مسرواية: مَمْلَكَة السَنْدُونِي

موزة المعمرية | كاتبة من سلطنة عُمان

 

شخصيات المسرواية

الملك قمبيز: ملك مملكة السندوني العادل, بهيّ الطلعة, هادئ الحديث, بسّام, متواضع, ذو شخصية قوية نبيلة, في الأربعون من عمره, جسيم, أبيض لون البشرة, يملك لحية وشارب بسيطان, شعر رأس مسترسل يصل كتفيه قد اختلط سواد شعره ببياضه.

الملكة الدَأمَاء: ملكة المملكة وزوجة الملك الفاتنة الجمال, مرهفة الإحساس, قوية الشخصية, متواضعة ومحبة لشعبها, متناسقة الجسد والطول, بيضاء لون البشرة, زرقاء لون العينين, ذات شعر رأس طويل مسترسل بني اللون يصل منتصف جسدها.

الأمير التَيهور: ابن الملكين الأكبر وهو يبلغ من العمر سبع سنوات.

الأميرة التامول: ابنة الملكين الأصغر من شقيقها وهي تبلغ من العمر خمس سنوات.

الأمير أقيَانُس: شقيق الملك قمبيز الأصغر سنا منه, جسيم, خشن الصوت, قوي يُرهب الجميع.

الأمير بَربَار: شقيق الملك الأصغر من أقيانس والشبيه له في الشكل ويملك ذات قوته.

الأمير أنتيمون: شقيق الملك الأصغر سنا من إخوته, مسالم لأبعد الحدود, هادئ الحديث, بسّام, محبا دوما للكتب والقراءة, بريء ملامح الوجه, عينيه مكتحلتين دوما بالأثمد, شعر رأسه مسترسل يصل كتفيه أسود اللون.

الأميرة يوح: وهي الشقيقة الأصغر سنا من إخوتها جميعا, بريئة ملامح الوجه الجميل, هادئة الصوت والحديث, بيضاء لون البشرة المشربة بحمرة الخدين, تملك شعر رأس بني اللون متوسط الطول مموج الشكل.

الخِرمِس: قائد جيوش الملك قمبيز, خبيث غادر, جسيم وخشن الصوت, شعر رأس مموج الشكل متوسط الطول, بشرة حنطية اللون.

الشَيهَم: مستشار الملك قمبيز وقائد ميسرة جيوشه, أسمر لون البشرة, طويل القامة, شارب ولحية بسيطان, يملك بعض الوسامة البسيطة, شعر رأس مموج دائم الربط للخلف بشريط بسيط.

أبزينوم: قائدة ميمنة جيوش الملك قمبيز, امرأة في الثلاثون من عمرها, متناسقة الجسد والطول, تملك جمال فاتن, بيضاء لون البشرة, زرقاء لون العينين, شقراء لون الشعر المموج والمجدول دوما للخلف بجديلة طويلة, قوية الإرادة وذكية جدا.

أكزينوم: شقيقة أبزينوم الصغرى وصاحبة التامول وبذات عمرها.

الدَيدَبان: فارس من فرسان السندوني الخفيّ, في الثلاثون من عمره, هادئ, قوي, باسل, متناسق الجسد والطول, حنطي لون البشرة, بني لون العينين وشعر الرأس الذي يصل كتفيه والمموج الشكل.

تُوكان: صديق الملك قمبيز, ترك حياة الممالك وما تحمل واختار حياة الغاب البسيطة التي يتقاسمها مع زوجته “آس” أبيض لون البشرة, أشقر لون الشعر, أخضر لون العينين, متناسق الجسد والطول.

آس: زوجة توكان وهي خبيرة في الطب الشعبي.

 

مَرمَريس وأصحابه:

هم مجموعة جند كانوا يخدمون الملك اليعبوب فنفاهم من مملكته لشرهم وبغيهم وخروجهم عن قانون المملكة.

مرمريس: رجل في الخمسون من عمره, خشن الصوت, بشع الشكل, يملك شعر رأس أجعد مائل للحُمرة.

العُنظوَان: رجل جسيم, بشع الشكل بحيث يُرى الشر في عينيه, لديه نُدبه على خده الأيمن.

أعنَص: نحيل الجسد, يكاد يكون أصلع الرأس الذي يحمل بعض الشعيرات المتفرقات, قوي بائس خبيث.

الدرقل: شاب في الثلاثين من عمره, متناسق الجسد والطول, وسيم الشكل, سريع المشي والجري كجنيّ.

الدِرفَاس: رجل بدين, خشن الصوت, أكول دوما ولا يشبع, قوي وخبيث, يملك عين واحدة فالأخرى مفقوءة ومكوية بالنار.

الدِردِم: امرأة في الثلاثون من عمرها, قوية خبيثة ماكرة, دائمة جدل الشعر الأسود للوراء مع وجه لا يحمل الجمال مطلقا, نادرا ما تضحك, لا تتحدث كثيرا, لا تخشى الليل والسير فيه, تُجيد استخدام الرماح التي لا تُخطيء عدوها مطلقا.

الدَيجور: رجل في منتصف الثلاثينات من عمره, أسود لون البشرة, أصلع الرأس, جسيم وقوي وقد كان مصارعا في مملكة الدينون.

الدَألان: شاب في الثلاثين من عمره, نحيل الجسد, خبيث ماكر.

أسيتون: شاب قليل الحديث, متوسط الطول, حنطي لون البشرة, أسود لون الشعر.

أبزيمو: شاب في التاسعة والعشرين من عمره, الوحيد من بين أصحابه من يحمل مشاعر يهفو بها قلبه, وسيم الشكل, جميل الصوت, حنطي لون البشرة, لديه شارب بسيط, عينين بلوريتا اللون, شعر رأسه ناعم متوسط الطول يصل كتفيه.

الدَردَبيس: رجل كبير في السن يصل عمره لنحو ستون عاما, سكن الغاب منذ زمن حتى أنه بات يعرف كل شبرٍ فيها, أشيب شعر الرأس الذي يصل كتفيه, لا يُكثر الحديث, خبيث جدا.

 

جند الخِرمِس المقربين:

الإبريز: رجل في التاسعة والثلاثين من عمره, جسيم ومفتول العضلات, دائما ما يكون مقطب الوجه القبيح, خبيث داهية.

الوَرَل: رجل في الأربعين من عمره, قوي خبيث فمعالم السجن تطبع أنفاسها به, يملك وجه قليل الوسامة كثير الخدوش.

أكسُم: شاب في الثلاثين من عمره, قوي صنديد وقد دربه السجن على ذلك.

 

(مملكة الدِينُون)

الملك اليعبوب: ملك مملكة الدينون وشقيق الملكة الدأماء, ملك عادل ورحيم, لكنه لا يرحم الخائن والخيانة, رجل في الخمسون من عمرة, أشيب الشعر مع لحيةٍ صغيرة وعينان سوداوا اللون.

الملكة الميسان: زوجة الملك اليعبوب, امرأة في الأربعون من عمرها, بيضاء لون البشرة, عينان بنيتا اللون مع شعر رأس مجدول طويل بني اللون.

الأميرة اليمام: ابنة الملك اليعبوب ذات السابعة عشر ربيعا, ملائكية ملامح الوجه البريء.

الأمير الحُر: شاب في الخامسة والثلاثون من عمره, قوي جداً, طويل القامة ومتناسق الجسم, وسيم جداً, يملك شعر رأس أسود اللون يصل كتفيه مع عينان سوداوان حادتا النظر كصقر.

الأمير الزُهْدُم : شقيق الحُر الأصغر منه سناً, يملك شكل جسد أخيه وقوته, شعر رأس بنيّ اللون.

الأمير أَسْفَعْ : الشقيق الأصغر, في العشرون من عمره, نحيل الجسم مع قوة جسدية كبيرة, وسيم الشكل, يملك عينان سوداوا اللون كشعر رأسه.

الباسل: شاب شجاع ومغوار وهو حامي جبل الثمانية بأمر من الملك اليعبوب, شاب في الثالثة والثلاثون من عمره, متناسق شكل الجسد, وسيم الوجه الذي يحمل بشرة حنطية اللون مع لحية وشارب بسيطان وشعر رأس أسود اللون.

***

محتويات الرواية؛ تحتوي الرواية على عدة فصول ألا وهي :

الفصل الأول: العهد المشرق

الفصل الثاني: عهد الظلام

الفصل الثالث: أبواب الذكريات

الفصل الرابع: جبل الثمانية

الفصل الخامس: عودة السندوني والعهد العادل

***

ملخص الرواية:

تتحدث الرواية عن مملكة السندوني وحكم ملكها العادل قمبيز حيث يحيى الشعب في ظله في رخاء وحب وسلام وأمان, ولكن هذا الملك يتعرض للخيانة النكراء على يد قائد جيوشه “الخرمس” الذي يقتله ويقتل أشقائه معه.

تُحبس الأميرة يوح شقيقة الملك المغدور في السجن بينما الملكة الدأماء تُحبس في مخدعها فلن يسمح الخرمس بأن تقبع الملكة الدأماء في السجن القذر وهي تتربع عرش قلبه.

بدأ عهد الظلام في مملكة السندوني باعتلاء الخرمس العرش وبات الشعب في ذل وهوان, قررت أبزينوم من أن تهرب من المملكة عبر الممر السري في الذهبية الملكية وكذلك فعلت لتعبر الغابة الشاسعة تبغي الملك اليعبوب وتطلب نجدته كما فعل الأمير أنتيمون الفار من المملكة مع ابني أخيه.

يستمر ظلم وبغي الخرمس في المملكة بينما يصل كل من الأمير أنتيمون وأبزينوم لمملكة الدينون ويطلبان نجدت الملك الذي بدوره يُعد الجيوش بمساعدة أبناءه للذهاب لمملكة السندوني وتخليصها من قبضة الشر وكذلك يحدث.

تعود مملكة السندوني مملكة السلام والأمان والرخاء تحت ظل حكم الملكة الدأماء وبمساعدة أنتيمون وأبزينوم لها.

***

معاني الكلمات الصعبة المتواجدة في الرواية :

مملكة السَندُوني: هي المملكة القوية التي تستند عليها باقي الممالك وهي كل ما يستند عليه ويعتمد عليه

قمبيز: اسم فارسي مذكر ومؤنث ويعني القوة والشدة والبأس

الدَأْمَاء: البحر

التيْهور: موج البحر المرتفع

التَامول: نبات طيّب الرائحة

أُقيانُس: البحر العظيم

بَرْبَار: الأسد

أنتيمون: الأثمد

يوح: اسم من أسماء الشمس

الخِرْمِس: الليل العظيم

الشَيْهَم: حيوان من القوارض له شوك طويل

الدَيْدَبَان: ضجة الناس

مَرْمَريس: الأرض لا تنبت شيئاً من صلابتها

العُنظُوان: نبات حامض ويُطلق أيضاً على الفاحش الشرير

أعْنَصْ: يبقى في رأسه شعرات متفرقات

الدِرقل: الذي يمشي سريعاً

الدِرفاس: الضخم العظيم

الدردِم: المرأة التي تذهب وتجيء بالليل

الدردبيس: الداهية

الديجور: الظُلمة

الدألان: الذئب – ابن آوى

أسيتون: سائل طيّار عديم اللون له رائحة مميزة

أبزيمو: يصل بين الطرفين, يكون منتصف الشيء

الإبريز: الذهب الخالص

الوَرَل: حيوان من الزحّافات يكون في البر والماء

الملك اليعبوب: النهر الشديد الجري

الملكة الميسان:  النجم الزاهر

الأميرة اليَمَام:  جنس طير من الفصيلة الحمامية

الأمير الحُر: اسم من أسماء الصقر

الباسل: الشجاع

 

الفصل الأول: العَهد المُشرِق

أشرقت شمس الصباح على مملكة السندوني العظيمة, القوية, الشامخة, الشاسعة, الغناء, حيث تحفها الأشجار الخضراء من كل جانب وكذلك الورود البديعة الشكل والألوان, وصوت زقزقة العصافير تملؤها بهجة وسرورا هذا بالإضافة لتحليق الفراشات الجميلة والمختلفة الألوان والأشكال.

مملكة السندوني فريدة الشكل والتصميم حيث أنها تكتسي باللون الأبيض, أبوابها قوية منيعة ذهبية مزركشة بالفضة, الجميع يعيش في حب وسلام وأمان تحت ظل حكم الملك العادل قمبيز.

الملك قمبيز في صباحه الجميل هذا أخذ بالمشي في قصره حتى نزل على عتبات الدرج البيضاء اللامعة, هو يرتدي رداءا فضفاضا لامعا يميل إلى اللون الفضي وعلى كميه الاثنين تطريز جميل الحواف, الابتسامة ترتسم على شفتيه والسعادة تملأ وجهه الوسيم, قصد حديقته الغناء البديعة وأخذ بشم الورود الخلابة, وضع يده عليهن وأخذ بالمشي حولهن ولمسهن بيده اليمنى وكأنه يربت عليهن جميعا, هي عادته الدائمة من أن يفعل ذلك كل صباح.

اقتربت منه إحدى الجواري لتعطيه وردته الحمراء المعتادة فأخذها منها وهو مبتسم بعد أن رد التحية الصباحية عليها, استدار ليمشي عائدا بذات الطريق التي أتى منها وأخذ بالصعود على عتبات الدرج ثم المشي في ردهات القصر البديع التصميم, الجند ينحنون لملكهم فور مروره من جانبهم فيرد هو تحيتهم عليه بالابتسامة, ها هو الآن يصل لباب مخدع قوي حيث تفتح جاريتين له الباب الضخم فيدخل المخدع ليقترب من تلك الجميلة النائمة على سريرها في أمان تام, يُلامس بالوردة الحمراء وجنت النائمة الجميلة فتستيقظ لتنظره ثم تبتسم

الدأماء : عزيزي

تنهض من استلقائها فيجلس الملك بجوارها

أعشقكِ

الدأماء : ليس كما أعشقك أنا, هيا عليك بالاستعداد لتقصد ذهبية

الملك مقاطعا لحديثها : المملكة, أعلم

يطبع قبلة جميلة على جبينها ثم يذهب ليستعد للذهاب لذهبية المملكة والالتقاء بقادة جيوشه فدائما ما يجتمع بهم ليعلم منهم كيفية سير الأمور واستتباب الأمن في المملكة بالإضافة لشؤون المملكة الأخرى.

في مكان آخر من القصر العظيم يعيش إخوة الملك قمبيز ألا وهم الأمير أُقيانُس والأمير بربار وشقيقتهم الصغرى الأميرة يوح, كل من أقيانس وبربار يمتلكان من القوة والذكاء ما يجعلهما يتحملان مع الملك أعباء المملكة ليكونوا بذلك قوة واحدة قوية متحدة تسهر على راحة وأمان شعب المملكة, أما عن الأميرة يوح فهي تعيش بسعادة وأمان وسلام في ظل حكم أخيها قمبيز.

أمير آخر وشقيق آخر للملك قمبيز يعيش معهم في ظل مملكة السندوني ألا وهو الأمير أنتيمون, هذا الأمير لا يشغل باله سوى بالقراءة والهيام وسط أسطر الكتب وكلماتها, لذلك فهو دائم العُزلة عنهم.

في ذاك المخدع الفخم يقف الأمير أقيانس أمام مرآته الحائطية ينظر نفسه وهو يرتب زيه العسكري ثم يلتفت للسرير ليقترب منه فيأخذ سيفه ويربطه حول خصره, ينظر لنفسه نظرة أخيرة ثم يخرج من مخدعه وهو يضع يده اليسرى على نصل سيفه الذهبي ليمشي في رواق القصر فمخدع شقيقه لا يبعد كثيرا عن مخدعه, توقف ليسأل أحد الحرس

الأمير أقيانس : هل ذهب الأمير بربار لذهبية المملكة

بعد أن ينحني الحارس له ثم يستقم يقول : كلا سموك لم يذهب, لا يزال في مخدعه

يقصد أقيانس مخدع شقيقة بربار فيخرج الأمير بربار من مخدعه ليُفاجأ بشقيقه فيبتسم أقيانس

أقيانس : لا تُغير عادتك أبدا

بربار بابتسامة : ولا أنت

أقيانس : هيا حتى لا نتأخر عن الاجتماع

بربار : هيا

مشى كليهما مع بعضهما البعض في أروقة القصر يقصدان ذهبية المملكة ثم توقفا واقتربا من سياج القصر العالي المطل على الحديقة الشاسعة حيث لحضا شقيقيهما أنتيمون وهو جالس على المقعد في حديقة القصر مغمضا عينيه مستمتعا بسماع صوت زقزقة العصافير وسطوع أشعة الشمس على وجهه وكأنها تطبع قبلتها العذرية, نظرا لبعضهما البعض وهما مبتسمان ثم أكملا طريقيهما بين ممرات القصر البديعة التصميم إلى أن وصلا للقاعة التي يُطلق عليها اسم “ذهبية المملكة” حيث انحنى لهما الحاجبان ثم فتحا الباب الضخم المطلي بالذهب والمزخرف بالزخرفة الفضية, أحد الحاجبين كان يصيح قائلا :

“الأمير أقيانس والأمير بربار”

دخلا القاعة المزخرفة بأرقى وأفخم الزخارف والمطلية بالذهب على الجدران جميعا, أعمدة ضخمة تنزل من السقف لتتشبث في أرضية القاعة حيث أنها منقوشة بنقشٍ فريد التصميم, أرضية القاعة بيضاء مشعة حيث يرى الشخص صورته منعكسة عليها, سقف القاعة مبهر للأعين وكأن الجان قد وضع يديه عليه وصممه, بعد بوابة القاعة الضخمة يأتي ممر طويل بين جانبيه أعمدة ومقاعد فضية على الجانبين للقادة ثم تأتي عتبات درج عشرة تؤدي لعرش الملك العظيم, على جانبي الجدران الأيمن والأيسر يمتلئ بالنوافذ التي تسمح لأشعة الشمس بالدخول للقاعة وعلى النوافذ تسدل ستائر جميلة.

أخذ كل من أقيانس وبربار بالمشي بالقاعة إلى أن وصلا هناك حيث يجلس كل من الشيهم والخرمس فألقيا التحية عليهما وردا التحية بالمثل

بربار : قد سبقتمانا!

الشيهم : دائما القادة عليهم من أن يسبقوا الأمراء

ضحك الجميع ضحك خفيف ثم قال الخرمس

الخرمس بسخرية : ولكن أبزينوم متأخرة كالعادة, لا بأس فهي بالنهاية مجرد امرأة ولابد من تأخرها

ابتسم البقية وهم ينظرون لبعضهم البعض ثم صاح الحاجب باسم أبزينوم ودخلت القاعة بكل شموخها وهي ترتدي زيها العسكري, تقبض مقبض نصل سيفها بيدها اليسرى, شعرها مجدول بجديلة للوراء, مشت إلى أن وصلت إليهم فألقت التحية

وردوا لها التحية عدا الخرمس الذي كان ينظر للقدح الذي بين يديه بنظرة وابتسامة ساخرة

أبزينوم : لم تردّ التحية يا خرمس؟

الخرمس نظرها باحتقار ثم قال : وهل عليّ أن أفعل!

أبزينوم : ولم لا تفعل يا خرمس؟

الخرمس : لستُ مضطرا لأن أرد التحية على امرأة

أبزينوم : ويحك! أنا لستُ بأي امرأة! وعليك من أن تخشاني!

نهض الخرمس من جلسته وهو يقول بأعلى صوته : بل ويحكِ أنتي, تقولين هذا الكلام لي وأنا الخرمس!

الحاجب : الملك قمبيز

اتخذ الجميع مقعده, دخل الملك بكل أنفته الملكية وهو يرتدي رداء ملكي بديع التصميم عليه تكون عباءة مزركشة الكمين والظهر, مشى الملك في القاعة حيث انحنى له الجميع, صعد عتبات الدرج ثم جلس على عرشه

الملك بهدوء مع هيبة الصوت : استقيموا

استقام الجميع ثم قال الملك وهو ينظر الخرمس بنظراته الجادة

الملك قمبيز : قد سمعتُ صراخك يا خرمس على أبزينوم, عليك أن تعي ويعي الجميع بأن أبزينوم مقربة مني ومن الملكة الدأماء, ثم إنها قلب السندوني

نظر الجميع لبعضه البعض في استغراب وصمت

الملك قمبيز : ومن يتجرأ أو يتلفظ عليها بأي شيء قد يُسيء إليها فكأنما فعل ذلك معي, فاحذروا غضبي من تصرفٍ شائنٍ قد يُغضبني

الملك : خرمس , قدم اعتذاراً يليق بأبزينوم ومكانتها العُليا لدينا

الخرمس بغيض : لكن يا مولاي ..

الملك مقاطعا الخرمس : ماذا قلت أنا تواً؟!

الخرمس وهو ينحني مُكرها لأبزينوم بكل حقد وكره وغيض منه لها يقول :

 اعذري .. اعذري سوء وطيش كلماتي يا قلب السندوني .. يا أبزينوم

الملك : استقم الآن يا خرمس وليسترح الجميع

يجلس الجميع

الملك : أنا لا أطلب منكم سوى أن تكونوا اليد الحديدية التي تحمي هذه المملكة واليد الرحيمة التي تحنوا على شعبها, فأنتم قوة هذه المملكة ونورها وبرجها العالي, أنتم قادة السندوني لا غيرها من الممالك, ثم لا تنسوا بأن باقي الممالك تستند على قوة هذه المملكة

ينظر الملك لمقعد أنتيمون الفارغ منه

الملك : أين الأمير أنتيمون؟

أُقيانُس : وجدته في حديقة القصر يتنعّم بنعيمها

الملك : هذا الأمير لا يتغيّر أبدا, حسنا, فلنبدأ اجتماعنا الآن

في مملكة السندوني هناك ملاكان صغيران ينشران البهجة والسرور في ربوع المملكة بعيدا عن كل شيء, ألا وهما الأميرة التامول والأمير التيهور ابني الملكين قمبيز والدأماء, هما يعدوان كملاكين في أروقة وممرات القصر يقهقهان, هما الآن يقصدان مخدع الأميرة يوح ولكنهما يصطدمان بعمهما الأمير أنتيمون في إحدى أروقة القصر

الأميرة التامول : عذرا يا عماه!

الأمير التيهور : فلتغفر لنا

الأمير أنتيمون انحنى ينظرهما بسرور النظر : إلى أين يبغيان ملاكيّ السندوني؟

الأميرة التامول : نقصد مخدع عمتنا يوح

الأمير التيهور : نريدها من أن تنزل لحديقة القصر وتلعب معنا

الأمير أنتيمون ابتسم ثم قال : حسنا, هيا اذهبا

انحنيا له ثم أكملا عَدوهما بينما هو كان ينظرهما بسرور النظر ثم أكمل طريقة هو الآخر يبغي مكتبة المملكة العظمى, فتح بوابة المكتبة ودخل وأخذ بالمشي بين أروقتها ثم توقف بجوار ركنٍ ما وأخذ بالنظر للرفوف ثم أخذ كتابه المنشود وقصد طاولة ما وجلس على المقعد حيث باشر بالقراءة في هدوء تام.

أما عن الأميرين التامول والتيهور فقد أخذا بدغدغة الأميرة يوح في فراشها في محاولةٍ منهما لإيقاظها

يوح : ابتعدا عني ودعاني أكمل نومي

الأميرة التامول : لا

الأمير التيهور : هيا عليكِ بالنهوض واللعب معنا

يوح بين النائمة والمستيقظة : اتركاني أيها الشريران أريد أن أنام

التيهور : لقد أطلّ الصباح ولازالتِ في سريرك!

التامول : هيا تعالي معنا فتنظري أزهار اللوتس التي تُزين الماء

التيهور : هيا لتستمتعي معنا بهذا النهار الطيب

التامول : أمي أيضاً تريد أن تراكِ وهي بالأسفل في الانتظار

تنهض يوح

يوح : تباً لكما

التيهور : لا تنسي غزلانكِ وطيوركِ التي يجب عليكِ إطعامها

يوح مع ابتسامة : فليكن

التيهور : نحن سنخرج الآن وسننتظركِ في الحديقة مع والدتنا

يوح : حسنا

نزل الصغيرين من على السرير وخرجا من المخدع في فرح بينما نزلت الأميرة يوح من على سريرها لتقصد شرفة مخدعها حيث أخذت باستنشاق الهواء العليل ثم نظرت للسماء بسرور النظر, اقتربت الجارية الخاصة بها

 

الجارية : لقد أعددت كل شيء لتنعمي بحمامكِ العطر أيتها الأميرة

يوح : حسنا

وبعد أن أخذت الأميرة يوح حمامها ثم ارتدت ملابسها التي هي عبارة عن رداء طويل مطرز بتطريز جميل, أخذت الجواري بتزينها وتمشيط شعرها وما إن انتهين حتى شكرتهن يوح ثم وقفت لتمشي بخطواتها وتخرج من المخدع لتمشي بسرعة المشي في ممرات القصر تقصد حديقة القصر الكبيرة حتى تنظم إلى الملكة الدأماء وابني شقيقها الملك الأكبر, نزلت من على عتبات الدرج وأخذت بالاقتراب من الملكة الدأماء التي تجلس على المقعد في حديقة القصر تنظر لابنيها التامول والتيهور اللذين يداعبان الأرانب الصغيرة

الأميرة يوح : صباح الخير

الدأماء بسرور النظر ليوح : ما أجمل الصباح برؤية جمالكِ يا يوح!

يوح : بل هو الأجمل برؤية جمالكِ أنتِ يا ملكة السندوني

انضمت الأميرة يوح للأميرين تلعب معهما في حين كان الملك يقف هناك في الأعلى ينظرهم بسعادة هو وشقيقيه أقيانس وبربار

بربار : ما أجمله من منظر!

أٌقيانس : أجل

نزل الملك بسعادة ليصل عائلته فجلس بجانب زوجته الدأماء بينما أكمل أقيانس وبربار طريقهما في القصر

الملك ليوح التي تُطعم الغزلان الثلاثة : ما أحوال غزلانكِ يا يوح؟

يوح بسعادة : ها أنا الآن أُطعمها بيدي كما ترى

الملك : فليكن

أخذ الملك بالنظر لزوجته بسرور كما هي, الخرمس كان يقف هناك في القصر العالي ينظرهم بعينيه المليئتين بالحقد والشر ثم اتخذ طريقة في ممر القصر يجر غضبه الشديد وراءه, كان هناك قلبا في السندوني يشعر بالخوف الشديد ألا وهو

قلب أبزينوم التي دخلت جناحها الخاص في قصر الملك ثم المخدع لتقترب من شقيقتها المريضة أكزينوم والتي تكون مستلقية على السرير

أبزينوم للخادمة التي تعتني بشقيقتها : كيف هي الآن؟

الخادمة : إنها بحالٍ أفضل الآن يا مولاتي

أبزينوم بابتسامة : كيف تشعرين يا غزالة؟

أكزينوم : إني في شوقٍ للعب مع التيهور والتامول

أبزينوم : لا, ليس قبل شفائك التام, هل اتفقنا؟

أكزينوم : اتفقنا

بعيدا عن مملكة السندوني وفي تلك الغابة الخضراء والمليئة بالشر الكامن والمتربص بالمملكة الطيبة يقبع مرمريس وأصحابه.

مرمريس وهو يختلي بنفسه جالساً على ذاك الجرف العالي فاردا ظهره مدقق حاد النظر للمملكة كمن يملك عين صقر في تلك الغابة التي يُسيطر عليها هو وعصابته والتي تصل ما بين السندوني ومملكة “الدينون”, مرمريس هذا احتل الغابة بعدما نفاه الملك “اليعبوب” هو وعصابته ( العنظوان, أعنص, الدرقل, الدرفاس, الدردم, أبزيمو, الديجور), ينظر مرمريس المملكة وهو يفكر بالانتقام من الملك اليعبوب بغزوة مملكة شقيقته الحبيبة “الدأماء” وإرسال رأسها له وابنيها رداً على نفيه له من مملكته هو وأصحابه, يكون “الدردبيس” مُتخفياً بين الأشجار يُراقب مرمريس ثم يريد الاستدارة ليُغادر بينما يفاجئه مرمريس بقوله :

مرمريس : كُف عن مُراقبتي يا دردبيس واهتم بشؤونك, فنمسٌ مثلك عيب عليه أن يتجسس على الناس

يستدير الدردبيس ناظراً مرمريس بتعجب دونما أن ينظره مرمريس وهو لا يزال على جلسته ونظرته لمملكة السندوني, يُكمل الدردبيس طريقة شاقا تلك الأشجار الكثيفة ليصل عند أصدقاءه المجتمعون في الغابة, العنظوان مع أعنص يشويان تلك الأرانب لطعام العشاء بينما الدردم تُحضر لهم المزيد من الحطب, أما عن الدرفاس فهو جالسا على الأرض يُنظف نصل سيفه الذي بين يديه بقطعة قماش, أبزيمو والديجور يتبارزان بالسيف

العنظوان : تُرى من برأيك سيهزم الآخر؟

أعنص : برأي الديجور سيهزم أبزيمو

يبتسم العنظوان ثم يقول للدردم التي تضع الحطب ثم تستدير لتأخذ رمحها الذي يكون مسندا على الشجرة

العنظوان : إلى أين؟

الدردم : الدردم لا تُسأل مثل هكذا سؤال

تغادر الدردم حتى تغيب بين تلك الأشجار الكثيفة

العنظوان بغيض : عليكِ اللعنة

أعنص يضحك

ينظره العنظوان بغضب حتى يكف أعنص عن الضحك

أعنص : حسنا لا بأس

تمشي الدردم في الغابة الشاسعة وبين تلك الأشجار ثم تسمع صوت الدرقل وهو يتدرب بحركات قوية وسريعة بالسيف, تُبعد أوراق الأشجار عنها لترى الدرقل

الدردم في نفسها تقول : لديك قوة لا يُستهان بها مطلقا أيها الدرقل, أتساءل فقط ما سيكون مصير كلٍ منا؟

تتركه الدردم مُكملة طريقها في الغابة, بينما في مملكة السندوني يقصد الملك قمبيز المكتبة ويدخلها حيث يقترب من شقيقة أنتيمون الجالس على الكرسي يقرأ في كتاب بانهماك شديد

قمبيز وبابتسامة السرور : أنتيمون يا روح أخيك

أنتيمون بابتسامة ناظراً لأخيه تاركاً للكتاب على الطاولة بعد غلقه : أخي العزيز!

قمبيز يتجه بخطواته لشرفة المكتبة, ينظر المملكة وهو يضع يديه خلف ظهره

الملك : أُعاتبك, لم تحضر اجتماع الذهبية لمناقشة أمور الرعيّة

أنتيمون يضحك ضحكاً خفيفاً : أمور الرعيّة! لقد أكثرت للرعيّة وأفضت وزدت عليها بحيث لم يبق للرعية أمور لتُدرس, ثم إن بقية الفرسان يُفيدونك أكثر مني, فما أنا سوى أمير هائم بين الكتب

قمبيز وهو ينظر أخاه : أنت أخي الصغير وروحي وروح السندوني, يجب أن تهتم أيضاً بشؤونك الأخرى, فأنت مثلا لم تأتِ معنا للتدريب على السيف منذ زمنٍ طويل أو حتى استخدامه, ويداك لم تتعود إلا على حمل الكتب

أنتيمون : ما حاجتي لحمل السيف والسندوني تنعم بالأمان!

قمبيز : قد لا تنعم يوماً يا أنتيمون, وعليك أن تخشى ذاك اليوم

ينظر أنتيمون أخيه بعين الاستغراب

أنتيمون : تقلقني بحديثك هذا يا أخي!

الملك قمبيز ينظر المملكة : السندوني, عندما كنتُ صغيرا سألتُ جدي سؤالا, لمَ مملكتنا اسمها مملكة السندوني؟ ماذا يعني هذا الاسم الغريب؟

أجابني قائلا : عليك بتفرقة أحرف الكلمة حتى تتضح لك معالمها

فقلت له : كيف؟

أجابني : السَند هو ما يُستند عليه وشعبنا يستند على حُكمنا للمملكة, هذا بالإضافة لاستناد مملكة الدينون علينا في عدة أمور ومجالات فمن دون مملكة السندوني لا تستطيع الدينون من الصمود

قلت له : حسنا, هذا بالنسبة للسند, وماذا عن “وني”؟

أجابني قائلا وهو يضحك : بأن والدته هي من أضافت الثلاثة أحرف المتبقية لتُعطي للكلمة نغمة جميلة عند اللفظ بها

نظر الملك قمبيز لشقيقه المبتسم ثم قال : السندوني مملكة عظيمة توارثناها أبا عن جد, وما علينا نحن سوى بالاعتناء بها وحمايتها

أنتيمون : مم تخشى أيها الملك؟

صمت الملك قليلا وهو ينظر شقيقه ثم قال له

الملك : عمت مساءا يا أخي الصغير

أنتيمون ابتسم : لم أعد صغيرا, عمت مساءا أيها الملك

غادر الملك قمبيز في هدوء بينما كان شقيقه أنتيمون ينظره بتوجس فقد أدخل الخوف في قلبه الهادئ.

أكمل الملك طريقه بين ممرات القصر ووصل لمخدعه ودخل حيث توقف لينظر زوجته التي تقف في شرفة المخدع, ابتسم مسرورا ثم أخذ بالاقتراب منها وشم شعرها المتطاير بفعل الرياح البسيطة

الدأماء دونما النظر له ابتسمت وقالت : دوما ما تفعل ذلك, تشتم رائحة شعري

قمبيز : يعجبني ذلك كثيرا

التفتت إليه قائله : كل يوم يمر عليّ أغرق في هواك أكثر وأكثر

ابتسم قمبيز وضمها لصدره ثم نظر لمملكته وغابت الابتسامة عنه, خلدا كليهما للنوم في هناء, وما إن انتصف الليل حتى استيقظ الملك قمبيز من نومه فزعا, أخذ يتنفس بصعوبة, نهضت الدأماء من نومها وكلها خوف عليه

الدأماء : عزيزي! ما بك؟

نزل الملك قمبيز من على السرير وقصد شرفة المخدع بينما الدأماء كانت تتبعه وفي يدها قدح ماء

الدأماء : هاك اشرب

شرب رشفة من القدح ولكنه لازال في توتره الشديد, عاد ليجلس على السرير بينما وضعت الدأماء القدح على الطاولة ثم اقتربت منه لتجثوا أمامه

الدأماء : ما بالك عزيزي؟

قمبيز : ذات الرؤية! ذات الرؤية!

الدأماء : أيّ رؤية؟ ما فحواها؟

قمبيز : لا, ما كنتُ لأخبر أي أحدٍ عنها

الدأماء : هوّن عليك, تظل أضغاث أحلامٍ لا غير

استلقى الملك على سريره بينما جلست الدأماء بجانبه وأخذت بالمسح بيدها اليمنى على جبينه وخده الأيمن

الملك : أرسلي في طلب أبزينوم وتعاليا معا دونما أن يراكن أي أحد لذهبية المملكة بسرعة

نزل الملك من على سريره وارتدى عباءة

الدأماء : ولكن يا عزيزي

الملك : هيا

خرج الملك من مخدعه بينما قصدت الدأماء مخدع أبزينوم التي ارتدت عباءتها هي الأخرى كالدأماء وقصدتا ذهبية المملكة كما أمر الملك, دخلتا الذهبية وأخذتا بالاقتراب من الملك الواقف هناك ينظر عرشه, دخل بعدها أقيانس وبربار وأنتيمون فأخذ الجميع بالنظر لبعضه البعض باستغراب تام, استدار الملك قمبيز ينظرهم جميعا ثم قال :

الملك قمبيز : أبزينوم, تعالي واقتربي مني

اقتربت أبزينوم منه فقال لها

الملك : اصعدي على عتبات الدرج إلى أن تصلي للعرش

فعلت ذلك وسط استغراب الجميع وما إن وصلت هناك حتى قال لها الملك

الملك : أزيحي العرش من مكانه

نظرته أبزينوم باستغراب ثم فعلت ما أمر وكان الأمر شاقا عليها فهي استجمعت كل قواها حتى تُزيح العرش من مكانه ولكنها لم تتمكن من فعل ذلك

الملك : انتزعيه مع البلاط فهو مثبتٌ به

نظر الجميع لبعضه البعض بذهول ثم فعلت أبزينوم ما طلبه منها الملك وبعد جهد ومعاناة استطاعت من أن تنتزع العرش المثبت بالبلاط فبان للجميع بأن تحت العرش سلم يؤدي لظلمة قاتمة

الملك أخذ الشعلة من على الجدار ثم قال لأنتيمون : هل باب الذهبية مقفل؟

أنتيمون : أجل يا مولاي

الملك : فليتبعني الجميع

تبع الجميع الملك الذي أخذ بالنزول من على عتبات الدرج الذي كان يؤدي إلى ممر سري تحت المملكة, توقف الملك ثم قال للجميع

الملك : هذا الممر يؤدي لخارج مملكة السندوني, ما إن تُحسون بالغدر والخيانة إلا وعليكم بسلك هذا الممر السري حتى تخرجون من المملكة بأسرها, ولتكتموا ما أبحتُ لكم جميعا

عاد الجميع لمخادعهم بعدما سمعوا ما سمعوا من الملك, الملك يخشى شيئا عظيما مرعبا, ولكن ما هو؟ هذا ما سألته الدأماء له ولكنه لم يكن ليجبها عن سؤالها قط.

