هكذا علمتنا كورونا ( الدرس الأول)
د. عادل المراغي من علماء الأزهر الشريف
رب ضارة نافعة، وما من شيء يحدث في كون الله إلا بمراد الله ولحكمة يعلمها الله ،(وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)سورة يونس
ولله در الإمام الشافعي حيث قال : (فليست تنزلُ بأحدٍ من أهل دين الله نازلةٌ، إلا وفي كتاب الله الدليلُ على سبيل الهدى فيها)
وهنالك عبر وعظات كثيرة ودروس مستفادة من جائحة كورونا وهي آية من أعظم آيات الله ،عطلت الجمع والجماعات والمجتمعات والتجمعات والاجتماعات
والحج ،وحي علي الصلاة كما عطلت صلاة التراويح والجنازات في المساجد ،وأخلت البيت العتيق من الطائفين،
والعاكفين والركع السجود، وأرغمت المحبين علي فراق حبيبهم في الروضة الشريفة علي صاحبها الصلاة والسلام، وأصابت الناس بالهلع والذعر والخوف ،
أغلقت المطارات والحدود، فرقت جمع الناس وزادتهم بعدا على بعدهم وفقرا على فقرهم.
إن كورونا مما لا ريب فيه جند من أقوى جنود الله،سلطه الله علي العاصين تعذيبا وعلى الطائعين تهذيبا،
(وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ۚ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا ۚ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا )سورة الإسراء
إن كورونا آية وسنة كونية وعبرة سماوية وما أكثر العبر وما أقل الإعتبار (وَكَأَيِّن مِّنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ ) سورة يوسف
ورغم ما فعلته كورونا في العالم إلا أنها أيقظت الضمائر الحية وأعادت كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد إلى رشده،
والمؤمن الألمعي اللوذعي يري الله في كل شيء يري الله في البأساء و الضراء كما يراه في السراء.
وفي كل شيء له آية
تدل علي أنه الواحد
ومن أول الدروس المستفادة من جائحة كورونا أهمية التبكير إلى الصلاة بعد أن غاب الناس عن صلاة الجماعة مائة يوم أو يزيد.
وقد حنت القلوب المعلقة في المساجد إلي بيوت الله وأنت واشتاقت إلي الحيعلتين.
ولا نعرف قيمة النعمة إلا إذا زالت، نعوذ بك اللهم من زوال نعمتك، وقد عرفنا قيمة نعمة التبكير إلي صلاة المسجد .
سئل أحد الصالحين : لماذا تذهب للمسجد قبل الأذان ؟ قال : الأذان لتنبيه الغافلين وأرجو أن لا أكون منهم.
فالتبكير إلى الصلوات الخمس من الطاعات التي غفل عنها كثير من المصلين في هذا الزمان، فلا يحضرون إلا عند الإقامة، أو بعد الشروع في الصلاة.
ولقد ضرب سلفنا الصالح أروع الأمثلة، وأصدقها في التبكير إلى الصلاة، يقول عدي بن حاتم – رضي الله عنه -: “ما دخل وقت صلاة حتى أشتاق إليها، وما أقيمت الصلاة منذ أسلمت إلا وأنا على وضوء”، ويقول سعيد بن المسيب: “ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد، وما فاتتني صلاة الجماعة منذ أربعين سنة، وما نظرت إلى قفا رجل في الصلاة”، قال الذهبي: “هكذا كان السلف في الحرص على الخير
وقد علمتنا كورونا نعمة الخطي إلي المساجد وفضل نقل الأقدام إلي بيوت الله وكيف كنا نخوض في رحمات الله وما عرفناها إلا بعد أن زالت.
ومن الدروس المستفادة من جائحة كورونا أن المساجد ساحة للرحمات ودوحة للبركات وروضة للنفحات والتجليات وقد لفت نظري في دعاء دخول المسجد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللهم افتح لي أبواب رحمتك) ،وإذا خرج من المسجد قال: (اللهم إني أسألك من فضلك العظيم)
ومن فضائل التبكير إلى الصلوات التي نغتنمها من جائحة كورونا:
أولًا: استغفار الملائكة لمن بكر إلى الصلاة، وكونه في حكم المصلي، روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ” الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يحدث أو يقم اللهم اغفر له اللهم ارحمه، لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة)
ثانيًا: إدراك الصف الأول، وما فيه من الفضل العظيم، والثواب الجزيل.
روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ( لو يعلم الناس ما في النداء و الصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، و لو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه و لو يعلمون ما في العتمة و الصبح لأتوهما و لو حبوًا”).
ثالثًا: إدراك تكبيرة الإحرام، وهي من أفضل التكبيرات، ومفتاح الصلاة، روى الترمذي من حديث أنس بن مالك: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من صلى لله أربعين يومًا في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتبت له براءتان: براءة من النار و براءة من النفاق)
رابعًا: الدعاء بين الأذان والإقامة مستجاب، روى أبو داود في سننه من حديث أنس بن مالك: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- (قال: “الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة).
خامسًا: الدنو والقرب من الإمام، وهذه فضيلة عظيمة، روى الإمام أبو داود من حديث سمرة بن جندب – رضي الله عنه -: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “احضروا الذكر وادنوا من الإمام، فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها)
سادسًا: إدراك السنن القبلية التي قبل الصلاة، كسنة الفجر، روى مسلم من حديث عائشة – رضي الله عنها – أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها)
سابعًا: الحضور إلى المسجد بسكينة ووقار، فالسعي الذي يفعله كثير من الناس لإدراك الصلاة يفوتهم السكينة والوقار، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:( إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة، وعليكم بالسكينة والوقار، ولا تسرعوا وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا)
ثامنًا: قراءة الأذكار والاستغفار، وذكر الله – عز وجل – بين الأذان والإقامة وأفضلها نيل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم.
فق روى مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهد أن محمدا رسول الله، قال: أشهد أن محمدا رسول الله، ثم قال: حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: الله أكبر الله أكبر، قال: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا الله، من قلبه دخل الجنة.
وعن عبد الله بن عمرو أن رجلا قال: يا رسول الله، إن المؤذنين يفضلوننا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قل كما يقولون، فإذا انتهيت فسل تعطه. رواه أبوداود وأحمد
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لا تَنْبَغِي إِلا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ ) رواه مسلم (577)
وينبغي للمؤمن أن يعود نفسه على التبكير إلى المسجد حتى يسهل عليه، ويجد الراحة، والسعادة في ذلك، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “… لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله)
يقول سفيان بن عيينة رحمه الله أنه قال : ” لا تكن مثل العبد السوء لا يأتي حتى يُدعَى , إئت الصلاة قبل النداء ، قال رجل : من توقير الصلاة أن تأتي قبل الإقامة ” رواه أبو نعيم في ” حلية الأولياء ” (7/285) ، وذكره الزمخشري في ” ربيع الأبرار ” (2/282) عن عامر بن عبد قيس.
فبئس العبد الذي ينتظر حتى يناديه سيده ، إن العبد الصالح هو الذي يأتي لسيده قبل أن يناديه ” يعني أنه : بئس العبد الذي لا يدخل المسجد إلا بعد سماع الأذان
هذا أول درس نستفيده من جائحة كورونا ومما يندي له الجبين ويذوب لمثله القلب كمدا وحزنا أن صفوفنا المقطعة المتباعدة في الصلاة بعد عودة فتح المساجد تحكي حال أمتنا التي تفرق شملها وأصبحت شيعا وتباعدت قلوبها،
وانفرط عقدها
فاللهم عجل بجمع شملنا ووحدة صفنا.