المحاماة
الكاتب الصحفي | مجدي شندي _ القاهرة
“المحاماة عريقة كالقضاء ، مجيدة كالفضيلة ، ضرورية كالعدالة ، مهنة المحاماة تجعل المرء نبيلاً عن غير طريق الولادة ، غنياً بلا مال .. رفيعاً دون حاجة إلى لقب .. سيداً بغير ثروة”
لا أظن أن أيا من الجمل السابقة الذي قالها روجيسيو رئيس القضاة الأعلى في فرنسا خلال عهد لويس الخامس عشر تنطبق على المهزلة التي شهدتها مصر أمس وتخص قضية شرف اتهم فيها مسؤول باتحاد الكرة.
لا قيم المحاماة تسمح ولا أعراف المجتمع وتقاليده تتيح لمحام لجأ إليه مواطن لتقديم بلاغ إلى النيابة أن يشهر بخصومه فيعلن أسماءهم رباعية وخماسية قبل أن يقول القضاء كلمته ، فالمحامي يفترض أنه أمين على الخصوم بقدر أمانته على موكله ، بل إن النيابة التي تحقق والقضاء نفسه الذي يحاكم متهمين بجرائم شرف درج على اتباع أعلى درجات السرية في جلساته صونا للمجتمع ، وحماية لأسر المتهمين التي لاذنب لها في خطأ المتهم أو جريمته. الصحافة المحترمة أيضا لم تتعود إعلان أسماء المدانين بقضايا غير أخلاقية حتى بعد صدور أحكام نهائية عليهم أو عليهن ، وظلت تكتفى بأحرف أولى للاسم الأول والأخير.
إعمالا للعدل يجب أن يحاكم المحامي الذي ارتكب هذا الفعل الآثم قبل المتهمين بارتكابه.
ولنا في النبي الكريم والتابعين وكبار العلماء أسوة حسنة . فلما جاء هَـزَّال بن يزيد الأسلمي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ورفع له شأن ماعز (المعترف بالزنا ) والله يا هزال لو كنت سترته بثوبك كان خيرا مما صنعت به .
ويقول ابن الجوزي: “اعلم أن الناس إذا أعجبوا بك فإنما يعجبون بستر الله عليك”، ولو أن الله نشر ما ستر لما نظر أحد إلى أحد، ولما استمع أحد إلى أحد.
ويفسر ابن عباس قوله تعالى: {وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة} بقوله النعمة الظاهرة: ما أحسن من خلقك. والنعمة الباطنة: ما ستره من سيء عملك.
وقيل لذي النون: كيف أصبحت؟ قال: بين نعمتين عظيمتين لا أدري على أيتهما أشكر: أعلى جميل ما نشر، أم على قبيح ما ستر.
وكان يحيى بن معاذ يناجي ربه ويقول: “إلهي ما أكرمك، إن كانت الطاعات: فأنت اليوم تبذلها وغدا تقبلها، وإن كانت الذنوب: فأنت اليوم تسترها وغدا تغفرها، فنحن من الطاعات بين عطيتك وقبولك، ومن الذنوب بين سترك ومغفرتك”. فاللهم أدم علينا سترك.
رفقا بالناس مخطئهم ومصيبهم يا أصحاب الروب الأسود الفاضل ، فالمحامي -كما يقول الفرنسي روس – هو أقل الناس كلامًا والمحامون هم وحدهم الذين يحسنون السكوت لأن إحسان السكوت ليس إلا نتيجة حتمية لإحسان الكلام.