أما بالنسبة لمرمريس وعصابته فقد كانوا يجتمعون في تلك الغابة الشاسعة حول تلك النيران المشتعلة, نهضت الدردم من جلستها وقصدت رمحها المسند على الشجرة أخذته فقال لها العنظوان

العنظوان : إلى أين؟ الليل حالكٌ جدا

التفتت له الدردم تنظره بنظرات جادة ثم استدارت تمشي حتى اختفت بين تلك  الأشجار الكثيفة

الدألان : لا تخف عليها إنها مُعتادة, ثم لمَ اسمها الدردم إذاً!

ينهض الدردبيس من جلسته : سأخلد للنوم, عمتم مساءا

مرمريس : ألا تُسامرنا قليلا؟

الدردبيس : ليس لي ميل في ذلك الليلة

مرمريس : فليكن, عمت مساءا

يقصد الدردبيس تلك الشجرة الكبيرة فيفرش له رداءة الذي كان على ظهره ثم يستلقي عليه

الدردبيس في نفسه يقول : عليك اللعنة يا مرمريس

يغمض عينيه بينما مرمريس ينظره بعينيه الخبيثتين

ينقضي الليل بظلمته ليكشف نور الصباح عن وجهه البرّاق فتستيقظ الحياة معه, الملكة الدأماء مع أبزينوم في مواجهة شرسة بالسيف في حديقة القصر الكبيرة, الملك قمبيز يقف هناك في قصره العالي ينظرهن بعينيه الجادتين النظر, هو يفكر بأشياء كثيرة تشغل باله وفكره الملكيّ

الملكة لأبزينوم وهي تبارزها : كيف أصبحت شقيقتكِ؟

أبزينوم : إنها بخير وقد تصول وتجول اليوم في القصر مع الأميرين

الملكة : ما أسعدني بهذا الخبر فهما في شوقٍ لذلك!

أبزينوم : عليكِ أن تتدربي أكثر يا مولاتي على السيف لأنكِ لم تعودي تُحسنين القتال

يقترب أُقيانس مع بربار من الملك فيقفان بجانبه ليُشاهدا مبارزة الملكة وأبزينوم

يصيح بربار على أبزينوم : أبزينوم, هل ترضين بي خصماً لكِ؟

أبزينوم وهي لا تزال تُبارز الملكة المبتسمة : أرضى, لكن اليوم ليس يومك, غداً هو يومك

يقترب أنتيمون من إخوته

أنتيمون : ويلك إذاً يا بربار

بربار وهو ينظر أخاه أنتيمون : كما قلت, ويلي فعلاً

يضحك الأخوة عدا الملك, ينظرونه جميعهم ثم يتركهم مغادرا

أقيانس : ما بال أخي؟

أنتيمون : أسأل ذات السؤال, وما من إجابة

بربار : دعونا نلحق به فنعلم ما يكدر خاطره

لحق الأشقاء الثلاثة بشقيقهم الملك ليعلموا منه ما يكدر خاطره, وفي مجلس الملك الخاص ومع إصرار الأشقاء معرفتهم بسبب تغير مزاج شقيقهم الملك أفاض لهم بما في جعبته

الملك : سأخبركم, ولكن لا تفصحوا لأحد عما سأقوله لكم

أقيانس : وهل نفعل أيها الملك!

الملك : رأيت رؤية لم أرها قط في حياتي

بربار : رؤية تكدرك لهذه الدرجة؟ ما فحواها يا أخي؟

الملك : رأيت السندوني تحترق, ويُباد شعبها عن بكرة أبيه, ورأيت هولا ونارا وعذابا, تُسبى النساء, ويُركّع الأمراء, ويُقتل الصغير قبل الكبير, يسقط ملكي وتاجي وعرشي في يد الباطش الجبّار, ويحل عهد الظلام بعدها

بربار : ويلاه!

أقيانس : أضغاث أحلامٍ لا أكثر ولا أقل

الملك : رأيت هذه الرؤية ثلاث ليالٍ تباعا, هل تظن بأنها أضغاث أحلامٍ يا شقيقي العزيز؟!

ينظر الملك لأنتيمون الجالس ولم يتفوه بكلمة

الملك : لم تنبس ببنت شفّة يا أنتيمون, هل عرفت تفسير الرؤية؟

ينظر الجميع لأنتيمون, يقف أنتيمون من جلسته ثم يقول :

أنتيمون مع ابتسامة خفيفة : لا, وما علمي بالرؤى وتفسيرها؟ أستميحكم عذرا

يخرج أنتيمون من مجلس الملك الخاص فيتغير وجهه وكأنه رأى هولا, فهم أنتيمون فحوى رؤية الملك ولكنه لم يكن ليفسرها لهم فيزيد من خوفهم.

أما في قاعة التدريب الملكيّة الشاسعة والمصممة جدرانها بطريقة تجعل أشعة الشمس تدخل إليها من كل جانب يكون هناك الخرمس يتدرب على السيف ويتلاعب به بخفةٍ وليونة, يقترب الشيهم منه

الشيهم : لقد ظهرت القرعة يا خرمس

الخرمس دونما النظر للشيهم أو التوقف : وأنا من سأواجه؟

الشيهم : أنت ستواجه الأمير أُقيانُس

الخرمس يتوقف لينظر للشيهم : وأنت مع من؟

الشيهم : أنا مع الأمير أنتيمون

الخرمس : والبقيّة؟

الشيهم : البربار مع أبزينوم هذا عدا عن بقية الأمراء المُشاركين ومن عامة الشعب أيضا

الخرمس في نفسه : ليت اسم أبزينوم جاء مع اسمي لأهزمها شر هزيمة وأُمرّغ وجهها في التراب

الشيهم : ما بك؟ أنت كثير شرود الذهن! والآن أستأذنك لأذهب فأُلاقي وَصَف

الخرمس مع ابتسامة : احتفظ لي ببعض هذه المشاعر

يضحك الشيهم وهو يُغادر القاعة يقول : سأفعل, فأنت المسكين الوحيد في هذه المملكة الذي لا يملك حبيبه

يُغادر الشيهم بينما تغيب الابتسامة عن شفتاي الخرمس, يضع سيفه على كتفة الأيمن في حين عينيه تكون مملوءة بالشر.

في حين يستعد الجميع في مملكة السندوني للحفل؛ هناك أيضا من يستعد له خارج المملكة في تلك الغابة الشاسعة.

يقف مرمريس واضعا يديه على خصريه يصيح بأعلى صوته

مرمريس : عنظوان, أعنص, درقل, درفاس, دردم, ديجور, أبزيمو, أسيتون

يقترب مرمريس ليوقظ الدردبيس من نومه على الأرض بجانب الشجرة الكبيرة

مرمريس وهو يلكز الدردبيس بيده : استيقظ

الدردبيس : أيقظني صوت جعيرك دون يدك

مرمريس : حقاً!

يقترب الدرقل من مرمريس ثم يقترب البقية

الدرفاس وهو ينظر الدرقل بتعجب : كيف وصلت قبلنا وأنت كنت تبعد عنا كثيراً في المسافة؟!

الديجور : إنه الدرقل يا رجل

الدرفاس بتعجب : وهل يملك رجليّ جنيّ!

مرمريس : صمتاً, استمعوا إليّ جيداً, غداً مملكة السندوني تُقيم احتفالاً تُطلق عليه احتفال “المُسايَفة” وبعده بخمسة أيّام ستقيم المملكة احتفالاً آخر بعيد مولد ملكتهم الدأماء, وقبل هذا اليوم يُرسل شقيق الملكة الدأماء الملك اليعبوب بموكبٍ لشقيقته يحمل لها من الهدايا الثمينة الكثير, ولهذا ستتربصون لي بهذا الموكب لنكون نحن الموكب الذي سيقصد السندوني, لذلك وبما أن الدردم والدألان والديجور يُجيدون استخدام الرماح فأريدكم أن تكونوا خلف الأشجار, أمّا عن أسيتون والعنظوان وأعنص والدرقل فبما أنهم يُجيدون استخدام السهام فأريدكم على الأشجار, أما أنا وأبزيمو والدرفاس فلا نجيد سوى السيف فلذلك سنكون من يُحيط بالموكب

الدرقل : وماذا عن الدردبيس؟

مرمريس وهو ينظر الدردبيس الجالس على الأرض : بما أنه لا يحتاج لسلاح وقواه الجسدية تكفيه وحواسه تقوده فهو من سيتقدمنا ليُخبرنا بوصول الموكب

يرفع الدردبيس رأسه لينظر مرمريس فيبتسم ابتسامة بسيطة خبيثة.

تمر الأيام ويأتي اليوم المُنتظر في مملكة السندوني وهو يوم المُسايفة حيث يكون الملكان جالسان على عرشيهما يُحيط بهم أبنائهم والأميرة يوح وشقيقة أبزينوم أكزينوم يُحيط بهم الجُند من كل جانب والشعب هناك مُحتشد في تلك الساحة الكبيرة, يكون الدور الأوّل لأبزينوم والبربار للمبارزة فيتبارزان على المنصة أمام الجميع وتكون مبارزة شرسة قوية

أكزينوم : هيا يا أبزينوم اهزميه

الأميران الصغيران : أجل هيا

يبتسم كل من الملكان والأميرة يوح

الملك للملكة بصوتٍ خفيف مع ابتسامة : يُشجعان خصم عمهما

الملكة بابتسامة : لا تلمهما, فهي أبزينوم وأخت أكزينوم

يضحكان بصوتٍ خفيفة

وبعد طول مبارزة يُنهي الحكم المسايفة بينهما بانتصار أبزينوم

يقترب البربار من الصغيرين ليقل لهما : أيها الخائنان, حسابكما فيما بعد

أبزينوم تقف خلفه وسيفها على كتفها تقول بابتسامة : ابتعد عن مُشجعيّ

البربار يلتفت ينظر لها : هذه خيانة!

تبتسم أبزينوم وهي تنظر البربار يجلس بجانب أقيانس وأنتيمون

الحكم وهو يقرأ اسم المتبارزان من الورقة : والآن دور الشيهم والأمير أنتيمون

يتبارز كل من الشيهم والأمير أنتيمون على منصة المبارزة دونما أن يهزم أحدهما الآخر ثم وبعد طول قتال يهزم الشيهم أنتيمون وسط استياء الملك من ذلك.

الحكم وهو يقرأ الورقة التي بين يديه : الأمير أقيانس وقائد الجيوش الخرمس

يقف الاثنان وهما ينظران لبعضهما مع ابتسامة بسيطة, يصعدا المنصة فيبدآن بالقتال في مبارزة شرسة جداً ينتهي وقتها بهزيمة الخرمس لأقيانس

أقيانس بابتسامة وهو يلهث من التعب : يال قوتك يا خرمس!

الخرمس بابتسامة أيضاً وهو يلهث من التعب : وأنت أيها الأمير, فقد هزمتك في آخر رمقٍ لدي

الجميع يُصفق لهما

الملكة بسرور للملك : نحن نحتاج لهذه القوة

الملك بنظراته الجادة للخرمس : أجل, نحن كذلك

انتهى حفل المسايفة وانقضى الوقت حتى حلّ الليل, أقيانس كان يقف في شرفة مخدعه ينظر النجوم في السماء بتمعن بوجهٍ جاد الملامح, تدخل الأميرة يوح المخدع لتقترب من أخيها

يوح بابتسامة : كنت عظيماً اليوم في المبارزة

أُقيانس دونما النظر لأخته : أجل, ربما

يوح : فيمَ التفكير؟

أُقيانس : عندما كان الخرمس يُبارزني لم أر في عينيه سوى قاتِلي, كان يمسك بالسيف وكأنه يريد قتلي بالفعل

تضحك يوح ضحكاً خفيفاً : البحر العظيم يخاف من الليل المظلم! بحرٌ مثلك عليه بإرهاب كل إنسان يُحاول أن يقترب من عظمته وقوته

أٌقيانس : دعينا من كل هذا الآن وقولي لي, هل أنتِ مستعدة للغد؟

يوح بعدم انبساط : آه تعلم بأن يوماً كهذا يُتعبني خاصة الشمس التي ستُضايقني بأشعتها على وجنتاي

أُقيانس : من يسمعك الآن يستغرب قولكِ وأنت اسم من أسماء الشمس! أنتِ شمس السندوني فلا تبخلي بظهوركِ للشعب

يوح : دائماً ما تُقنعني بكلامك المعسول هذا, على كل حال لم أكن لأفوّت يوماً يجمعني بأعظم أخوة في هذا الوجود

تقبل يوح جبين أخيها

يوح : ليلة هانئة

أُقيانس بابتسامة : ولكِ يا شقيقتي الجميلة

تُغادر يوح ليعود أُقيانُس لخوفه وهو ينظر السماء, خوف أقيانس كان له مبرر أو ربما كان ليشعر بالخطر قبل حدوثه.

أخذت الأميرة يوح بالمشي في ممر القصر حتى وصلت لباب مخدعها, انحنى لها الحاجبان ثم فتحا لها الباب فدخلت لتقترب من شرفة مخدعها تنظر السماء ونجومها بسعادة دونما أن تستشعر لأي يخطر قادم عليهم وعلى المملكة, في هذه الأثناء تذكرت الأميرة رؤيتها للباسل

 

(ذكرى الأميرة يوح القديمة)

تتذكر الباسل وهو واقفا أمامها حيث يضع الشاهين على يدها اليمنى وهما يتبادلان نظرات الإعجاب تعود يوح من ذاكرتها الماضية لتنظر لحديقة القصر فترى شقيقها

الملك قمبيز يمشي في الحديقة مع زوجته الملكة الدأماء, تبتسم ثم تذهب لتخلد للفراش

الدأماء لزوجها الملك : أتساءل لم تأخر شقيقي بإرساله لهديتي هذا العام؟

الملك : علّه يود مفاجأتنا بشيء

تبتسم الدأماء : ربما

ينقضي الليل بظلمته ليطل صباح يومٍ جديد على مملكة السندوني حيث تكون الأميرة يوح قد تجهزت وارتدت ثوبا أميريا رائع التصميم مع تاج بسيط يُزين رأسها, خرجت من مخدعها تمشي في سرعة تبغي مخدع شقيقها الملك قمبيز الذي كان في مخدعه حيث تساعده زوجته الدأماء على ارتداء بُردته الملكية فيُمسك بيديها

الملك : أعشقكِ يا دأماء

الدأماء : أعلم, أسمعها وأشعرها دونما أن تتلفظ بها

الملك : هل تذكرين أول لقاء لنا؟

الدأماء : بالتأكيد

الملك : كنتِ مشاركة في سباق الخيل الملكي وأنا أيضاً, وقد سبقنا الجميع وكنت أريد هزيمتكِ كما أنتِ حتى طار وشاحكِ على وجهي فاختل توازني وسقطت عن ظهر الخيل

الدأماء بابتسامة : أجل, وتوقفت أنا بخيلي مسرعة لك تاركة السباق والنصر, فكنت أنت بين النائم والمستيقظ, عندما اقتربتُ منك وأخذتُ بيدك مسكت بيدي بقوة

وقلت : أنتِ خُلقتِ لي

ثم أتى الجند وأخذوك, ثم وبعد شهر أتيت أنت طالباً لي كعروسٍ لك

الملك : لم تغيبي عن فكري ولا دقيقة واحدة مذ رأيتكِ

الدأماء : ولا أنت أيضا, أحسستك تجري بدمي

تدخل يوح المخدع

يوح ببعض الارتباك : هل قطعت شيئاً؟

قمبيز بابتسامة : تباً لكِ

يوح : فليكن, هيا  أسرعوا

قمبيز : أيتها الحقودة ماذا تريدين؟ ثم كيف أنكِ مستيقظة مبكراً هكذا؟! العادة يجتمع الجميع لإيقاظك

يوح : ليس بعد اليوم, فأنا شمس السندوني, وشمس السندوني يجب أن تستيقظ قبل الجميع, اُقيانُس قال لي ذلك

تتركهم مغادرة فيضحك الملكان ضحكاً خفيفاً

تقصد يوح مسرعة مخدع شقيقها أقيانس فتدخل لتراه يمشط شعره

يوح : ألم تجهز بعد!

تقترب لتأخذ البردة الملكيّة من على السرير فتُلبسها أخاها

أقيانس : ها أنتِ الآن الشمس بحق

يوح : بالتأكيد, سأذهب لأرى بربار

يقترب بربار من خلفها ليضمها

بربار : لا أحتاج أحداً لرؤيتي فأنا جاهز

يوح : بربار!

يضحك أقيانس

أما عن الخرمس فقد استعد وارتدى زيه العسكري وهو يقف أما المرآة في مخدعه ينظر لنفسه وكل الشر يعتريه, أبزينوم كذلك خرجت من مخدعها وهي مرتدية لباسها العسكري, يلتقي كل من الخرمس وأبزينوم هناك عند العربات الملكية ليصعد كل منهما خيله, ينظر الخرمس لأبزينوم ثم يبتسم ويومئ لها برأسه فتبتسم هي أيضا وتبادله نفس الإيماءة, يقترب الشيهم منهم ليصعد على خيله

الشيهم : طاب صباحكم

الخرمس وأبزينوم : وصباحك

الشيهم : استعدوا فقد وصل الجميع

الملكين قمبيز والدأماء مع أُقيانس وبربار ويوح يقتربون من العربات الملكية

الملك لأشقائه : أين أنتيمون؟

يقترب أُقيانس منهم : لم أجده في مخدعه

بربار : لابد وأنه في حديقة القصر من الجانب الآخر أو في المتاهة

يوح : سأذهب لأبحث عنه

تقصد الأميرة يوح الجانب الآخر من الحديقة حيث ترى شقيقها أنتيمون هناك

يوح : أنتيمون, هيا هذا ليس وقت الهيام

تقترب منه حيث يكون جالساً على المقعد

يوح : أنتيمون!

