أوأدوا المُطلقةْ

 

سمية الجعفرى | مصر

مُلئتْ القاعة بالحضور ونُصبتْ المحكمة .. أمرَ القاضي الجميع بالجلوس، وأَعلنْ عن بدء الجلسة بصوت المِطْرَقَةْ.. نادى على المُذنبة وأمرها بالمثول أمام المنصة، و سألها: ما جريمتك يا امرأة؟

نَكَستْ رأسها و تَنفستْ بصعوبة بالغة، وأجابت: مُطلقة.. نَهَرها القاضي  ـ ظنا منه أنها تسخر منه ــ  أتسخري مني يا امرأة؟ هل الطلاق جريمة تستحق المُعاقبة! 

عيون الحضور كانت مُترقبة، تطلق السهام لتُصيب في مَقتلْ قامتها الواهنة، يسيل لعابهم من شدة التحفز للانقضاض على الفريسة المُنهكة، والحقيقة المُؤلمة أن غالبية الحضور كانوا أقرباء وأصدقاء وأحباء في يوما ما  للمُذنبة!

تعالت الأصوات في القاعة، فاخرسها القاضي بضربة قوية من المطرقة، ونظر إليها نظرة ثاقبة، أجيبي يا امرأة .. أخذت نفس عميق لتقوى على السَردْ، رفعت الرأس وحل السكون وبَدأتْ المرافعة ..

يا سيادة القاضي.. احتملت ما لم يتحمله أحد، جوع وضرب وسَبْ.. صبرت كثيرا» و صبرت، لم يعينني يوما أحد، اشتكيت مرارة العيش لأهلي وأَطَلتْ، نَصَبُوا لي المشانق وبكل السَباَبْ طُعنتْ، فَصَمتْ ..

إلى أن أتى يوم لم يعد لدي أي طاقة للاحتمال، طالبت بحقي في الانفصال كما أمر الله، الطلاق شرع الله وحلال، حاربني الجميع ولم يُنصفني أحد، لكن تمسكت بحقي، وحصلت على الطلاق،  وظننت أنني من الظلم تحررت، و لكني منذ ذاك الوقت، من الجميع ما سلمت، على المقصلة لنصفين شُطرتْ  ..

طَمَعَ فيِ كل من عرفت، أؤصدتْ الأبواب عليِ وما نَجوتْ، القاصي والداني يجدني سلعة رخيصة، في سوق النُخاسة عُرضتْ ..

قُوتَ يومي ما وجدت، للبحث عن الرزق سعيت، الأبواب في وجهي أُغْلقتْ، والأبواب التي فُتحتْ منها ما نَجوتْ .. تحرش جسدي ولفظي، لأبشع الإنتهاكات تعرضت ..

المطلقة يا سيادة القاضي في مجتمعنا يعتبرونها عاهرة، يحل للجميع إنتهاك حُرمتها، فريسة، تنصب لها الشِرَاكْ والمصائد.. من بني جنسي ما سَلمتْ، النساء اعتزلتني، الغرباء و أهلي، خشوا على أزواجهم مني، شعرت بأني داء مُعدي ، يبتعد الجميع عني، سألتهم ما ذنبي !!

لم أسمع سوى صدى صوتي و إنهمار دموعي .. حاولت أن اكمل مسيرتي  وحدي ، و كل يوم يمر يُثْقلْ عليِ حملي ، رغبت في الزواج ممن يَستُر عرضي ، هاجمني كل من حولي ، إن اصبحتِ مطلقة لا يحق لكِ يوما» أن تتزوجي، و إل أصبحتِ في نظر الجميع على المتعة الجنسية تلهثي، عقول عاهرة أحاطتني ..

لكن عن كل أقوالهم أَشحتْ، و يا لهول ما رأيت !! أتعلم كيف يكون الزواج من المطلقة في مجتمعنا يا سيادة القاضي؟

الحب عليها مُحرمْ، إن مال قلبها لشاب لم يسبق له الزواج، فهو طامع فيها لا مُحال، تُتهم بالخَرفْ، و إن أَحبتْ رجل متزوج تصبح سارقة رجال .. لا يحق لها سوى مطلق مثلها أو أرمل، و إلأ تُعلق على المشانق وتُسبْ بألعن الألفاظ، هل الإختيار بيدنا؟!

يجب عليها أن تؤصد أبواب القلب و يكون للعقل القرار ، و من هذا الطريق أيضا» ما نجوت، اتعلم ماذا وجدت؟

المطلقة سلعة رخيصة تُباع بأبخس ثمن، يجب أن ترضى بالفتات وتَقْبلْ، من  يطلب منها الزواج  يريدها سرا»، للعلن لا تظهر، كأنها سُبةْ أو عار .. أنا حالة من بين آلآف الحالات، وراء الجدران قابعه أنفس مُهلكة، تغتصب أرواحها بشَتَى أنواع الإغتصاب، عاطفيا»، و نفسيا»، وجسديا» ، تعددت الأسباب للطلاق و النتيجة واحدة، مطلقة..

أخر كلمات دفاعي يا سيادة القاضي، رجاء من المحكمة المُوقرة ، أوأدوا المطلقة ..

أطَبقَ الصَمتٌ على الحضور، وقف القاضي و اطلق الحكم في التو والحين: المرأة كرمها المولى عذراء ومطلقة وأرملة، أقر لها حقوق مُلزمة، وضع الحدود لصون الأعراض، والمجتمع تعدى على كل ما أمر به المولى من حدود ، كل من في القاعة و خارجها مذنبين، حكمي الذي يرضي رب العالمين أوأدوا المجتمع..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى