قراءة في قصيدة محيي الدين ابن عربي: أسبح الله بأسمائه
دنيا الحسني | العراق
العمل الفني بريشة الفنان إياد الموسوي
(أسبح الله بأسمائه،، من كل مذموم ومحمود)
يقول ابن عربي: (أسبح الله بأسمائه) وكلمة أسبح تعنى أن تسبح بخيالك وأفكارك في عظمة الله وملكوت الله وصنع الله تعالى وخلقه؛ بأسمائه وهي أسماء الله الحسنى التي ذكرها للأنس والجن جميعا في كتابه العظيم القرآن الكريم. (من كل مذموم ومحمود)؛ أي نسبح الله – عز وجل – وندعوه بأسمائه في القرآن الكريم من كل مذموم؛ والذم نقيض المدح وهو الصفات والأفعال المكروهة والمعيبة من المعاصي، ندعو الله بأسمائه أن يبعدنا عنها وأن يحفظنا من الوقوع في فعلها؛ وكلمة محمود؛ هي الصفات والأفعال الحميدة المشكورة ندعو الله بأسمائه أن يقربنا منها.
(إن نطقت بحمده ألسن،، فبين مفقود وموجود)
ثم يقول ابن عربي: (إن نطقت بحمده ألسن)؛ أي حين تنطق والنطق هو الكلام بحمده، أي بحمد الله ألسن الناس ما بين مفقود وموجود، فبين ألسن الناس، ماهو مفقود عن حمد الله لا يحمده تعالى، ومنها من هذه الألسن ماهو موجود يحمد الله تعالى.
(فحامد يجري بإطلاقه،، وحامد يجري بتقييد)
ثم يقول ابن عربي: (فحامد يجري بإطلاقه)؛ هنا يقصد ابن عربي إن هناك من الناس من هو حظة كبير من حوائج وأمور الدنيا لذلك هو يحمد الله تعالى بإطلاقه، أي باستمرار على الأمور الدنيوية التي تأتيه بكثرة، ويستمتع بها فهو يركز في حمده على الأمور الدنيوية فقط.
(وحامد يجري بتقييد) اي أن هناك من الناس من هو حظه محدود من حوائج وأمور الدنيا، لذلك هو يحمد الله تعالى بتقييد أي مقيد بما يأتيه من الحوائج والأمور الدنيوية كلما أتته حمد الله تعالى عليها وإن لم يحصل عليها نسى حمده لله فهو مقيد بها ايضا، وهكذا يركز في حمده على الأمور الدنيوية فقط.
(وكلهم في حمده محسن ،، وإن أتوا فيه بتحديد)
ثم يقول ابن عربي: (وكلهم في حمده محسن)؛ أي أنهم جميعا يحمدون الله تعالى بطريقه حلوة وجميلة.
(وإن أتوا فيه بتحديد) وهنا كلمة فيه تعود على الحمد أي أنهم حددوا الشيء الذي يحمدون الله عليه، وهو الحوائج والأمور الدنيوية كالمال والاولاد والعمل والصحة والمنصب والجاه وغير ذلك من أمور الدنيا التي لا يهتمون الا بها ولا يفكرون الا فيها.
(وليس في الوسع سوى مابدا ،، فإنه جمع بتبديد)
ثم يقول ابن عربي:(وليس في الوسع سوى مابدا) أي أنهم ليس في وسعهم ولا يعلمون ولا يعرفون طريقه يحمدون الله تعالى بها سوى هذه الطريقة، التي بدت أو ظهرت لهم وهي الحمد على الحوائج والأمور الدنيوية من مكاسب ومصالح دنيوية ماديه فانيه التي يستمتعون بها في الدنيا التي اطمئنوا لها كأنهم مخلدون فيها. ونسوا وتركوا الأمور الروحانية والتي هي في الحقيقة هي الباقية ولا تفنى لا يحمدون الله تعالى عليها وذلك لانها أمور غيبية لا تظهر لهم كالجنة التي أعدها الله تعالى والتي تكفي الناس جميعا، أن كانوا جميعا صالحين.
(فإنه جمع بتبديد) أي أنهم جمعوا حمدهم كله على الأمور والمصالح والمكاسب الدنيوية الظاهرة لهم فمن أجل هذه الأمور فقط يتذكرون خالقهم ويحمدوه من أجل أنفسهم ليس حبا وتقربا لله تعالى.