أنتيمون : اهدئي

يُشير بيده اليمنى لها لتقترب منه فتقترب باستغراب

أنتيمون وهو ينظر الشمس : أنظري للشمس عندما تسطع بنورها على هذه الحديقة, تُعطيها الحب والحنان من نورها وأشعتها بهدوء وسكينة دون أن تُزعجها أو تخدش حيائها

تُمسك يوح بيد أخيها اليمنى وهي مبتسمة

يوح : علينا الذهاب

أنتيمون ناظراً لها بابتسامة : حسنا

اتخذ الجميع موقعه وانطلقت العربات الملكية تجرها الخيول, وبين طرقات المملكة اتخذت العربات الملكية مسيرها بينما الشعب المحتشد الذي كان ينظر الأسرة الملكية في ترحيبٍ منه حيث ينحنون لهم ثم يرمون بتلك الورود التي بين أيديهم عليهم, أبزينوم والخرمس والشيهم على صهوة خيولهم يتقدمون الموكب الملكي,

ينظر الخرمس بحقده للشعب الذي يُحي الملك الكريم وأشقائه بينما الشيهم وأبزينوم ينظرون لهم بسعادة كما المِلكين اللذين يلوحان بأيديهما للشعب.

أما في هذه الأثناء وفي تلك الغابة يكون الدردبيس مُختلياً بنفسه وهو واقفاً ينظر لذاك النهر العظيم الذي يشقها, تقترب الدردم منه

الدردم : دردبيس, لِمَ تريد غزو مملكة السندوني معنا برغم أنك لم تنل الأذى من الملك اليعبوب, فنحن كلنا منفيون أما أنت فهذه الغابة دار قرارك ولا شيء لك ضد السندوني أو الملك أو الملكة!

دردبيس وهو يلتفت لها مع ابتسامة : مرمريس وعدني بأن تكون لي مكانة في السندوني بحيث ينحني لي شعبها, وأنا طوال عمري وحياتي أحلم بأن ينحني لي إنسان ولم يتحقق هذا الحلم بعد, لكني أظنه سيتحقق الآن, ستكون لي مكانة بين الناس وسينحنون لي وسأملك الذهب ولو بآخر أيّام حياتي

تنظر الدردم له بكل استغراب

الدردم : أَوَ هذا ما يُحركك؟!

الدردبيس : ليس بالأمرِ الهيّن

ويمر ذاك اليوم بليلته المشئومة ومرمريس وأصحابه في تدريب تام استعدادا ليومهم المنتظر, يصل الموكب الملكي المبعوث من الملك اليعبوب لشقيقته الدأماء الغابة, الدردبيس واقفاً في الغابة ينظر لبُعدٍ بعيد, يقترب منه مرمريس

مرمريس : ماذا ترى؟

الدردبيس : ابتهج, سيصلون قريباً, إنهم يشقون طريق الغابة

يبتسم مرمريس ابتسامته الشريرة

مرمريس : قد أتوا لحتفهم إذا

أصحاب مرمريس كلٍ في موقعه, أسيتون والعنظوان وأعنص والدرقل على الأشجار بينما الدردم والديجور والدألان فمتخفون خلف الأشجار برماحهم, أما عن مرمريس وأبزيمو والدرفاس فمتخفون أيضاً بسيوفهم خلف الأشجار عدا الدردبيس

الذي يقف في منتصف الطريق ضاما يديه حول صدره مع ابتسامة خبيثة بسيطة, يقترب الموكب المبعوث من الدردبيس الذي يقف الطريق

قائد الجند الحامي للموكب وهو على صهوة الخيل : تنحَّ عن الطريق يا هذا فإنه موكب ملكيّ

الدردبيس بابتسامة خبيثة : وما وقفت ها هنا إلا لأني أريد هذا الموكب

يهجم مرمريس مع أصحابة على الموكب في حين تقوم الدردم مع من معها برمي الرماح على الجند كما يقوم البقية برمي السهام وهم على الأشجار

الدردبيس واقفاً ينظر للجند اللذين يتساقطون واحداً تلو الآخر : لا حاجة لي على ما أظن

مرمريس يُقاتل قائد الجند بالسيف حتى يطعنه

قائد الجند وهو ينظر مرمريس ويُنازع الموت : حللت على نفسك اللعنة

مرمريس وهو ينظف سيفه من الدم ناظراً للقائد الذي تفارقه الحياة : أعلم

لم يكن لأحد ليعلم بما حل بالموكب الملكيّ الذي أرسله الملك اليعبوب لشقيقته, أما عن الملكين فقد كانا يجلسان على عرشيهما في ذهبية المملكة معهما أشقاء الملك

الملك مُحادثاُ الشيهم الماثل أمامه : ما هُنالك يا شيهم؟

الشيهم : مولاي الملك وكما تعلم بعد يومين يأتي اليوم الكبير وهو يوم الاحتفال بعيد مولد الملكة الدأماء, فأنا أطلب من جلالتك بأن تتكرم عليّ بالسماح لي بأن أُقيم حفل زفافي في اليوم الجليل القادم

ينظر الملك للملكة باسماً

الملك : ننظر بهذا الأمر لاحقاً

يُصاب الشيهم بخيبة الأمل فيضحك الملك

الملكة بابتسامة وهي تضع يدها على يد زوجها : مولاي ترفق به

الملك : لو أنك تنظر لنفسك الآن يا شيهم, حسناً فليكن, أسمح لك

يُسر الشيهم بذلك, الجميع مسرور سعيد ولا يعلمون بعد ما يدبره الدهاء من دهاء.

يصل الموكب الملكي لمملكة السندوني في الليل فيُسمح له بالدخول ويُرشد أحد جند المملكة المبعوثون للمكان الذي سيستريحون به

الجندي : طابت ليلتكم الليلة وغداً لكم يومٌ آخر بمقابلة الملكين

يُغادر الجندي الجناح الملكي بعدما ينحني لمرمريس وأصحابه, يظل الجميع ينظر لفخامة الجناح

أعنص : هل سننام جميعاً هنا؟!

مرمريس : ألا ترى الجناح وما يحمل من مخادع! كلٌ له مخدع

يضحك الجميع على أعنص

أعنص : حسنا, فليكن, سأذهب لأختار لي مخدع إذا

مرمريس في نفسه يقول : غدا أحقق انتقامي يا يعبوب

هو الليل البهيم والجميع نائم في راحة بال وهناء في تلك المملكة الغناء دونما أي شعورٍ بالخطر المتربص بهم, الملك قمبيز كان نائم في سلام في فراشه بجوار زوجته الملكة الدأماء حيث رأى رؤية مزعجة كانت فحواها

 

(الرؤية)

يرى قمبيز بأنه جالسا على عرشه ثم يظهر الخرمس من وراء العرش ينظر قمبيز بعينيه الشريرتين, يقترب من الملك فينزع من إصبعه السبابة في يده اليمنى الخاتم ثم ينزل من على عتبات الدرج بينما الملك لا يستطيع من أن يفعل شيء هو ينظره فحسب وكأن حركته مشلولة تماما, يفتح الخرمس باب الذهبية الملكية ليُدخل الملكة الدأماء

الدأماء بخوف تنظر زوجها : قمبيز, ساعدني

يحاول الملك أن يتحرك ولكنه لا يقوى على ذلك

ينهض الملك من نومه فزعا, ينظر للدأماء ثم ينزل من على السرير ليقصد شرفة المخدع يستنشق بعض الهواء العليل

الملك قمبيز في نفسه : ما هذه الرؤية المفزعة؟!

وفي بقعة ما من مملكة السندوني هناك كان يلتقي الشر بالشر, يقترب مرمريس وهو يمشي مُتخفياً من رجل مُتخفي برداء أسود طويل وهو على صهوة خيله

مرمريس وهو ينظر الرجل الممتطي الجواد : طلبتني, فما وراءك؟

يُطل صباح جديد على مملكة السندوني؛ صباح كله سعادة وبهجة وفرح, الشعب بأسره يستعد للاحتفال بهذا اليوم وهذه الليلة التي ستأتي, السندوني مُزينة بأحلى وأروع زينة كعروس في ليلة زفافها, يصعد الملك بالملكة العربة الملكيّة وهما يرتديا لباس الفروسية

الملكة بابتسامة : إلى أين ستأخذني وقد طلبت مني أن أرتدي لباس الفروسية؟

الملك : تعرفين, لا داعي للعجل, انطلق يا قائد العربة

وما إن يصلا للمكان المنشود حتى يُنزل الملك الملكة من العربة وهو آخذاً بيدها وهي مُغمضة العينين

الملك : افتحي عينيكِ الجميلتين

تفتح الملكة عينيها فترى ذاك المكان البديع

الدأماء وهي تنظر زوجها : هو المكان الذي أخبرتك فيه بأني أحمل طفلك

الملك : أجل هو

يُصفق الملك بيديه فيخرج له خادمان من خلف الأشجار يجران جوادين رائعين

الملكة وهي تنظر زوجها : لذلك طلبت مني أن أرتدي لباس الفروسية!

الملك : أجل

وانطلق الملكان على صهوة الجوادين يعدوان بهما وكلهما سعادة في ربوع المملكة الغناء, ثم وصلا إلى غدير ماء فتوقفا ليترجلا من على صهوة الجوادين, اقتربا من الغدير فجلسا بجواره

الملك : أريد أن أهديكِ هديتكِ اليوم

الملكة : دعها إلى الليلة

الملك : الليلة أهديكِ شيئاً آخر

الملكة : حسناً, ما هي هديتك؟

يُمسك الملك بيد زوجته اليمنى ليضعها على فمه

الملك : أهديكِ قبلاتي

ينفث في يدها هواء من فمه

الملك : أهديكِ أنفاسي

ثم يضع يدها على قلبه

الملك : أهديك دقات قلبي

يضمها لصدره

الملك : أهديكِ كلّي يا دأماء

الدأماء وهي تطوقه بيديها : أعشقك

الملك : وأنا أشد

يمر الوقت على الملكين بسعادة ثم يقررا العودة, وفي أثناء عودتهما للقصر تكون الشمس تُفارق بأشعتها السندوني, يصعد الملكان الدرج الطويل المؤدي للقصر بسعادة.

أما عن أقيانس مع البربار وأنتيمون والخرمس يكونون مجتمعون في مخدع الشيهم حيث يرونه وهو يستعد للحفل

أقيانس وهو واقف : ذكرتني بأخي الملك عندما كان يستعد لحفل زفافه

الشيهم وهو يقف ينظر نفسه في المرآة : أكان مرتبكاً مثلي الآن؟!

بربار وهو جالساً على الكرسي : بل أشد

الشيهم : لكني لم ألحظ ذلك عليه!

أنتيمون : هذا لأنه الملك, والملوك لا يُظهرون مشاعرهم أبدا

الخرمس يقترب من الكرسي المجاور لكرسي أنتيمون فيجلس عليه : آه, ومنك نستفيد أيها الأمير

يضحك الجميع

أقيانس : سأذهب لأستعد أنا أيضاً للحفل

بربار : أجل وأنا أيضاً, فليس العريس هو من يستعد فقط

الخرمس : وأنا أيضاً

يريد الجميع الخروج من المخدع

الشيهم : وتتركوني وحدي!

أقيانس : لا تقلق لن تأتيك وصف لتأكلك الآن

يضحك الجميع ثم يُغادرون المخدع

الشيهم : تبا لكم جميعا!

في هذه الأثناء يكون الملك قمبيز في مخدعه يرتدي لباسه وهو يفكر بتلك الرؤية التي رآها, تقترب الدأماء منه

الدأماء : ما بالك يا عزيزي؟ لمَ كل هذا التجهم؟

الملك : قد رأيت البارحة مناما قد أفزعني

الدأماء : خيرا, ما رأيت؟

الملك : لا تشغلي بالكِ الآن ودعينا نخرج للاحتفال

الدأماء : فليكن, لكن تخبرني فيما بعد

الملك : حسنا

يخرجان من المخدع ليمشيا في ممرات القصر حتى يصلا لذاك الدرج الطويل الذي ينزلان عتباته ثم يصعدا العربة الملكية وبعدها يصعد الشيهم وعروسه معهما, تنطلق العربة بهم قاصدة الساحة الملكية الكبيرة حيث يحتشد هناك شعب السندوني بانتظار إطلالة ملكيهم عليهم والعروسين, ينزل الملكين من على ذاك الدرج الطويل خلفهما العريسين فينحني الجميع لهم

الشيهم همساً لوصف : أول مرةٍ ينحني لنا شعب السندوني بأكمله

يقترب الملكان من المنصة الملكية فيجلسان عرشيهما ثم يجلس العريسان أيضاً على مقعديهما بجانب الملكين

أقيانس يقف أمام الملكين : أيها الملك الجليل, وإن سمحت لي بأن أهدي ملكتنا الغالية الدأماء هديتي المتواضعة

يُشير الملك له بذلك بيده اليمنى, يُشير أقيانس للجندي بيده فيُحضر الجندي آلة “الأرغول” وهو مزمار ذو قصبتين مثقبتين إحداهما أطول من الأخرى فيعزف عليها لحناً جميلاً يسعد به الجميع, وبعد انتهائه

الملكة بسرور : هديتك لاقت إعجابي يا أقيانس, شكراً لك

البربار يقف أمام الملكة : أما أنا أيتها الملكة فلم أعلم ما أقدم لامرأة بمثل جمالك وسحرك وروعتك لذلك أقدم لكِ السندوني بأسرها

يضحك الجميع

الملك بابتسامة : أيها المحتال, أنا قدمت لها السندوني في عيدها الماضي!

البربار : أجل, لكن أنت عندما قدمتها لها كانت مختلفة, وأنا اليوم عندما أقدمها لها تكون مختلفة

تضحك الملكة قليلا

الملكة : أعطيتني أثمن هدية اليوم يا بربار

التيهور للتامول : أين عمي أنتيمون؟

التامول : علّه ذهب لمخدعه أو في مكانٍ ما

التيهور : لنذهب ونبحث عنه

التامول : هيا

الأميرة يوح : أما أنا فأقدم لكِ رقصة مميزة تدربت عليها طوال شهر كامل, وأرجو أن تُلاقي استحسانكِ

تُشير الأميرة يوح لعازفي الموسيقى بيدها بالبدء لتبدأ هي بالرقص والتمايل على أنغام الموسيقى بينما الجميع ينظر لها بانبساط, يتقدم أبزيمو من الحشد وهو ينظرها بانبهار

أبعد القدر الملاكين الصغيرين عن الشر الكامن في تلك الساحة لينجوا من الموت, أخذا بالبحث عن عمهما أنتيمون في أروقة القصر فلم يجداه فقصدا مخدعه فلم يجداه أيضا

التامول : علّه في مكتبة القصر

في هذه الأثناء تُقدم أبزينوم هديتها للملكة وهو صولجان مرصّع بأفخم الجواهر

الملكة : إنها هدية رائعة يا أبزينوم!

أبزينوم : وتليق بكِ يا مولاتي

تنحني أبزينوم للملكة ثم تستدير لتجلس على مقعدها, يُشير الملك للجميع ببدء الاحتفال فيبدأ الاحتفال وسط الغناء والرقص والموسيقى وذاك الحشد السعيد, أبزينوم تلحظ شقيقتها أكزينوم وسط الحشد فتقف وتسير مبتعدة عن الملكين لتقترب منها

أبزينوم : أكزينوم, إلى أين؟

تهرب أكزينوم من شقيقتها وهي تضحك

أبزينوم : آه أرجوكِ ليس الآن!

تمشي أبزينوم وسط الحشد باحثة عن شقيقتها الصغرى, بينما الأمير أنتيمون يخرج من مكتبة القصر ليمشي في الأروقة ومعه الصغيران ممسك بيده اليمنى بيد التيهور وبيده اليُسرى بيد التامول

التيهور : لقد فاتنا الكثير من الحفل بسببك يا عماه

أنتيمون : آه أعتذر منك إذاً

التامول : وفر اعتذارك ولنمشِ بسرعة

يضحك أنتيمون

أنتيمون : حسناً, حسناً

وفي وسط كل ذاك الاحتفال والحشد والسعادة والسرور يقف الخرمس ليصيح  بأعلى صوته

الخرمس : صمتاً أيها القوم, صمتاً

يتوقف الجميع بعدما يوقف جند الخرمس العازفون الموسيقيون عن العزف, أنتيمون ينظر باستغراب لهم من القصر العالي

التيهور : لمَ أوقفوا الموسيقى؟

أنتيمون متوجساً خيفة : لا أعلم, لكن ابقيا هنا معي حتى نعلم

الخرمس : إن سمحت لي الملكة بأن أقدم لها هديتي الآن

الملك ببعض الغضب : هكذا!

الملكة : لا بأس أيها الملك, قدم هديتك يا خرمس

الخرمس : الحقيقة وأنه منذ البارحة وموكب الملك اليعبوب هنا في مملكتنا لكني لم أخبركِ يا مولاتي لأني وددت أن أجعلها مفاجئة مختلفة لهذه الليلة

الملك بغضب : ويحك! كيف تتصرف كهذا التصرف من فعل نفسك؟!

الملكة تضع يدها على يد الملك : لا بأس أيها الملك, أنا أغفر له

الملكة للخرمس : قدم الوفد لي يا خرمس فإني في شوقٍ كبيرٍ له منذ زمنٍ طويل

يصيح الخرمس بأعلى صوته : أيها الوفد, اظهروا للعَيان

يلتف جند الخرمس حول الناس جميعاً بسيوفهم, وبعض الجند يلتفون حول الملكين والأمراء وبعض الجند مستعدون بسهامهم المصوبة على الجميع في انتظار إشارة من الخرمس برشق السهام.

البربار وهو يقف والذهول على ملامح وجهه : ما هذا يا خرمس؟ أهذه هدية اليعبوب للملكة أم ماذا!

مرمريس وهو يشق حشد الناس مع أصحابه ليظهر للعيان : لا أيها الأمير, بل هي بالواقع هديتي أنا للملك اليعبوب

أنتيمون وهو ينظره بذهول : اللعنة!

