فضاءات من شاعرية الراحل الكبير كمال السعدون
عامر ضايف السلمان | العراق
في ساحات التألق والأبداع الأدبي تغازل المفردات نسائم الحرف العربي حينما تحاور قصائد الشاعر (كمال السعدون) وهو ينطق في إيحاءات الشفقُ السرمدي الطائر مع عذوبة القوافي حينما يحلق بها بعيدآ في أجمل صورةٍ مثلما قال:
تعفرَ هاجسآ وسمى خيالا
محبٌ أتعبَ الحبَّ اشتعالا
وايقضَ من سباتِ الطيفِ نبعآ
ففاقَ النبع منسربآ خصالا.
فقد احتوتني قصائد الراحل الكبير حتى حلقت بها بعيدآ وكدت أن أذوب احتراقآ في بيادرها الملتهبة وهي تضم كل ألوان الشعور الذي ينبع من خلجات الواقع ينطلق بها الشاعر من خياله الخصب وصورها التي تناغم الواقع الملموس:
لمن يا أيها القدرُ
أمدُ يدي وأعتذرُ
لمن شكواي والآذان
غلفها الصدى العكرُ
وصوتي يستباحُ على
شفاهٍ صمتُها هذرُ
واستطاع الصديق (كمال السعدون) أن يتبحر في عمق أعماق الروح الضاحكة والباكية ليصل بها إلى دائرة الضوء التي تشاكس تداعيات الموت بعصرية الحدث المكتوب التي تناغي وجودآ لامرئيآ وتحاكي صراعات الأشياء:
لا تطيلي البقاء حانَ انصرافُ
قد تحدى الرواء فيَّ الجفافُ
في وريدي مواسم الموت حلت
كل نبضٍ يقول : حان القطافُ
كان هذا الانطلاق السريع للموت ليجعله يقينآ مطلق يعلو به ماعلت به أبجديات البلاغة في أجمل بوح يكاد أن يلتهم الدنيا شعرآ وحبآ في عشق الحياة والموت معآ وكان الكبير السعدون يحيا رغم أنف الأوجاع ليكون أفقا سامقا تتيه فيه تداعيات المعرفه ليكون عمقا أزليا لقضاءٍ في أقصى جنوب العراق (سوق الشيوخ) حتى ينمو في أقصى زاوية من ذاكرة العالم! كأنها سيمفونية تعزفها أنامل الفضاء:
أهبط من صخبِ الأمطارِ
من هذا الحبِ الجبّارِ
من كلِ مغالقِ إصراري
أهبط للصمتِ وللنارِ
فالراحل الكبير حاضرآ بشموخ لغة العرب فقد رأيناه يكسر قيود الوجود ليتناول الآخر البراق بما يعاكس واقع الموت، فجذور الأرض السومرية التي يعشقها أملا وضوءا في غياهب الانفلات المعلق:
نسبحَ الندى فوقَ العقودِ عقودآ
وتنفست رئةُ النخيل ورودا
قد حاورت شفةُ المويجةِ إختها
بفمٍ يبُسمل للضفاف نشيدا
بوركت أيها الراحل الرائع وأنت أعطيت لحياتنا أدبا باذخا فسيبقى اسمك لامعا فوق قافلة المبدعين وشاهقا في سجل اللامعين.
وأقول أخيرآ :
من يا كمالُ يجسُ نبضَ مواجعي؟
ألاكَ في سقمي وعصفِ رياحي
من ذا يغازلُ صفوةً في خافقي؟
ويزيلُ من مخاوفي وكساحي
من ياصديق العمر يعصرُ طيبهُ
مأوى لدمعِ القلبِ في الأقداحِ
في ذمة الأنوار روحك حرةٌ
تبكي العراقَ لعالمٍ نياحِ