(لو كان في الوسع لقنا به،، ولم نقل فيه بتجريد)
ثم يقول ابن عربي:(لو كان في الوسع لقنا به)؛ أي لو كان في وسعنا أومقدورنا أو طاقتنا، لبقينا نحمده و تكلمنا به وهي تعود على الحمد.
(ولم نقل فيه بتجريد)؛ أي لم نقل فيه كلام مجرد من مفهوم الحمد الحقيقي، ولم نقل كلام قليل، بل سنقول الكثير والكثير علينا أن نحمد الله تعالى أولا على خلقه لنا وتكريمه لنا بإن نفخ فينا من روحه وهذا أعظم تكريم لنا، عن باقي المخلوقات وسخر لنا الكون وباقي المخلوقات للعمل من أجلنا الحمد لله والشكر لله رب العالمين.
(والله إني عابدٌ للهوى ،، ليس له فأين توحيدي)
ثم يقول ابن عربي: (والله إني عابد للهوى)؛ هنا يريد أن يقول للذين يعبدون الله ويحمدونه على ما يحصلون عليه من الامور الدنيوية المادية فقط، يقسم لهم أنه عابد للهوى، وهو يقصد أنه يهوى حب الله وعبادته وهذا المعنى سيتضح لنا في البيت القادم.
(ليس له فأين توحيدي)؛ هنا يوضح لمن يسيئون الظن به بأنه ليس موحد لله وليس عابدا يهوى الله الذين ظنهم به ، بل هو عابدا يهوى الله تعالى ويحبه ويعبده و يوحده .
(حكم الهوى صيرني عابدا ،، لربه فذاك معبودي)
ثم يقول ابن عربي : ( حكم الهوى صيرني عابدا)؛ أي أنه من كثرة هواه لحب الله تعالى تغلب عليه هواه وحكم عليه وجعله يصير عابدا.
(لربه فذاك معبودي)؛ أي أنه يعبد رب هذا الهوى وهو الله تعالى، والهوى هو حب الله وعبادته، ويقول ابن عربي إنه عبدا يهوى الله تعالى ويحبه وهذا الهوى هو الذي جعله عبدا محبا وصادقا ومخلصا لله ويوضح إنه موحدا لله لا يعبد ولا يهوى غيره.
(إني لما جئت به منصف،، لست كمن قد ضل في البيد)
ثم يقول ابن عربي: (إني لما جئت به منصف)؛ أي عندما جاء وتكلم عن هواه في حب الله وعبادته وحمده لله بهذه الطريقة كان منصفا في إظهار الطريقة الصحيحة في عبادة الله وحمده.
(لست كمن قد ضل في البيد)؛ أي أنه ليس كمن ضل الطريق في الصحراء فالعبادة الصحيحة لله هي أن تعبده بحب تحبه وتهواه وتعبده كأنك تراه وتحمده أولا على أن خلقك بشر من أولاد آدم وكرمك ونفخ فيك من روحه وسخر لك الكون وجميع مخلوقاته.
(ولم أقل عجل لنا قطنا ،، سخرية يا خير مشهود)
هنا ابن عربي يقول: أنه لم يقول أو يطلب من الله تعالى العجلة في أن يجعل من كلامه مكانا يقطنهُ الناس ليتعلموا ويعرفوا منه الحقائق، التي أخفيت عليهم وذلك لأنهم يسخرون ويستهزئون بكلامه.
(يا خير مشهود)؛ وهنا يشهد الله سبحانة وتعالى عليهم وعلى سخريتهم واستهزائهم بكلامه.
(لابد من يوم لنا جامعٍ ،، مابين منحوس ومسعود)
ثم يقول ابن عربي: (لابد من يوم لنا جامع )؛ وهنا يقصد يوم القيامة يوم الحساب الذي سيجمعنا وسيحاسب الله عز وجل فيه العباد جميعا على أعمالهم وأفعالهم، السعداء ذوو نور والاشقياء والضالون ذوو عمي وظُلمة سواء في ذلك إمامهم. فالمقربون هم الذين سبقوا جميع القوافل وفازوا بقصب السبق عليهم بالقرب منه فالحمد والشكر لله دائما وابدا.