الشيهم : خرمس, ما هذا؟

أقيانس مع البربار يستلا سيفيهما ليقتربا من الخرمس يريدان الإطاحة به فيشير الخرمس بيده للجند فيرشقونهم بالسهام ويقتلانهما وسط ذهول أخويهما وأختهما يوح التي تفز من جلستها هي والملكة, الملك بفزع يريد الاقتراب من شقيقيه فيستل الخرمس سيفه ويوجهه للملك

الخرمس : لطالما انتظرت هذه اللحظة, اللحظة التي أقتلك بها

أبزيمو يسلط سيفه على يوح بينما الدرفاس يسلط سيفه على الشيهم, أما مرمريس فيقترب من الملكة موجهاً سيفه لرقبتها

الخرمس للملك : أَوَ تعلم ماذا سأفعل أيها الملك؟ سأقتلك وكل عائلتك وسأُنصّب نفسي ملكاً على هذه المملكة مع الإبقاء على حياة الملكة الدأماء فهي لطالما كانت محط إعجابي وحبي لها

الملك بصوت الغضب الهائج : أيها الخائن القذر! نازلني إن كنت تستطيع ولك عرشي إن هزمتني

يضحك الخرمس

الخرمس : عرشك الآن ملكي يا مليكي, وجندك المخلصين والذين لم يرضوا أن يخونوك قابعين الآن في السجن, لذلك لن تجد من يُنجدك مني أبدا

الملك : تعترف بأنها خيانة إذاً

يطعن الخرمس الملك عدة طعنات في قلبه في وسط صراخ كل من الملكة ويوح

الملكة ويوح : لا

تُحاول كل واحدة منهن أن تقترب من الملك لكن مرمريس وأبزيمو يمنعانهن من ذلك

الخرمس وهو يمسح دم الملك من على سيفه بواسطة منديله الأبيض الذي بات أحمر : درفاس, أقتل الشيهم

الشيهم : لتحل عليك اللعنة!

يطعن الدرفاس الشيهم في قلبه في وسط صراخ زوجته وصف

الخرمس : ألحق زوجته به

الدرفاس يقتل وصف بطعنة في قلبها أيضا

الخرمس : مرمريس, أبعد سيفك عن الملكة

مرمريس : حقاً! إنه ثأري وسآخذ به

يريد مرمريس أن يقتل الملكة بسيفه فيسبقه الخرمس برميه بسيفه ليصيبه في رأسه بينما يجرح سيف مرمريس عنق الملكة الدأماء فيسقط مرمريس على الأرض ميتاً بينما تحمي يد الخرمس الملكة من السقوط على الأرض فاقدة وعيها

الخرمس للجند : اقبضوا على عصابة مرمريس واحبسوا الأميرة يوح, وابحثوا لي عن الأمير أنتيمون وأبناء الملك الراحل

الدردم بذهول : ماذا؟!

أبزينوم تجري مع أختها أكزينوم في ربوع المملكة الغناء ثم تستلقيان على إحدى التلال وكلهن سعادة

أبزينوم : أضعتِ علينا حفل المملكة

أكزينوم : لكنكِ كسبتِ صحبة شقيقتك

أبزينوم : في هذا معكِ حق

تُدغدغ أبزينوم شقيقتها في بطنها بينما أكزينوم تتلوى من الدغدغة في قهقهة وسعادة

أبزينوم لازالت لم تعلم بما حل بالملكين وأشقائه وأصدقائها, فقد ابتعدت كثيرا عنهم بالجري خلف أختها الصغرى, وها هن الآن مستلقيات على ذاك التل الأخضر تنظرا السماء ونجومها المتلألئة, لكن ماذا سيحدث عندما تعلم أبزينوم بما حدث؟! هل ستستطيع من أن تغير شيء؟

 

الفصل الثاني: عهد الظلام

أتعس الشعوب من يملكهم ويتولى أمرهم حاكم باغٍ, ظالم, مغتصب لحق غيره, وهذا ما يحدث الآن في مملكة السندوني وشعبها المسكين, كانت مملكة السندوني مملكة تحظى بالسلام والأمان والرخاء في ظل حُكم ملكها العظيم قمبيز وزوجته الملكة الجميلة الدأماء وأشقاء الملك الأقوياء أُقيانس وبربار وأنتيمون والأصدقاء المقربين الذين يخافون على السندوني ويُخلصون لها ولملكها وهم أبزينوم والشيهم, لكن مع وجود رجل حقود يملك قلب أسود “كالخرمس” فقد أصاب السندوني بظلمته القاتمة وحوّل أفراحها أتراحاً وسعادتها أحزاناً وعدلها ظلماً ونورها ظلاماً دامساً, نتيجة لخيانة الخرمس للملك العادل قمبيز ومع اتفاقه مع مرمريس وعصابته والجند الخونة استطاع الخرمس قتل الملك غدراً وأشقائه أقيانس وبربار, ولم يكفه ذلك بل حبس الأميرة يوح والملكة الدأماء, أما عن الجند الأوفياء المخلصون للملك المغدور فقد زج بهم السجون وملأها بهم بدلاً من المجرمين اللذين أخرجهم من السجون بعد تدريبهم فيها ليكونوا تحت إمرته الفاسدة, طلب الخرمس من جنده أن يبحثوا له عن أبزينوم ويحضروها له وأن يبحثوا عن الأمير أنتيمون وأبناء الملك الصغار التيهور والتامول لكن الجند لم يعثروا عليهم, طلب الخرمس من الجند أن يُغلقوا أبواب المملكة ولا يسمحوا لأحد بمغادرة المملكة ودخولها إلا بإذنٍ منه, أما عن عصابة مرمريس فزج بهم في سجنٍ انفرادي مع بعضهم البعض بعد أن قتل قائدهم مرمريس والذي لم يصل لمبتغاة قط بقتل الملكة الدأماء وأبنائها, وبدأ عصر الظلام على مملكة السندوني.

على ذاك السرير المتواضع المصنوع من الخشب في تلك الغرفة المتواضعة وهي من ضمن ملحقات الكوخ الخشبي تنام أبزينوم ثم تنهض من نومها وهي تصرخ فزعه

أبزينوم : لا!

تنظر الغرفة ثم تعيد ذاكرتها للوراء لتتذكر بأنها كانت مستلقية على إحدى التلال هي وشقيقتها الصُغرى أكزينوم وفجأة اقترب منهن رجل متخفٍ بعباءته ولا يكاد يظهر منه شيء

الرجل : أسرعي معي لمنزلي لأن حياتكِ وحياة شقيقتكِ في خطرٍ كبير

نظرته أبزينوم في استغراب, تعود أبزينوم لحاضرها ليقترب منها الديدبان

الديدبان : لقد غفت الصغيرة

أبزينوم والذهول لا يزال يرتسم على وجهها : كيف حدث هذا؟! كيف؟! وأنا لم أكن هناك كيف؟!

تدمع عينا أبزينوم قهراً صامتاً

الديدبان وهو يجلس على الكرسي : لعل القدر أنجاكِ لمجهولٍ هو عالِمُه

أبزينوم وهي تنزل من على ذاك السرير : أعطني بعضاً من ملابسك لأرتديها وعباءة أيضاً, واهتم بأختي ريثما أعود

الديدبان : ولكن

أبزينوم بإصرار : هيّا

لم يكن لشيء ليردع أبزينوم من الخروج في ربوع المملكة وتقصي الأمر عن كثب, ذهبت تمشي وسط الناس متخفية ثم سمعت جندي من جند الخرمس يصيح بالناس قائلاً وهو على صهوة الخيل يشق حشد الناس

الجندي : إنّ من يأتِ الملك الخرمس بأبزينوم له منه مكافأة وسيُقربه من مجلسه, وكل من يتستر عليها وعلى وجودها فسيلقى عقاباً مريراً

أبزينوم وهي تنظر الجندي تقول في نفسها : ملك! الخرمس ملك! وتريدني يا خرمس؟ ألهذه الدرجة أخيفك؟!

تبتعد أبزينوم عن الحشد تقصد بوابة المملكة التي تراها مغلقة ويحرسها جند الخرمس الخونة, تنظر أبزينوم بوابة المملكة العظيمة فتُخاطب نفسها

أبزينوم : يجب أن أخرج منكِ يا سندوني حتى أذهب وأستنجد بالملك اليعبوب فهو خلاصنا الوحيد, لكن كيف أخرج منكِ يا سندوني؟ كيف؟

وبين تفكير أبزينوم من الخروج من المملكة كانت الأميرة يوح مسجونة بين جدران السجن مقهورة حزينة جالسة على الأرض الوسخة مسندة ظهرها على ذاك الجدار ثم تنظر أشعة الشمس التي تشق قضبان تلك الزنزانة فتتذكر قول شقيقها أٌقيانس لها

أقيانس : يوح, أنتِ شمس السندوني ويجب عليكِ أن تظلي تُنيري المملكة بنورك

يوح وهي تبكي بمرارة : لم يبقَ مني نور يا أخي, لم يبقَ مني شيء

تطأطئ رأسها تبكي في حزن ثم ترفع بصرها تنظر نور الشمس : أرجوك إلهي أنظر لحالي وحال المملكة وخلصنا من هذا الشر

أما عن عصابة مرمريس فقد باتوا في السجن, تمشي الدردم يمينا يسارا في توتر

الدردبيس : ألا تجلسين؟

الدردم : لا أستطيع, لا أستطيع

الدرقل : تُرى ماذا سيكون مصيرنا؟

أبزيمو : قد خدعنا هذا المحتال

الدردبيس : اللعنة عليه وعلى من أوصلنا لهذا المكان

الدردم : بدل اللعن علينا أن نفكر بكيفية الخروج من هذا السجن

العنظوان : أنتِ تحلمين حتما

الدرقل : لا, إن أصبحنا قوة واحدة يمكننا حينها أن نفعل شيئا

أبزيمو بسخرية : حقا!

الدرقل : دعونا نفكر مع الدردم, علنا نخرج بشيء مفيد

الجميع بات يفكر بطريقة للخروج من المملكة والهرب من الشر الكامن فيها في حين كان الخرمس يجلس وبكل تفاخر على عرش الملك المغدور قمبيز في الذهبية الملكيّة

الخرمس للجندي الماثل أمامه : أحضروا لي عصابة مرمريس

الجندي : أمر مولاي

أخرج الجند عصابة مرمريس من السجن وهاهم الآن يمشون في تلك الأروقة وهم مكبلون بالسلاسل الحديدية يُحيط بهم جند الخرمس حتى يصلوا لذهبية المملكة

الحاجب : عصابة مرمريس مولاي الملك

الملك يتوقف عن النظر في الصحيفة التي بين يديه فيطويها وهو جالساً على العرش : فليمثلوا أمامي

يدخل الجميع ليقتربوا من الملك الجالس على عرشه

الجندي : انحنوا أمام الملك العظيم

ينحني الجميع رغماً عنهم

الملك : استقيموا, أنا الآن الملك, وقد قتلت رئيسكم مرمريس وأنتم الآن تحت رحمتي, إن شئتم أن تتبعوني جعلتكم ميمنتي وميسرتي وجعلتكم أسياداً على شعب السندوني, وإن لم تشاءوا كان الموت حليفكم كقائدكم المقتول مرمريس, أنتم تعلمون بأني لا أعرف الرحمة أبدا, وقد أثبتُ ذلك للجميع ولكم بالأخص

الدردبيس بصوته الخبيث المبتسم قليلاً وهو يدعك يديه قليلاً ومُطأطأ الرأس : يا سيدي ومولاي ومليكي, قد رأيتُ منك نظرة الملك مذ قدومي لهذه المملكة, وإني أعلن لك وفي هذه اللحظة ولائي التام وأني سأكون خادمك المُطيع

الخرمس : ماذا عن البقيّة؟

الجميع : نعلن لك ولائنا أيها الملك

الخرمس : حسناً, فكوا لهم قيودهم

يفك الجند القيود الحديدية عن أرجلهم وأيديهم

الخرمس : فليسترح الجميع

يجلس الجميع على المقاعد حيث كان يجلس كل من أشقاء وقادة الملك قمبيز

الخرمس : الدردبيس وبما أنك داهية كبير في السن وهذا ما أرى فسأجعلك مُقدّم النصيحة لي, الدردم وبما أنكِ تجولين في الليل أجعلكِ حاميتي فيه, أما العنظوان

والدرفاس والدألان فإنكم ميمنتي وحاميّ في النهار, أما بما يخص أسيتون والديجور وأبزيمو فإنكم ستُشرفون على الجند أجمع ومعكم الإبريز والورل وأكسم, لقد كانوا سُجناء لكني أطلقت سراحهم بعدما أعلنوا الولاء التام لي ورأيت ما رأيت من قوتهم, أما عن هذه الذهبية فسأغيرها, وبدلاً من أنها كانت تشمل ستة فرسان سأجعلها تشمل اثني عشر فارساً وهم (الدردبيس, الدردم, العنظوان, أعنص, أسيتون, أبزيمو, الإبريز, الورل, أكسم, الدألان, الديجور والدرقل) وسنشكل معاً القوة الحديدية لمملكة السندوني, والآن أريد أن أخبركم بأن هناك خطراً كبيراً يُحدق بنا ألا وهو الأمير أنتيمون وأبزينوم فهؤلاء لم أجد لهم أثراً لأقتلهم, بقائهما حيين يجعلنا عُرضة للموت, فأنتيمون وأبزينوم سيُفكران بأن يستنجدا بمملكة الدينون مملكة الملك اليعبوب, وإن جاءت نجدت هذا الملك, هلكنا جميعاً

أما عن أبزيمو فقد كانت له مخططات أخرى يبغي الوصول لها وبينما كان خأالملك الخرمس يمشي في أروقة القصر كان أبزيمو يتبعه

أبزيمو : أيها الملك, لقد وعدتني بالأميرة يوح فماذا عن ذاك الوعد؟

يتوقف الملك ليستدير ناظراً لأبزيمو

الملك الخرمس : اسمع يا أبزيمو, لديك كل نساء المملكة اختر منهن ما شئت, عدا يوح

يترك الملك أبزيمو مُكملاً طريقة, بينما أبزيمو يقف مكانه ينظر الملك بذهول ممزوج بالغيظ منه

أبزيمو في نفسه : عليك اللعنة

أكمل الخرمس طريقة حتى وصل مخدع الملكة الدأماء فدخل بهدوء ليقترب من المقعد ويجلس عليه وهو ينظر الدأماء التي تقف في شرفة مخدعها ناظرة لمملكتها التي باتت مُعتِمه

الخرمس وهو يدعك خاتم العقيق الذي في إصبعه الوسطى بيده اليسرى : أريدكِ أن تفهمي وتعي كل ما سأقوله لكِ يا دأماء, كل ما فعلته كان لأجلكِ أنتِ, أذكر, لازلت أذكر تلك الأيّام الجميلة التي جمعتنا معاً, كنتِ تسلبين لُبّ كل من تمرين حوله, وعندما كنتِ تمرين من حولي كنت أرتجف ويرتجف قلبي قبلي, كأنكِ تلفحيني بموجة كبيرة من أمواج بحركِ العظيم وتُغرقيني فيه شيئاً فشيئاً, أحببتكِ حباً جماً

ولم تُدركي ولم أدرك بأنكِ ستكونين لرجلٍ غيري حتى ولو كان ملكاً كقمبيز, لم يكن يحق له بأن يأخذ حبي مني وينتزعه نزعا, لذلك حقدت عليه وأردت أن أنتزعكِ منه كما فعل بي وأكثر بل وأنتزع عرشه ومملكته منه أيضا وروحه, ربما ما فعلته قاسياً عليكِ لكنكِ ستنسي عما قريب عندما تصبحين زوجتي وتنجبين أطفالي وتحبينني كما أحببتكِ طوال كل تلك السنين, حسناً, سأعطيكِ وقتاً حتى تستطيعين أن تتخذي قراركِ

يتوقف الخرمس عن الحديث ناظراً للدأماء التي لازالت على وقفتها ولا كلمة رد منها, يقف يمشي ليصل باب المخدع وقبل خروجه

الخرمس : دأماء, إني أعشقكِ, أعشقكِ

يخرج الخرمس من المخدع ليقول للجند

الخرمس : احرسوا ملكتكم بأرواحكم, وإيّاكم وخروجها أو دخول أي أحد هذا المخدع

وهناك في ذاك الكوخ المتواضع كانت أبزينوم تجلس على المقعد الخشبيّ المتواضع مُباعدة بين رجليها واضعة يدها اليمنى على حجرها ويدها اليسرى مسندتُها على مقبض الكرسي تنظر شقيقتها أكزينوم وهي تلعب بالدمى مع شقيقة الديدبان وهن جالسات على الأرضية بينما الديدبان ينظف سيفه وهو جالس على الكرسي ينظر تارة لشرود ذهن أبزينوم وهي تنظر الطفلتين ثم ينظر سيفه تارة أخرى, الديدبان وهو ينظر لبريق سيفه

أكزينوم لشقيقتها : أبزينوم, أريد أن أرى التيهور والتامول

تنظر أبزينوم لشقيقتها بعين الغضب بينما الديدبان ينظرها, تقف أبزينوم بغضبها تريد الخروج من الكوخ ليقترب الديدبان منها مسرعاً يمسك بيدها كي لا تفتح الباب

الديدبان : أجننتِ! سيقتلونكِ دونما تخفّي

تركل أبزينوم الكرسي برجلها ليرتطم بالجدار بغضبها وهي تقول : اللعنة

تطرق بيديها على الطاولة بقوة في وسط خوف الصغيرتان

الديدبان : أيتها الصغيرتان, اذهبا لتلعبا في الداخل

تقصد الصغيرتان المخدع بينما الديدبان ينظر لهن

الديدبان وهو ينظر أبزينوم : إن لم تتحلي بالصبر فلن

أبزينوم تقاطع حديثه : الصبر!

الديدبان : لا تستطيعين أن تفعلي شيئاً بكل هذا الغضب

أبزينوم وهي تلتفت للديدبان ناظرة له بغضبها

أبزينوم : لست قائد جيوش ولم تحظ بما حظيتُ أنا ولم تخسر ما خسرتُ أنا

الديدبان : أجل, لكني أتحلى بالصبر وهو ما ليس عندكِ

أبزينوم : لا أستطيع أن أبقى هنا مكتوفة اليدين والخرمس يفعل ما يفعل بالسندوني وينمو بخيانته السوداء, عليّ الذهاب لليعبوب وبأي طريقة فهو الوحيد الذي سينقذ السندوني وشعبها من الهلاك, ليتني أستطيع الوصل لذهبية السندوني فهناك يكمن الممر السريّ للخروج من المملكة, لكن كيف أستطيع الوصول هناك؟

الديدبان : فكري إذاً بدلاً من غضبك

أبزينوم : اللعنة عليك!

