أريد به الظفر والسعادة في الدنيا والآخرة

واستعمل القرآن الكريم عدم الفلاح للظالمين أربع مرات فقال فيها بعد حوادث وأحكام: (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [18] ، فمثلاً جاء هذا التعقيب بعد الافتراء على الله ، وتكذيب آياته في الآية 21 من سورة الأنعام ، وبعد تكذيب الرسل وأن عاقبة الدار لا تكون للظالمين في الآية 135 من سورة الأنعام أيضاً ، وتكرر مثل ذلك في الآية 27 من سورة القصص ، وبعد واجب شكر النعم والوفاء وعدم الخيانة في الآية 23 من سورة يوسف .

واستعمله مع المجرمين مرة واحدة فقال تعالى : ( إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ) [19] ومع الساحر أيضاً مرتين فقال تعالى : ( وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ) [20] وقال تعالى: (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ ) [21] ومع الكافرين مرتين فقال تعالى:( لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) [22]وكذلك في الآية 82 من سورة القصص .

وأثبت عدم الفلاح للمفترين على الله مرتين فقال تعالى : ( قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ ) [23] وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ) [24] .

في حين أثبت القرآن الكريم الفلاح بصيغة (المفلحون) لمن يأتي :

– لمن ثقلت موازينه ، مرتين في الآية 8 من سورة الأعراف،والآية 102 من سورة المؤمنون .

– لمن يوق شحّ نفسه ، مرتين الآية 9 من سورة الحشر ، والاية 16 من سورة التغابن .

– لمن آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلام واتى الزكاة ، مرتين في الآية 5 من سورة البقرة ، والآية 5 من سورة لقمان .

– لمن يدعو إلى الخير ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، في الآية 104من سورة آل عمران

– لمن يتبع النور الذي انزل مع الرسول ، في الآية 157 من اسورة الأعراف

– لمن يقول : سمعنا وأطعنا ، في الآية 51 من سورة النور

– لمن يريد وجه الله ، في الآية 28 من سورة الروم

– لمن هو من حزب الله ، في الآية 22 من سورة المجادلة

– لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ، في الآية 67 من سورة القصص

– لمن انتشر في الأرض لأجل اكتساب الرزق ، في الآية 10 من سورة الجمعة

وإذا أضفنا إلى هؤلاء الآيات العشر، الآيات الثلاث (ما عدا آية 64 من سورة طه) السابقة التي عبر عنها القرآن الكريم بلفظ (قد أفلح …) فتكون أسباب الفلاح في القرآن الكريم ثلاثة عشر سبباً .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى