توظيف الاساطير في أدبنا
مصطفى سليمان / سوريا
استلهام الأسطورة العالمية ، وبالذات اليونانية، عند الرواد الكبار، من أكبر المؤثرات الثقافية في حركة الشعر العربي الحديث، والأدب بعامة: سيزيف. بروميثيوس، بيغماليون، أوديب …
وقد رفض الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري توظيف الشعراء العرب للأسطورة العالمية في شعرنا الحديث .
قال : (( هل يمكن ألّا أكون مثقفاً مثلاً إذا استعملت الرموز أو الأساطير العربية بدلاًمن الغربية الدخيلة !؟ أليس في تراثنا العربي من الرموز ما نستطيع أن نتعامل معه تعاملاً عصرياً ؟ أليس أكثر سهولة على القارئ العربي أن يقرأ بلغته تاريخه وبطولات أجداده بدلاً من استعمال الأساطير الغربية . هذه الصرعات الهستيرية تغريب للذات العربية ، ولست معها ))!!
هناك بصمة سرية ذاتية للإنسان، هوية ثقافية موشورية الأبعاد: عشائرية، وقبلية، ووطنية، وقومية، ودينية … وهوية إنسانية .
ما الذي جعل (كورساكوف) يؤلف سمفونيته الخالدة : شهرزاد مستلهماً تراث ألف ليلة وليلة ؟ ألم يقل العظيم فولتير: أتمنى أن أفقد ذاكرتي لأستمتع من جديد بقراءة ألف ليلة وليلة ؟
وما الذي جعل (دانتي) يستلهم رسالة الغفران للمعري؟ والشاعر( لويس أراغون) يستلهمً قصة مجنون ليلى في رائعته: مجنون إلسا ؟.
الأساطير، في كل العصور والحضارات الكبرى والبدائية، موروث حضاري عام للبشرية. الإنسان واحد: مفرد بصيغة الجمع، أو جمع بصيغة المفرد.
الهموم الكونية الوجودية واحدة مهما كانت بدائية، كالموت والبعث. والعالم الآخر. والزمن والخلود… وكذلك الحب، والغيرة، والحقد، والقتل…
… كلها تحديات مصيرية، عواطف وعواصف عصفت به، وحيرة وقلق وأحلام وخرافات… أصابت إنسان الغاب البدائي، كما أصابت إنسان الجبال والكهوف، والوديان والصحارى، والغابات، وساكني ناطحات السحاب… وسوف تصيب إنسان الفضاء، عندما يسكن الكواكب البعيدة حتماً في العصور القادمة ويهجر الأرض، يتركها لمن لا يستحق الحياة فوقها.
هذا التوظيف للأسطورة العالمية في أدبنا ليس تغريباً للذات العربية، كما قال الجواهري، بل هي أنْسَنُةٌ لذاته المنتمية إلى الذات الإنسانية بكل أبعادها.
فلننهل من ينابيع الأساطير، في كل زمان ومكان، من تراثنا وتراث البشرية، فكلها من إبداع الإنسان الذي هو بحق …أسطورة الأساطير !