يقصد الديدبان المطبخ ليقشر البطاطا بينما تجلس أبزينوم على الكرسي ولازالت بذات الغضب

وفي ظل كل تلك الأحداث التي حدثت في مملكة السندوني, هناك مملكة أخرى لازالت تنعم بالسلام والرخاء والسعادة, إنها مملكة الدينون, تلك المملكة النحاسية اللون والفريدة التصميم فهي بيضاوية الشكل مع نقش فريد على جدرانها, يحكم المملكة الملك العادل “اليعبوب” بمساعدة أبناءه الأمراء الثلاثة الحر والزهدم وأسفع, الملك اليعبوب يكون شقيق الملكة الدأماء وزوج الملكة الميسان وله منها أميرة جميلة اسمها اليمام, أرسل الملك اليعبوب زوجته وابنته بطلبٍ منهن من أن يقصدن مملكة السندوني حتى يشاركن الملكة الدأماء احتفالها بيوم ميلادها ولم يكن يعلم بأنه يرسلهن لهلاكهن.

الملك “اليعبوب” وهو ممتطٍ الجواد يعدو به بسعادة في ربوع المملكة كنهرٍ جارٍ هو وأبنائه “أسفع” و”الزُهدم” يصل الملك اليعبوب لتلك النقطة المُتفق عليها ثم

 يصل ابنيه مع بعضهما أسفع والزهدم وهناك يكون “الحُر” واقفاً ناظراً لهم بسرور ضاما يديه حول صدره

أسفع : لو أنك شاركتنا السباق, فأنت لا شيء يقف بوجهك لا في سباق ولا في حرب

يترجل عن ظهر خيله كما يفعل الوالد والزهدم

الحر : أجل, لكن ليس وإن كان اليعبوب في الغِمار فأنا أنسحب على الفور خشيت الغرق

يضحك الجميع

الحر يقدم رسالة لوالده الملك : رسالة من مملكة السندوني

يفتحها اليعبوب على الفور ويقرأها ثم يبتسم

أسفع : بما أنك ابتسمت فإذا هي أنباء سارّة

اليعبوب : أجل هي كذلك, لقد طاب المقام للميسان واليمام في مملكة السندوني وسيطول مكوثهن هناك, ثم إن الدأماء تشكرني على هداياي لها فقد لاقت استحسانها التام, وهي تهديكم السلام

الملك اليعبوب لم يكن يعلم عما حدث بمملكة السندوني وبما حل بزوجته وابنته وشقيقته وبتلك الأميرة البريئة يوح التي أصبحت تجلس على أرضية السجن تُطالع تلك الفتحة الصغيرة في سجنها ثم تقف عند رؤيتها لفراشة صغيرة تحلق, تحاول يوح الإمساك بها فتفشل, تُغادر الفراشة

يوح : لا ابقي معي, لا تذهبي, لا تذهبي

تظل يوح تبكي وهي تجلس على الأرضية الوسخة ثم تعود بذاكرتها للوراء

(ذكرى) 

تضطجع يوح على ذاك التل الأخضر هي وأبناء شقيقها قمبيز, يظلون يشاهدون الفراشات المحلقة حولهم وتلك الورود المختلفة الأشكال والألوان, وهناك أيضا تلك العصافير الصغيرة الجميلة التي تزقزق على أغصان الأشجار.

أبزيمو يمشي في ممرات السجن ليصل لزنزانة الأميرة يوح, يدخل أبزيمو الزنزانة عند الأميرة الجالسة على الأرض مسندة ظهرها على الجدار تنظر شرفة السجن الصغيرة العُليا ذات القضبان الحديدية الصدئة

أبزيمو : يوح

يوح دونما النظر له وهي تنظر قضبان الزنزانة الحديديّة : أميرتك أيها القذر

أبزيمو : لا بأس فأنتِ ملكة قلبي, مذ رأيتكِ لم أستطع أن أُبعد نفسي عن التفكير بكِ دقيقة واحدة

يوح : فلتغرب عن وجهي فلا أطيق النظر لك

يستدير أبزيمو يود المغادرة

يوح تلتفت له : انتظر

يلتفت لها بلهفة : أجل

يوح : ماذا حل بالأميرين الصغيرين التيهور والتامول؟ وبأخي أنتيمون؟

أبزيمو : لم نرهم ولم يقتلهم الخرمس, فلتشكري الآلهة على ذلك لأنه لو وجدهم الخرمس ما كان ليرضى إلا بقتلهم

يوح : ماذا عن الملكة الدأماء؟

أبزيمو : لا تقلقي عليها, فهي قلب الخرمس وروحه ولن يؤذها أبدا, ولن يسمح لأحد بإيذائها أيضا, لكنها تعزف عن الحديث معه أو مع أيّ كان

يوح : لتحل عليك اللعنة يا خرمس

بعد مرور أسبوع كان الملك الخرمس جالساً على عرشه ينظر أسيتون الماثل أمامه

أسيتون : الشعب يرفض الاحتفال باعتلائك العرش ويرفضون المشاركة فيه يا مولاي هذا غير …

الخرمس بهدوئه المخيف يقاطع حديث أسيتون : غير ماذا؟

أسيتون : يقولون بأنهم لا يرغبون بك ملكاً عليهم يا مولاي

الخرمس : ماذا تقترح في هذا الموقف يا دردبيس؟

الدردبيس بصوته الخبيث : يجب أن نؤدبهم يا مولاي

الخرمس : لو أنك قلت غير ذلك لقطعت لك رأسك, أسيتون, مُر لي جندي بتأديب كل من يُعارض اعتلائي عرشي

أسيتون : بأمر مولاي

قام جند الخرمس بتوزيع الأقنعة على الشعب ومن يرفض أخذها يُزج به في السجن, يرضخ بعضهم للطُغيان ويقبلوا بأخذ الأقنعة مرغمين, سمع الديدبان ورأى ما يحدث في المملكة فقصد على وجه السرعة الكوخ ليقترب من أبزينوم الجالسة على المقعد في قهر وحزن كبيران

الديدبان وهو واضعاً يديه خلف ظهره : قد تستطيعين الخروج اليوم من هذا الكوخ لتمشي بحرية في المملكة

أبزينوم بسخرية : حقاً!

الديدبان وهو يُخرج لأبزينوم الأقنعة من خلف ظهره : إنهم يوزعونها ليرتديها الشعب المحتفل باعتلاء الملك للعرش

تنظر أبزينوم بذهول للأقنعة ثم تنظر الديدبان المبتسم فتبتسم

الملك الخرمس يمشي في رواق القصر حتى يصل لمخدع الملكة الدأماء فيدخل ويغلق الباب خلفه فيجدها جالسة على المقعد تقرأ في كتاب في هدوء

الملك بصوته الهادئ الخبيث : ما هو ردك؟ أريد أن أعرف الجواب يا دأماء

الدأماء لا تنطق بكلمة

الخرمس : فليكن, سأعطيكِ فرصة أخرى للتفكير وإن لم توافقي يا دأماء على طلبي بالزواج منكِ سأقتل يوح

يُغادر الخرمس في غضب بينما الدأماء ترجف يداها مما سمعت منه, يسقط الكتاب من يدها.

وسط كل تلك الأحداث أبزينوم الآن تنظر القناع الذي بين يديها وهي جالسة على المقعد وكلها لهفة للغد وليلته حتى تنفذ ما تصبوا إليه, بينما الديدبان بات قلبه مشغولا بالتفكير بأبزينوم وها هو الآن يُطالع النجوم وهو واقفاً خارج كوخه ولا يرى في تلك السماء ونجومها سوى وجهها الجميل, هو ذات الحال مع أبزيمو الذي لم تغب يوح عن فكره مطلقا بينما هي كانت تقبع في زنزانة السجن الانفرادي تفكر بكيفية الخروج مما هي فيه.

وفي الليل البهيم وفي تلك الغابة الشاسعة هناك فارس يجري بخيله بسرعة كبيرة ولا يكاد يبين منه شيء لأن ردائه الطويل الذي يُغطي جسده يُغطي جزء منه وجهه, يصل ذاك الفارس لكوخٍ صغير في الغابة بالقرب من بحيرةٍ يُطلق عليها اسم “بحيرة الملائكة” يتوقف الفارس بخيله بجانب ذاك الكوخ وهو يصيح بأعلى صوته

الفارس : توكان, توكان!

يخرج من الكوخ رجل والاستغراب بادٍ على ملامح وجهه, يترجل الفارس من على ظهر الخيل فيقترب من الرجل

الفارس : توكان بسرعة, التيهور والتامول

الرجل بذهول : الأمير أنتيمون!

يكشف أنتيمون عن وجهه

أنتيمون : أحتاج مساعدتك بسرعة

يقصدا وعلى وجه السرعة المكان الذي يتواجد فيه الأميرين الصغيرين يقترب أنتيمون بخيله مع ذاك الرجل الذي يمتطي خيله أيضاً من مكانٍ مُعين في الغابة تكثر فيه الأشجار, يشُقا ورق الأشجار حتى يصلا للأميرين التيهور التعب جداً من شدة الجوع والعطش والجالس بجانب أخته التامول المريضة المستلقية على الأرض.

وفي ذاك الكوخ الصغير أخذت زوجة توكان “آس” بالاعتناء بالصغيرين في تلك الغرفة المتواضعة ثم وقفت لتخرج وأخذت تقترب من توكان وأنتيمون الجالسين على المقاعد الخشبية المحيطة بطاولة بسيطة خشبية

أنتيمون يقف : ما أحوالهما؟

آس : الأميرة التامول مصابة بحمى شديدة ويجب أن تلقى علاجاً وراحة, أما بخصوص التيهور فلا يلزمه سوى الراحة والنوم العميق والطعام

توكان : أنتيمون, ماذا حدث معكم وأوصلكم إلينا هكذا؟!

آس وهي تنظر بتمعن لأنتيمون : هذا الوقت ليس للأسئلة والأجوبة, مم تشكو أيها الأمير؟

أنتيمون والتعب بادٍ عليه : هاجمني نمر وتمكن من يدي

يسقط أنتيمون على الأرض فاقداً وعيه فيهرع له توكان

توكان : أنتيمون!

بات توكان يُعالج جرح الأمير أنتيمون بينما آس زوجته كانت تهتم بالتيهور والتامول, أما الملك اليعبوب فقد أراعته رؤية قد رآها في ليلته كانت فحواها

 

(الرؤية)

يرى اليعبوب شقيقته الدأماء تحترق وسط النيران هي وزوجها الملك قمبيز, يقترب اليعبوب منهما يحاول إنقاذهما لكنه يفشل بذلك

اليعبوب : أختي, أختي!

يستفيق اليعبوب من نومه فزعا, يشرب كأس ماء يكون على الطاولة بجواره

اليعبوب : اللعنة, ما هذا المنام المروع؟! أختي الدأماء!

ينزل اليعبوب من على سريره ليقصد الشرفة يستنشق بعض الهواء العليل ثم يعود للداخل ليخرج من مخدعه, يمشي اليعبوب في أروقة القصر يقصد مخدع ابنه الحُر, يدخل المخدع لكنه يرى الحُر نائما ثم يعود أدراجه لأنه لم يرغب بأن يُفيق ابنه من نومه العميق.

ويأتي اليوم المنتظر في مملكة السندوني وهو وقت الاحتفال, الجميع مرتدي الأقنعة على وجهه ومجتمعون في الساحة الكبيرة ينتظرون إطلالة الملك الخرمس عليهم, أبزينوم والديدبان وسط الحشد, يخرج الدألان للحشد

الدألان : فليصمت الجميع, وصل الملك الخرمس

يُطل الخرمس بكل جبروته للشعب من تلك المنصة العُليا وهو مرتدي ذاك الرداء الملكي الطويل المزركش والمزين بأحلى زينة وهو يرتدي على وجهه ذاك القناع الذي يُغطي وجهه, على جانبه الأيمن يكون الدردبيس والدرفاس والدردم وعلى جانبه الأيسر كل من الدألان والديجور والدرقل أما عن أسيتون والعنظوان وأعنص وأبزيمو والإبريز والورل وأكسم فهم يُحيطون بالشعب وهم ممتطون خيولهم , ينحني له الشعب المُرغم

الديدبان وهو يهمس لأبزينوم : كيف ستصلين للذهبية وكل هؤلاء يُحيطون به؟

أبزينوم له همساً : لا تقلق, سأجد وسيله

الخرمس : فليستقم الجميع

يستقم الجميع ثم يخطب الخرمس في الشعب

الخرمس : يا شعب السندوني, يا شعبي, أطلب منكم اليوم مشاركتي الاحتفال باعتلائي عرشي الجليل

أبزينوم في نفسها تقول ساخرة : حقاً!

الخرمس : فليستمتع الليلة الجميع بالاحتفال, باحتفال الملك الجديد

أبزينوم في نفسها بسخرية تقول : وأي ملك!

أبزينوم للديدبان : عليّ أن أحصل على رداء جند الخرمس حتى أتحرك بحريّة

الديدبان : فليكن

يتحرك الديدبان نحو أعنص

الديدبان : سيدي

أعنص : ما هنالك؟

الديدبان همساً لأعنص : لقد عرفت مكان من تُدعى بأبزينوم

أعنص : أقُسم إن كنت كاذباً لأسلخن جلدك عن عظمك

الديدبان : لست كذلك يا سيدي

أعنص : اخلع قناعك من على وجهك فأراك

يفعل الديدبان ذلك

أعنص : فليكن, خذني لها

الديدبان : لكن ماذا عن المكافأة؟

أعنص : سيُكافئُك الملك أيها الغبي, هيا تحرك

الديدبان : فليكن, اتبعني فقط بخيلك

يدخل الديدبان الكوخ خلفه أعنص

أعنص : أين هي؟

يغرز الديدبان خنجره الصغير في رقبة أعنص ليسقط على الأرض وهو يتلوّى من الألم فتقترب أبزينوم منه حاملة قطعة قماش تضعها على رقبته

أبزينوم : لا تلوث الرداء بدمك القذر فأنا أريده

تكشف أبزينوم عن وجهها

أبزينوم : أنا أبزينوم

ينظر أعنص لها بعينيه الجاحظتين ثم يفارق الحياة

ينزع الديدبان ملابس أعنص من عليه ويعطها لأبزينوم, وبعد بُرهة تخرج أبزينوم من الغرفة الصغيرة وقد ارتدت ملابس أعنص وقناعه

الديدبان : أبزينوم, قد لا أراكِ وقد لا تريني لكني أريد أن أبلغكِ بأمر, أنا أحبكِ وسأنتظر عودتكِ لي بفارغ الصبر

تخرج أبزينوم من الكوخ لتمتطي خيل أعنص بينما الديدبان ينظرها وهي تُغادر ثم يلحق بها, تشق أبزينوم حشد الناس بخيلها حتى تصل الدرج الطويل المؤدي لمنصة الملك الخرمس, تترجل من على ظهر الخيل فتصعد الدرج وعيني الديدبان عليها, تقترب أبزينوم غير خائفة من الخرمس لتنحني له فيبتسم الخرمس ثم تتركهم لتفتح باب تلك المنصة تدخل وتغلقه خلفها, تمشي أبزينوم في أروقة القصر بسرعة فيراها جند الخرمس, يمشي الدرقل في أروقة القصر فيمر من حول بعض الجند

الدرقل : ألم ترو أعنص؟

الجندي : لقد مر من هنا يريد ذهبية المملكة

الدرقل باستغراب : ذهبية المملكة! وما يريد بها؟!

تدخل أبزينوم الذهبية الملكية تنزع قناعها من على وجهها لترميه أرضاً فتقترب من العرش بسرعة لتُزيحه بقوتها الكبيرة فهو ملتصق ببلاط الأرض المربع الشكل, تنزل تلك الدرجات في الداخل ثم تُعيد العرش لمكانه وحاله بصعوبة, يدخل الدرقل الذهبية الملكية فلا يرى أحداً سوى القناع الذي نسيته أبزينوم من شدة سرعتها, يتلفت الدرقل حوله فلا يرى أثراً لأعنص يخرج بسرعة من الذهبية.

ينزل الدرقل من على الدرج ليمتطي خيله مخترقاً الحشد باحثاً عن أعنص, يراه الخرمس من المنصة باستغراب

الخرمس للدردم : إلى أين يبغي الدرقل؟

الدردم : لا أعلم يا مولاي

يواصل الخرمس رؤيته للاحتفال في حين يشق الدرقل الحشد بخيله باحثاً عن أعنص, يبتعد عن الناس ليقترب من تل الفراشات فيرى شيئاً غريباً, يترجل عن ظهر الخيل ليقترب من التل فيرى أعنص مربوطاً بالحبال بخشبة كبيرة مغروزة بالأرض دونما ملابسه, يذهل الدرقل مما رأى فيسرع لخيله ليمتطيه فيعود أدراجه, يقترب من الحشد فيمر من حول الديدبان ليصيح بأعلى صوته

الدرقل : احموا الملك, احموا الملك هناك خيانة!

يُخرج الجميع سيوفهم ويُحيطون بالخرمس

الخرمس وهو واقفاً بذهول : ما الذي يجري؟

الديدبان في نفسه مع ابتسامة ساخرة : خيانة! وتعرفونها؟!

يقترب الدرقل من الخرمس

الخرمس : ما هو الشر الذي ورائك؟

الدرقل : هناك خيانة أيها الملك, قُتل أعنص يا سيدي وأُخذت ملابسه منه, لكني رأيته أو رأيت من تنكر بردائه يقصد ذهبية المملكة وعندما دخلت هناك لم أجد أحداً, لم أجد سوى قناع أعنص الذي ارتداه ذاك الغريب على وجهه

الديجور : ومن هذا الذي سيُخاطر بحياته لهذه الدرجة ويقتل حامي الملك ويخترق الجند ليصل لذهبية المملكة؟!

الدردم : أهو جنيّ!

