أدب

سفر النشوء

قصة قصيرة

بقلم: هيثم نافل والي
الكلمات تموت عندما تسقط على الورق؛ وما أن يهم أحدهم بقراءتها.. تعود فتحيى
تنويه/
ولدا آدان وحوّار بذاكرة خارقة، فولاذية تمتد لقرون بعيدة خلت. يتذكران بصفاء ذهني ناصع رهيب كل شيء وكأنهما من أبناء ما قبل التاريخ.. يتذكران مثلاً كيف حصل الطوفان، كيف نجا ابن إبراهيم من التضحية به، كيف تفرق القوم بين عدنان وقحطان مثلما افترق هابيل عن قابيل، يتذكران كيف شق البحر موسى، كيف عمد يوحنا يسوع وكيف عاش الرجل وكيف مات، كيف ظهرت الدعوة المحمدية وكيف انقسم العالم ولماذا تقاتل ومن أجل أي شيء.. وها هما اليوم يتذكران التاريخ ويتصفحاه ككتاب مفتوح أمامهما وهو يحمل في طياته كل آلام البشرية منذ أن نشأت في سفر النشوء حتى هذا اليوم الذي نقص عليكم حكايتنا دون حاضر أو مستقبل.. تبدأ في مكان له بعد زمني واحدا، الماضي فقط.
خاطب آدان مطرقاً نحو الأرض الخضراء التي يقف عليها زوجته حوّار التي يعرفها جيداً:
– يكفي ما حدث للبشرية من قبل؛ علينا أن نتعلم من أخطاء الماضي. أمسكت يده، نهضت فقابلته بوقفته المنحنية تسأله:
– ماذا تقصد؟
– أن نتفق!
– على ماذا؟
– أن نؤمن بخالقنا دون أن نسمي لنا ديناً نتبعه أو نبشر به.. ما رأيك؟ أليست فكرة عظيمة؟، ثم بفخر تابع منتفخ الصدر مغرورٌ: وقتها لن يتقاتل أبناء الله على السلطة!..
بجدية خالصة:
– لكن هذه الفكرة مطروقة من قبل.
– كيف؟
– ماذا هل نسيت؟، بعد وقفة قصيرة كأنها تجس وقع كلماتها الأخيرة عليه، أضافت: لقد شاهدنا ما حصل عندما أراد الإسكندر المقدوني من توحيد العالم تحت راية واحدة وفشل!.
متفائلاً بشكل مطرد:
– لم أنس ذلك، ثم أردف: بل ما هذا الذي قصدته..
– وضح
– أنا لم أقل أن نتبع دين قوم، بل ما أردته هو أن يكون ولاءنا لله وحده وهو دين الحق الأوحد.. شعر برغبة محمومة، بنشوة للحديث وشرح ما يختلج به قلبه، استطرد: ماذا نريد أكثر؟ دين الشمولية، دين المحبة الخالصة، دين التوحيد ودين الإبداع الخالد المتفرد.. ترى ما أكثر ما تعذب الإنسان بسبب فكرة الدين من قبل ولحد الساعة؟ لذلك فكرت بما قلته لك كي لا نكرر ما أصابنا ونتلافى ما وقع وحدث سعياً للسلام ورغبة في الأمان.. بلع ريقه، خطف نظرة إعجاب سريعة من زوجته، تابع مستنبطاً:
– الكون والعقل يا حوّار هما أكثر ما حير الإنسان في دنياه؛ أراد الأخير أن يعرف كل شيء عنهما،.. لماذا لا نستفيد من تجارب الماضي الذي عاصرناه طوال كل تلك الحقب والقرون التي عشناها ونعرفه جيداً كما نعرف راحات أيدينا. دين الله الأوحد يا حبيبتي هو ضالتنا، صدقيني، دعينا نجرب، سوف لن نخسر أكثر مما خسرته البشرية من قبل بتعدد الأفكار الدينية وتنوعها..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى