تحت موس حجي راضي !
عليّ جبّار عطيّة رئيس تحرير جريدة أوروك العراقية
استوقفني تمثاله البرونزي للفنان النحات فاضل مسير في حديقة مبنى القشلة على ضفة نهر دجلة في بغداد.
هكذا رأيت الفنان والكاتب سليم البصري (سليم عبد الكريم البصري) الذي ولد في /محلة الهيتاويين ببغداد من أسرةٍ من الكرد الفيلية سنة ١٩٢٦م.
بدا البصري بطول ٢٧٥ سم كمن حضر حفلةً تنكريةً بالسدارة الفيصلية البغدادية، وبالبدلة التي ارتداها في مسلسل (الذئب وعيون المدينة)، و(النسر وعيون المدينة)/١٩٨٣ لمؤلفه عادل كاظم، ومخرجه إبراهيم عبد الجليل، بشخصية (غفوري) وهي غير البدلة التي عُرف بها في (الجراوية) في أشهر دور لعبه في الدراما في مسلسل (تحت موس الحلاق) منذ سنة ١٩٦١م حتى سنة ١٩٦٩م، فقد كانت حلقات المسلسل التي ألفها البصري وتناوب على إخراجها عدة مخرجين آخرهم عمانوئيل الرسام المعروف بـ(ع. ن. ر) تُبث على الهواء مباشرةً قبل مجيء جهاز التصوير الصوري المغناطيسي (الفيديو تيب) الذي دخل العراق سنة ١٩٦٤م فعُرضت حلقات تجاوزت الخمسين حلقة على الهواء من دون تسجيل ، ولكن في سنة ١٩٦٩م جرى اختيار خمس حلقات منها للتسجيل بعنوان (تحت موس الحلاق)، ثمَّ أُخذت سيناريوهات الحلقات الأخرى لتظهر في مسلسلاتٍ أُخرى مثل: (كاسب كار)/١٩٧٠م، و(وجهة نظر)/١٩٩٠م ،و(إلى من يهمه الأمر) :حسبما يذكر الفنان حمودي الحارثي في حوار معه أُجري وبُث على قناة اليوتيوب سنة ٢٠١٩م.
برع البصري في تجسيد دور الشخصية الشعبية البغدادية البسيطة حلاقاً يعرف أُصول المهنة، كما برع في لعب شخصية الموظف الأرشيفي المنسي في تمثيلية(الصرخة) التي أعدها عبد الوهاب الدايني عن قصة لنجيب محفوظ، وأخرجها إبراهيم عبد الجليل، ولا يزال صدى صرخته مع كلمة (ليش؟) يرن في أذن كل مدير له حاشية تحجب الموظفين المهمشين عنه !
كانت أدواره السينمائية لا تتناسب مع قدراته الأدائية التلقائية التي عُرف بها فمثَّل في فلم (أوراق الخريف)/ ١٩٦٤م للمخرج حكمت لبيب، مع راسم الجميلي، وسهام السبتي.و(فائق يتزوج)/١٩٨٤م للمخرج إبراهيم عبد الجليل، مع قاسم الملاك، وإبراهيم جلال. و(عمارة ١٣)/ ١٩٨٧م للمخرج صاحب حداد مع محمد حسين عبد الرحيم، وسهى سالم، و(العربة والحصان)/ ١٩٨٩م للمخرج السوري محمد منير فنري، تمثيل: حمودي الحارثي،وإقبال نعيم، وجلال كامل.
يعاود البصري الكرَّة في الجزء الثاني الملون من مسلسل (تحت موس الحلاق) /١٩٨١م الذي يُخرجه حمودي الحارثي فيخفق في التناول والمعالجة والأداء لأنه يخرج عن تلقائيته التي عُرف بها.
كذلك أخفق، وهو يدخل في ميدان التعليق الكروي في المباراة الاستعراضية بين فريقي (الفنانين) و(نادي الرشيد) مطلع سنة ١٩٨٤م، فكان معلقاً على المباراة بينما كان تلميذه حمودي الحارثي يسجل هدفاً من ضربةٍ جزاء، ويطوف الملعب متلقياً تحيات الجمهور الذي لم ينس مشاكساته وقفشاته !
يظل سليم البصري في الذاكرة الشعبية وكذلك في الذاكرة المثقفة والأكاديمية فقد عُرف عن أُستاذ النحو واللغة الدكتور عبد الأمير محمد أمين الورد (١٩٣٣م ـ ٢٠٠٦م) أنَّه ينبز طلابه المهملين بوصفهم بـ(الغواتم) نسبةً إلى القراءة الخاطئة لحجي راضي للرسالة التي بعث بها طالب الطب البيطري في الهند (غانم) إلى أمه ولأنَّ حجي راضي ضعيف بالنقاط فيقرأ الاسم (غاتم) فيطلق الدكتور الورد على الطلبة المقصرين في التعلم صفة (الغواتم) !
هذا الممثل الذي أضحك الملايين وما زال يضحكهم في عصر الشبكة العنكبوتية مات وحيداً مساء يوم ١٩٩٧/٥/٨م ولم يخرج في تشييعه إلا عدد أصابع اليد ومن بين الذين شيعوه تلميذه الوفي حمودي الحارثي الذي رافقه إلى مقبرة وادي السلام في النجف الأشرف.
رحل وما زالت جملته الوجيزة في حلقة (تلميذ مسائي) تُلخص الوضع السابق واللاحق إذ قال
لـ (أبي ضوية)(راسم الجميلي) يُعلمه العذر الكاذب ليتلافى مساءلة المعلم له لتقصيره في كتابة الواجب : (إتريدْ تكذبْ إكذبْ، إتريدْ تترزلْ إترزلْ) !!