الدردبيس بخبثه : علّ الجدران تحمل أسرار

الخرمس : أفصح

الدردبيس : علّ الجدران تخبئ في جعبتها مخابئ سريّة يا مليكي

الخرمس : اتبعوني

قصد الخرمس ذهبية المملكة حيث فتح بابها على مصراعيه ودخل خلفه حاموه

الخرمس يلتفت لهم : ابحثوا لي الآن وأمام عينيّ في هذه الجدران إن كانت هناك ممرات سريّة لا أعلم أنا عنها

يبحث الجميع وأمام عيني الملك متلمسين الجدران, الآثار, البلاط الملكيّ وكل شيء فلا يتوصلون لشيء البتّة

الخرمس وهو ينظرهم : ما كانت لتحمل ممرات سريّة دونما أن أعلم أنا بها, فرقوا الناس وأنهوا الاحتفال, وليأتِ أحدكم يتبعني لإيصالي مخدعي

أما عن أبزينوم فقد كانت تجري في ذاك الممر الطويل المظلم تقصد الخروج منه ثم من المملكة, مصير أبزينوم الآن بات مجهولا.

أما في مملكة الدينون فيكون الملك اليعبوب جالسا في مجلسة الملكي الخاص هو وأبناءه

الملك اليعبوب : رأيت البارحة مناما قد هالني!

الحُر : وماذا رأيت يا أبي؟

الملك اليعبوب : رأيت شقيقتي تحترق في النيران هي وزوجها الملك قمبيز, حاولت إنقاذهما لكني فشلت

ينظر الأخوة لبعضهم البعض في ذهول

الحُر : أضغاث أحلامٍ يا أبي العزيز

يقف اليعبوب من جلسته ليقصد الشرفة

اليعبوب : لم أنم ليلتي البارحة بعد هذه الرؤية, لم أنم

يقف الأخوة من جلستهم في خوف وهم ينظرون لوالدهم, رؤيا الملوك غالبا ما تصدق وهذا هو كان سبب خوفهم وخوفه هو أيضا.

أما عن الخرمس فقد كان يشغل باله شيء ما فلذلك قصد مخدع الملكة الدأماء, كان يمشي في أروقة القصر وكله توتر من معرفة جوابها, فتح باب المخدع ودخل حيث رآها واقفة في الشرفة تنظر السماء ونجومها وقمرها في صمت

الخرمس يقترب منها : ما هو جوابكِ؟

لا رد من الدأماء

الخرمس : حسناً, غداً ستشهدين موت الأميرة الجميلة يوح, تصبحين على خير يا أجمل نساء السندوني

يخرج الخرمس من المخدع فتدمع عينا الدأماء

قصد الخرمس مخدعه بعدما خرج من مخدع الدأماء وما إن دخل المخدع حتى استند على الباب وأخذ بالبكاء بمرارة, فلطالما كان يحب الدأماء ويتمناها له زوجه

الخرمس بقهر وغضب شديدين : أقسم بحبي لكِ يا دأماء بأن أجعل قلبكِ ينفطر على أحبائك كما ينفطر قلبي عليكِ وعلى حالي الآن

الخرمس للحاجب : أيها الحاجب, أرسل بطلب أبزيمو

وبعد أن قصد أبزيمو الخرمس وسمع منه ما سمع قصد بعدها مخدعه وعلامات الاستغراب بادية على وجهه, وقف أسيتون من جلسته على المقعد وهو ينظر باستغراب لأبزيمو

أسيتون : ما طلب منك؟

أبزيمو : أن أُخرج الأميرة يوح من السجن وأرسلها لمخدعها وأقول لها بأن تستعد غداً لاحتفالٍ مهيب

أسيتون : وهل فعلت ما طلب؟

أبزيمو : بالحرف, وطلب مني أن أخبرها بأن ترتدي تاجها غداً

أسيتون : أمر غريب!

أبزيمو : اذهب الآن وأخبر الجند بأن يستعدوا غداً لاحتفالٍ كبير وأن يُبلغوا الشعب بذلك

أسيتون : أرسل غيري فأنا لم أعد أطيق هذا الملك وتنفيذ أوامره الشريرة

يخرج أسيتون من مخدع أبزيمو

أبزيمو : لا أراك سوى أنك تُهلك نفسك

تمر ساعات الليل ليُطل بعدها الصباح على مملكة السندوني, الأميرة يوح في مخدعها تزينها الجواري بأحلى وأفخم زينة ملكية, هي ترتدي ثوبا أميريا ثلجي اللون مطرز بتطريز جميل, تنهض يوح من جلستها على المقعد لتخرج من مخدعها بعدما أتى أبزيمو لها ليرافقها.

يجلس الخرمس على المقعد في تلك المنصة العُليا ناظراً للشعب المحتشد وبجانبه يقف كل من الدردبيس وباقي العصابة, الدردم والديجور يرافقان الملكة الدأماء لحضور المشهد والحفل الكبير, أبزيمو والدألان يرافقان يوح التي تبدو بأبهى حلة وذاك التاج يُزين رأسها الطيّب, هي تمشي في أروقة القصر بكل عزتها اللائقة بها كأميرة حُرّة

أبزيمو هامساً لها : لا تقلقي, سأكون بجانبك

يوح تنظر لكل شيء وهي تمشي في أروقة القصر تقصد الخرمس وكأنها تقوم بتوديع القصر الذي لطالما عاشت فيه بكل سعادة وهناء, قلبها يشعر بما لا يشعر

به الآخرون حولها, وما إن اقتربت يوح من الخرمس الذي يجلس مقعده حتى قال هو

الخرمس : دألان, اذهب بيوح لمنتصف الساحة حيث يوجد النصب

الدألان : بأمرك مولاي

تمشي يوح لتنزل الدرج بكل كبريائها بينما أبزيمو ينظرها بكل خوف, تصعد يوح الدرج المؤدي لذاك النصب حيث الحطب الكثير هناك يحيط بها من كل جانب, ينحني كل الشعب لها احتراماً وتقديراً, تبتسم يوح فيربطها جند الخرمس بالسلاسل الحديدية على ذاك الوتد الخشبي

أبزيمو للملك وكله خوف على الأميرة : لمَ تُوثق بالسلاسل الحديدية على ذاك النصب يا مولاي؟

الخرمس : لا تقلق, هذا لإخافة الملكة الدأماء فقط

في هذه الأثناء تقترب الدأماء بكل عزتها وهي تمشي معها الدردم والديجور حتى تقترب من الخرمس, يُشير الخرمس بيده اليمنى للدأماء على يوح, تقترب الدأماء لتضع يديها على سياج المنصة ناظرة يوح بكل ذاك الذعر الذي يعتريها

الخرمس : أجيبيني بنعم يا دأماء فأعفو عنها

تلتفت الدأماء للخرمس بكل غضبها واحتقارها له فتبصق بوجهه, يقف الخرمس وهو مُشتط غضباً ليُشير بيده للجند بإحراق يوح فيفعلوا ويُشعلون كل ذاك الحطب بالنيران, يصرخ أبزيمو وهو ينظرها

أبزيمو : لا!

يُسرع أبزيمو لينزل من على الدرج بذهوله, تأخذ الدأماء سيف أحد الجند لتقترب من الخرمس تريد قتله فيصد الخرمس سيفها بسيفه الذي يستله من غمده ناظراً لها بكل حقده وشره

الخرمس : خذوها لمخدعها!

الدأماء والجند يمسكون بها : لا, يوح!

يقترب أبزيمو من يوح شاق تلك النيران مُحاولاً فك تلك السلاسل عنها وسط ذهول أصدقائه الديجور والدردم والدردبيس والعنظوان والدرقل والدرفاس والدألان وأسيتون

تصرخ الأميرة يوح بأعلى صوتها : أيها الشعب, احموا السندوني وعرش ملككم المغدور قمبيز وملكتكم الدأماء, واقتلوا الخرمس وأعوانه

يوح لأبزيمو الذي يحاول فك تلك السلاسل المستعصية عليه غير آبه بالنيران التي تحيط به

يوح : ابتعد من هنا, احمي لي الدأماء يا أبزيمو

أبزيمو : لا, أنتِ شمسي أنا ولا أحد يستطيع أخذ شمسي مني

الدردم بذهولها وبصوتها الذي لا يكاد يبين وهي تنظر أبزيمو: ابتعد أيها الغبي الأحمق!

تصرخ يوح صرخت ألم وهي تحترق فيضمها أبزيمو لصدره

أبزيمو : خذيني معكِ

الجميع يُشاهد احتراق الأميرة يوح وأبزيمو وسط كل تلك النيران المشتعلة, الشعب يبكي على أميرته التي لم يستطع إنقاذها بسبب جند الخرمس المحيطون بهم من كل جانب, الخرمس ينظر الحدث بدون أن يرف له جفن, فيأخذ كل من الديجور والدألان سهمين ويُصوبانهما على يوح وأبزيمو فيرديانهما قتيلين بشق كل سهم قلب كل واحدٍ منهما حتى يُريحانهما من كل ذاك العذاب, تدمع عينا الدردم دمعاً صامتاً

يلتفت كل من الديجور والدألان للخرمس بغضبهما فيقول الديجور : جد لك ظالمان مثلك يحمياك, نحن عائدان للغابة حيث كنا

يُديران ظهرهما له بعد أن يرميا القوسين بين قدميه

الخرمس لجنده : اقتلوهما

يرمي جند الخرمس كليهما بسهام فيسقطا قتيلين وسط ذهول أصدقائهما, يثور الشعب ويريدون الوصول للخرمس فيمنعهم الجند من ذلك بصدهم ورشقهم بالسهام دونما رحمة بينما الخرمس ينظرهم من المنصة بذهول ممزوج بالغضب.

أبزينوم باتت تجري بسرعة كبيرة على قدميها في تلك الغابة الشاسعة, تتوقف قليلاً لترتاح فقد أنهكها التعب

أبزينوم : لا تتوقفي يا أبزينوم, لا تتوقفي فلا وقت للراحة بعد الآن

في بقعة أخرى من الغابة يقف أنتيمون يُطالع النجوم في السماء وهو خارج الكوخ, يخرج توكان من الكوخ ليقف بجانبه

أنتيمون : عليّ بالرحيل غداً, سأترك الصغيران في حمايتك يا توكان

توكان : لكن …

أنتيمون مقاطعا حديث صديقة : لازال أمامي جبل الثمانية الذي عليّ اجتيازه للوصل لمملكة الدينون, يجب أن أؤدب الخرمس الخائن وأُنهيه هو وعصابته

توكان : فليكن, لا تقلق على الصغيران سيكونان بأمان معي, لكن عدني بأن تجعلني أشارك في معركتك ضد الخرمس, فما فعله بقمبيز صديقي يكاد يُفجّر الدم بعروقي

أنتيمون : ولك ذلك يا صديقي الوفيّ

أبزينوم لم تجد لها حلا في تلك الغابة الموحشة سوى بالنوم على إحدى الأشجار الضخمة حتى تحمي نفسها من وحوش الغابة الضارية.

ومع بزوغ أول أشعة شمس امتطى أنتيمون الجواد وسط أنظار كل من توكان وآس والأميرين

أنتيمون : هذا الجواد أنقذنا عندما كنا بالغابة أنا وابنيّ أخي, وجدته تائهاً هناك فامتطيته إلى أن وصلت هنا

آس بابتسامة : لقد فلت مني وأضعته في الغابة

توكان : وكأن القدر ساقه إليك

أنتيمون : أجل, فللآن قدري هو من يُسيرني

ينطلق أنتيمون بالخيل بينما ينظره الجميع

آس : فلتحفظك الآلهة أيها الأمير الطيّب

في مملكة الدينون البعيدة كان أبناء الملك الزهدم مع الحر يتبارزان في حديقة القصر بينما أسفع كان يقف ينظرهما بابتسامة وهو يجلس مقعده, يقترب أحد الجند منهم

الجندي : أسيادي الكرام, الملك اليعبوب يطلب مُحادثتكم على الفور

يتوقف كل من الزهدم والحر

أسفع : هيا بنا إذا

قصد الجميع مجلس الملك الخاص ودخلوا فرأوه في توتر شديد يمشي يميناً يساراً ثم ينظر أبنائه

الملك : تأخروا كثيراً, وهذا التأخر يقلقني حد الجنون!

أسفع : علّهم يريدون المكوث أكثر عند عمتي الدأماء

الحر : لا, قد طال الغياب هذه المرة كثيراً بحق

الزهدم : ما سبب كل هذا الخوف والأمان يعم الأرض من مملكتنا إلى مملكة السندوني!

يلتفت الملك بوجهه القلق ينظر ابنه الزهدم

الحر : ألازلت تفكر بالمنام يا أبي؟

اليعبوب : وما يفارقني قط

أسفع : حسنا, سأذهب أنا وبعض الجند لمملكة السندوني فأطمئن على من بالمملكة وأحضر أمي وشقيقتي معنا

اليعبوب : أجل, أجل علينا فعل ذلك

قاد القدر أبزينوم إلى كوخ توكان وهي في آخر رمق لها حيث رأت الأميرين التيهور والتامول يلعبان هناك بجانب الكوخ بينما آس تطهو الطعام وتوكان يُسنن حربته, أبزينوم وهي فاتحة فاها مما ترى تريد التحدث فلا تستطيع, يراها الأميرين الصغيرين

الأميرين بسرور النظر لها : أبزينوم!

تسقط أبزينوم على الأرض فاقدة وعيها فيقترب توكان منها ليحملها

آس باستغراب : من هذه؟

التيهور : إنها أبزينوم

التامول : أرجوكم ساعدوها

يحمل توكان أبزينوم للكوخ وخلفه يكون الأميران وآس, وبعد الاعتناء بها من قبل آس استفاقت أبزينوم لترى الأمير التيهور يُلمّع خنجراً صغيراً بين يديه وهو جالساً على المقعد بالقرب من نيران المدفئة بينما الأميرة التامول تجلس على حِجر آس التي تمشط لها شعرها, تنهض أبزينوم لتجلس على السرير ناظرة الصغيرين في ذهول

أبزينوم : تيهور! تامول!

يلتفت الصغيرين لها فيهرعان لها في لهفة لتضمهما بين أضلعها

أبزينوم : كم أحمد الآلهة أنكما بخير

آس : ليس هما فقط, فالأمير أنتيمون بخير أيضاً

أبزينوم : الأمير أنتيمون! أين هو؟

آس : قصد مملكة الدينون ليستنجد بالملك اليعبوب

أبزينوم : وأنا ما سلكت هذا الطريق إلى لأذهب هناك فأقابل الملك اليعبوب, عليّ اللحاق بالأمير أنتيمون غداً صباحاً

آس : قد لا تستطيعين الرحيل فجسدكِ مُنهك القوى

أبزينوم : سأقوى على ذلك, عليّ باللحاق بالأمير أنتيمون وعليّ بالرحيل غداً صباحاً

آس : سأذهب لأرى إن كان زوجي قد انتهى من شِواء اللحم كي تتقوي به

أما في مملكة السندوني فقد كان الأصدقاء يخططون للإطاحة بالخرمس, الدردم كانت في مخدع الدردبيس جالسة على المقعد المقابل للمقعد الذي يجلس عليه حيث أفاضت له بكل شيء

الدردم : ما قولك الآن يا دردبيس؟

الدردبيس : أقول بأن قولكِ فيه ضرب من الجنون, أنسيتِ بأن بداخله يكمن شيطان أعور! أنسيتِ بأنه قتل مرمريس وزج بنا في السجن, إن علم بخيانتنا له سيقتلنا دونما رحمة

الدردم : لن يعلم بشيء ما لم يخن أحد منا الآخر, ولا أظن بأن أحد منا سيفعل خاصة بعدما رأينا ما حدث لأبزيمو والدألان والديجور

الدردبيس : حسناً فليكن, لقد سئمت عيشة الخوف والذعر من هذا الخرمس وبطشه

يضحك بسخرية

الدردبيس : أطلق عليّ والدي اسم الدردبيس وهو الداهية, لكني لا أجد نفسي داهية قط, بل مجرد رجلٍ كبيرٍ في السن مسكين لا يريد من هذه الحياة إلا أن يعيش في راحةٍ وهناء وأمان, لكن يديّ تستطيع الإطاحة بخمسة رجالٍ معاً, وأنا معكم يا دردم

تبتسم الدردم

أما أبزينوم فما إن ظهر نور الصباح حتى امتطت الخيل وها هي تجري بسرعة بخيلها وهي تشق طريق الغابة تريد اللحاق بالأمير أنتيمون الذي أخذ يرتاح قليلاً ويتناول طعامه في بقعة من تلك الغابة الشاسعة, أما الأصدقاء فلا يزالون يتفقون في السر على خطة لإنهاء حكم وبطش الخرمس وإنقاذ أنفسهم وأصدقائهم من السجن, أما عن الخرمس فيُبقي على ما يجول في صدره وشره في نفسه القذرة

 مُكملاً حياته الملكية الباطشة, الجميع بات قدرة مجهولا ولا يُعلم ما سيحدث معهم بعد, قررت الدردم بأن تقصد الملكة الدأماء للتحدث معها.

الدردم واقفة أمام الملكة الدأماء في مخدعها

الدأماء : وهل تعتقدين بأنكم ستُفلحون بذلك؟

الدردم : نأمل يا مولاتي, كما نأمل أن تغفري لنا شرنا

الدأماء : من المُرشح للذهاب لمملكة الدينون؟

الدردم : نحن نرشح الدرقل والدرفاس وأسيتون, وبعض الجند الذين سيرسلهم الخرمس بالطبع

تنزع الملكة من إصبعها السبابة خاتماً جوهرياً ثميناً يحمل جوهرة حمراء

الملكة : خذي, أعطيه من سيذهب لأخي اليعبوب ليعطيه له حتى يطمئن بأني لازالت على قيد الحياة, من سيذهب لليعبوب عليه بإبلاغه بكل شيء حدث في هذه المملكة الغالية, لن أنسى مساعدتكم هذه قط إن استطعتم إنقاذ السندوني

الدردم : فلتكن الآلهة في عوننا يا مولاتي

الملكة : دردم, أبنائي

الدردم : لا تقلقي, لم يقعا بين يديه, لكني أيضاً لا أعلم عنهما شيء ولا عن الأمير أنتيمون

وما إن أتى الليل حتى قصد كل من الدردبيس والدردم والعنظوان والدرقل والدرفاس وأسيتون ذهبية المملكة

العنظوان : تُرى ما سبب طلبه لنا في هذا الاستعجال المُريب؟

الدردم : نعلم الآن

الدرفاس : أخشَ من هذا العِلم

يدخل الفرسان الذهبية الملكية ليُفاجئوا برؤية الإبريز وأكسم والورل هناك واقفون في الذهبية بينما الملك الخرمس جالساً على عرشه, ينحني الفرسان للملك

الملك بهدوئه وخبثه : استقيموا

يستقم الجميع, الخرمس يُشير لهم بالجلوس فيجلسوا

الخرمس : ما أحوال الشعب؟

الورل : إنه تحت السيطرة التامة يا مولاي, ولا خوف منه بعد اليوم

الخرمس : هل من اقتراحات لدى أحدكم يريد طرحها؟

الدردبيس : ليس لدينا شيء يا مولاي

الخرمس : حسنا, ماذا عن استعدادات الجيوش؟

الورل : نحن نُعدهم يا مولاي, ولا تقلق سيستعدون في الوقت المناسب تماما

الدردبيس متوجسا خيفة: وفيم استعداد الجيش يا مولاي؟

الخرمس : لأغزو مملكة الدينون واُرضخها تحت حكمي

وشاء القدر بأن تلتقي أبزينوم مع الأمير أنتيمون في تلك الغابة حيث كانت أبزينوم تجري بخيلها بسرعة بينما الأمير أنتيمون كان نائماً على الأرض وقد غطته الشجيرات وتغطى بردائه الطويل بحيث لا يكاد يبين منه شيء, قفزت أبزينوم بخيلها من على تلك الشجيرات الصغيرة, استفاق أنتيمون فزعاً, توقفت أبزينوم بخيلها لتلتفت له, ينهض أنتيمون ليكشف عن ردائه

أنتيمون : أبزينوم!

بكل ذهولها تترجل أبزينوم عن الخيل لتقترب من أنتيمون

أبزينوم تمسك بيده اليمنى : أنت بخير!

أنتيمون : أجل, من بقيَ على قد الحياة؟

أبزينوم : أنا وأختي والأميرة يوح والملكة الدأماء فقط

أنتيمون بحزن : أجل, شهدت مقتل إخوتي

بقى الاثنان مع بعضهما البعض وأكملا طريقهما وأخيرا تمكنا من الخروج من الغابة وهما على صهوة جواديهما, توقفا قليلا

أنتيمون وهو ينظر السهول : الآن ليس علينا سوى اجتياز جبل الثمانية

أبزينوم : أجل, وبعدها لمُبتغانا

ينطلقان دونما توقف بسرعة رهيبة بالخيل

أما عن الدرفاس وفي لحظته تلك فقد أخذ يتذكر ذكرى كانت تشغل باله وأخذ فكره بتذكرها وهو يقف في مخدعه أمام تلك المرآة يرتدي رداءه ثم تذكر ليلة البارحة

 

(ذكرى)

كان جالسا على المقعد في مخدعه ويشرب شرابا من الكأس التي بيده اليمنى, ثم دخلت فتاة

الدرفاس بابتسامة : وأخيرا وصلتي؟ كنتُ أنتظركِ منذ مدة, اقتربي

اقتربت الفتاة منه وهي تنظره بانزعاج

الدرفاس يشير لها بالجلوس في حجرة : اجلسي ها هنا

الفتاة تقف مكانها وهي تنظره ثم تقترب منه لتجلس بحجره مُكرهه

الدرفاس : ما بالكِ تنظرين إلي هكذا؟ اذهبي من هنا عليكِ اللعنة, اخرجي

تخرج الفتاة بسرعة

الدرفاس : اللعنة عليك يا يعبوب, كل ما أنا به بسببك أنت!

يضع يده اليمنى على عينه اليمنى المفقوءة, يخرج من مخدعه ليقصد مخدع العنظوان ويدخل, العنظوان يكون جالسا على المقعد تحيط به طاولة صغيرة يتناول فطوره

العنظوان : ألا تطرق باب المخدع؟ آه نسيت فقد تعودت أن تعيش في غابة لا أبواب لها

يجلس الدرفاس

الدرفاس : هل تراني قبيحا؟

العنظوان : ماذا؟ تأتني في الصباح الباكر ولا تطرق باب مخدعي لتأتي وتسألني هكذا سؤال؟!

الدرفاس : لم تتقبلني تلك الفتاة التي طلبت البارحة

العنظوان : أوه, معها حق, ندبتك, لا بأس لا تهتم, لم تتقبلك فتاة البارحة لتتقبلك فتاة أخرى الليلة

الدرفاس : اليعبوب هو السبب

العنظوان : أجل, لازلت أتذكر ما حدث معنا هناك

 

(ذكرى ماضيه)

في مملكة الدينون وفي مجلس الملك اليعبوب الخاص يمثل كل من مرمريس والدردم والعنظوان والدرفاس والديجور وأبزيمو وأسيتون والدألان والدرقل أمام الملكين اليعبوب والميسان الجالسين عرشيهما

الملك اليعبوب : ويحكم وويح فِعالكُم, إني خجل بالفعل منكم كونكم من جنودي المقربين!

الملكة الميسان : فِعالكُم ليست بفعال جند الملك الشخصيين, هل جننتم؟!

مرمريس : مولاي الملك

اليعبوب مقاطعا حديثه : صمتا, وتتجرأ على التحدث معي بعدما فعلته؟! العنظوان وأعنص والدرفاس والدألان كلكم اغتصبتم أربع فتيات في عمر الزهور ليلة البارحة, أما عن أبزيمو

أبزيمو : أنا لم أغتصب أي فتاة يا مولاي الملك

اليعبوب : نعم لم تغتصب, أنت والدرقل, لكنكم وقفتم لتشاهدوا المنظر دونما أن تحركوا ساكنين وهذه فعلة ليست بأهون من سابقتها, أما أسيتون فإني في أشد الخجل من نفسي لكونه من أحد جندي الشخصيين, تمارس الرذيلة وفي مملكتي؟! وقصري؟! ما علمت برجلٍ تميل نفسه للفتيان الصغار سواك!

ينظر الملك للديجور : قاتل يا ديجور؟ قاتل!

الديجور : لم أقصد ذلك يا مولاي لكنه حدث

اليعبوب : قد قتلت الرجل وانتهى الأمر, كان عليك أن تنتبه لقبضتك القوية وتبتعد عنه دونما قتلة

ينظر الملك لمرمريس والدردم : سارقان! ما الذي ينقصكما في مملكتي حتى تتجها للسرقة؟ أقسم بأني خجل مما سمعت عنكم جميعا, زجوا بهم في السجن إلى أن يصدر الحكم فيهم

مرمريس : لكن مولاي, أرجوك استمع إلي

يأخذ الجند عصابة مرمريس ويخرجوهم من المجلس ليزجوا بهم في السجن

يضع الملك اليعبوب يده اليمنى على رأسه : ويلاه, يحدث كل ذلك في مملكتي! وعلى يد من؟ جندي!

الميسان : عليك أن تعاقبهم بعقاب شديد حتى لا يتجرأ غيرهم من فعل فعالهم المقيتة

اليعبوب : أجل علي بذلك وسأفعل

مرمريس وأصحابه باتوا في السجن فأخذوا بتجاذب أطراف الحديث مع بعضهم البعض

مرمريس : ويحك يا أسيتون ! هل تهوى الفتيان!

أسيتون : مالت نفسي لذلك دون الفتيات, ولكن أنت ما الذي دفعك للسرقة؟ والدردم معك أيضا!

الدردم : حل عني أيها القذر

مرمريس : أجل سرقنا, لكن هي لا تعد سرقة من وجهة نظري, إنها أموال المملكة وخزينتها ونحن أحق بها من غيرنا!

الدرقل : الملك معه حق, ما كان علينا من أن نكتفي بالنظر مكتوفي الأيدي دونما أن نساعد تلك الفتيات المسكينات

العنظوان : ولماذا هن مسكينات؟ ربما استمتعن بالأمر أكثر منا

الدرقل : عليك اللعنة من مغتصب حقير!

يقف العنظوان ليتعارك مع الدرقل فيفض الديجور بينهما

الديجور : كفاكما!

العنظوان : ابتعد عني أيها القاتل!

يجلس الديجور

الديجور : لو تمالكتُ غضبي الذي اعتراني في ذاك الموقف لما كنت ها هنا الآن معكم

أبزيمو : جميعنا مخطئون, وعلينا أن نتحمل عواقب ما اقترفت أيدينا وأنفسنا

وفي صباح اليوم التالي أجمع الملك اليعبوب مرمريس وأصحابه في مجلسة الخاص وبحضور الملكة الميسان وبعض الجند ليعلن لهم قرار عقوبتهم

الملك اليعبوب جالسا على عرشه وبجواره تجلس زوجته الملكة الميسان

الملك اليعبوب : جراء فعالكم المشينة وعدم التزامكم بقوانين مملكة الدينون, فأعلن اليوم قرار نفيكم جميعا من مملكة الدينون, قرار لا رجعت فيه مطلقا

ينظر الجميع لبعضه البعض في ذهول تام بينما يستل الدرفاس سيف أحد الجند ويرغب بقتل الملك اليعبوب به فيسحب الملك اليعبوب سيفه من غمده ويصد ضربة سيف الدرفاس ثم يجرح بسيفه عين الدرفاس اليمنى

الدرفاس : آه, عيني, ويلاه عيني!

الملك اليعبوب : أخرجوهم من مملكتي فورا ولا يعودنّ أحدهم إلينا مطلقا, وستُلقبون من الآن فصاعدا بلقب “المنفيون من مملكة الدينون”

يعود العنظوان من ذكراه القديمة لحاضره

العنظوان : وأصبحنا المنفيون بالفعل, وها نحن الآن في مملكةٍ أخرى ويملك أمرنا ملك آخر, ولا نعلم بعد ما يخبئه لنا هذا الملك.

في مملكة السندوني قرر الأصدقاء الاستعانة بالرجال الشداد المسجونين ليكونوا حلفاء ومعاونين لهم كما فعل الخرمس سابقا ونجحوا بذلك, ولكن الخرمس علم بما يدبرون من مكيدة له

الخرمس جالساً على عرشه في ذهبية المملكة ينظر بذهول لكل من الورل والإبريز الماثلان أمامه

يقف الخرمس ليقترب منهما فيقول بصوته الهادئ الخبيث : ماذا قلتما؟

الورل : إنهم يدبرون للإطاحة بمُلكك يا مولاي

الإبريز : لقد كشفنا كل مُخططاتهم السريّة يا مولاي الملك

يرتسم الغضب الشديد على وجه الخرمس وفي عينيه الشريرتين

الملك : أكتموا على ما قلتم لي وعلى ما علمتم إلى حين

الخرمس جالساً على عرشه بكل أنفته ينظر لكل من الدردم والدردبيس والعنظوان, يدخل القاعة الإبريز معه مجموعة من الجند يلتفون حول الأصدقاء شاهرين سيوفهم نحوهم, يُدخل أحد الجند كل من الدرفاس وأسيتون القاعة فيذهل الأصدقاء من رؤيتهما

الخرمس بصوته الهادئ الخبيث وهو ينظرهم : الخيانة

ينظر له الأصدقاء بذهول

الخرمس : معظم ملوك الأرض عندما يفنون يكن سبب فنائهم وفناء مُلكهم وعرشهم, الخيانة, إني أمقتها برغم أني خنت من كان ملك هذه المملكة, ستكونون عبرة لمن لا يعتبر اليوم أيها الأصدقاء الأوفياء, أيها الجند, خذوهم للساحة العامة

الدردبيس : انتظر أيها الملك, ستقتلنا وهذا لا شك فيه, لكني أود معرفة سبب غدرك للملك قمبيز برغم المكانة العليا التي أحاطك بها؟!

الخرمس : وما حاجتك لذلك؟

الدردبيس : أمنية أخيرة قبل الموت

الخرمس : فليكن, بما أنك ستموت سألبي هذه الأمنية لك, لأن والد قمبيز الملك السابق اغتصب أختي, كان يشتهيها وعندما رفضته كزوجة اغتصبها, شهدتُ مقتلها بأم عيني, دخلت مخدعها فرأيتها تستل خنجري وتوجهه على قلبها رجوتها ألا تفعل فقالت بأن لا حياة لفتاة مُغتصبة على هذا الوجود, قتلت نفسها بخنجري, الجميع اعتقد بأن والد قمبيز مات موتاً عاديّاً لكن بالواقع أنا من خنقته بيديّ وفي عقر مخدعه وفي سريرة الناعم, وقبل أن يموت أقسمت أمامه بأن أقتل ذريته ولا أُبقي منهم أحداً وأحتل مملكته وعرشه, وها أنا الآن هنا, خذوهم

الدردم : لكن ما ذنب الملك قمبيز وأشقائه؟!

الخرمس ينظرها بشرة : أنهم منه, خذوهم, وابحثوا لي عن ذاك المسمى بالدرقل واقتلوه هو أيضا

وبينما كان الأصدقاء مكبلون بالسلاسل الحديدية يمشون في أروقة القصر يقودهم جند الخرمس كان العنظوان يتذكر أمرا ما كان قد نسيه

 

(ذكرى العنظوان)

في تلك الغابة وبعد أن أوقفوا العربة الملكية فتح العنظوان باب العربة التي كانت فيها كل من الملكة الميسان وابنتها الأميرة اليمام وسحب الملكة من يدها اليمنى بينما كانت هي وابنتها تنظرانه بذهول ممزوج بالرعب

الملكة الميسان : ألازلتم على قيد الحياة!

العنظوان يضع السيف على حنجرتها

اليمام بذعر : أمي!

تنزل اليمام من العربة تود من أن تساعد والدتها وتخلصها من قبضة العنظوان, يلكزها العنظوان بقوة فتتلقفها يدي أعنص

أعنص : شكرا لك لوضعها بين يدي

الملكة الميسان : ابتعد عنها أيها القذر!

يلعق أعنص وأمام عيني الميسان وجنت اليمام اليمنى

الأميرة اليمام : ابتعد عني, أماه!

مرمريس يقترب ناظرا لهما : ما الذي تفعلانه؟ أنهيا الأمر بسرعة, هيا

أعنص : سنفعل ذلك بكل تأكيد

الميسان : عليكم اللعنة أيها الخونة!

العنظوان هامسا في أذن الميسان : آن الأوان من أن تدفعوا ثمن نفيكم لنا من موطننا

قامت الأميرة اليمام بعض أعنص في يده وتمكنت من الإفلات منه

الملكة الميسان : اهربي بسرعة يا ابنتي

قام العنظوان بقتل الميسان من الوريد للوريد بينما كان أعنص يُطارد اليمام المذعورة التي أخذت بشق الأشجار الكثيفة حتى وصلت لمنحدر مخيف

أعنص خلفها : ها قد وصلتِ لنقطة النهاية

تنظر اليمام للمنحدر ثم تنظر لأعنص الذي يمد يده اليمنى لها

أعنص : هيا يا صغيرتي اقتربي مني وامنحيني يدكِ

يقترب العنظوان ينظرهما

العنظوان : ألم تتمكن منها بعد!

أعنص : هيا تعالي, إن سقطتِ من على هذا الجرف ستكونين بين قبضت ملك الموت لا محال

الأميرة اليمام : قبضت ملك الموت أفضل بكثير من قبضتك أنت

ترمي اليمام نفسها من على ذاك الجرف

أعنص بغيض : اللعنة!

يعود العنظوان من ذاكرته الماضية لحاضرة لينظر أين أصبح موقعه الحالي فيبتسم بسخرية, وفي الساحة العامة وفي وسط حشد الناس يقترب الديدبان ليرى الأصدقاء موثقون بسلاسل حديدية وجند الخرمس موجهين لهم سهامهم ينتظرون إشارة من الخرمس, يخرج الخرمس للمنصة العُليا ينظر لهم باشمئزاز وهو يُحرك ذاك الخاتم في إصبعه السبابة بيده اليسرى ثم يُشير بيده اليمنى للجند برشقهم بالسهام القاتلة فيفعلوا لينتهي بذلك عهد الأصدقاء.

الخرمس بصوت خفيف : فليعلم الآن الجميع بأني لا أرحم الخَوَنَة

أحكم الخرمس قبضته الشريرة على المملكة وأصحابها الأوفياء, بينما لازال مصير الأمير أنتيمون وأبزينوم مجهولا, تُرى هل سيصلان بسلام لمملكة الدينون وطلب النجدة من الملك اليعبوب؟ أم سيبقى الحال على ما هو عليه؟ وماذا سيكون مصير الدرقل والملكة الدأماء والمملكة؟

 

الفصل الثالث: أبواب الذكريات

 في ذاك الليل البهيم حيث يأوي الجميع في مخادعهم مطمئنون, هناك أناس لم يغمض لهم جفن في ليلتهم بسبب تلك الذكريات التي دائما ما تطاردهم مثل الأشباح المخيفة

الورل يقف في شرفة مخدعه ليُطالع السماء بوجهه الجاد الملامح ثم يتذكر

 

(ذكرى)

الخرمس متخفيا برداءة يتحدث مع الورل خلف قضبان السجن

الخرمس : إن ساعدتني سيكون لك شأن عظيم لدي, وفي مملكتي الجديدة

الورل : أنا ميت لا محالة, ولكن وبما أنك فتحت لي بابا جديدا من أمل بخروجي من هذا السجن اللعين, فحسنا, أنا أذعن لك بولائي التام, وسأساعدك

يبتسم الخرمس

يعود الورل لحاضره لينظر لشرفة مخدع الإبريز الواقف فيها, يبتسم الورل للإبريز ثم يدخل مخدعه بينما يذهب الإبريز بذاكرته للوراء

 

(ذكرى)

الإبريز جالسا على أرضية السجن يضحك

الإبريز : حقا!

الخرمس : هذا إن شئت الخروج من سجنك اللعين هذا

الإبريز يقف ليقترب من قضبان السجن : أجل, أود الخروج, ولكني لا أثق بك

الخرمس : لا خيار لديك, إما أن تثق وإما أن لا تفعل

الإبريز : في كلتا الحالتين أنا مسجون, فليكن, سأساعدك, ولكن عليك أن تفي بوعودك لي عند مساعدتي لك

الخرمس : لن أنكر وعدي, وسأفي به

الإبريز : حسنا, وأنا معك

أما عن أكسم فهو يجلس على ذاك المقعد في مخدعه ينظف سيفه الذي بين يديه ثم يتوقف ليتذكر

 

(ذكرى)

يقف أكسم من جلسته ليقترب من القضبان الحديدية في تلك الظلمة

أكسم : من أنت؟ فأنا لا أعرفك, مضت سنون عديدة على مكوثي ها هنا

الخرمس : وما يهمك من أكون الآن؟ عليك بالاهتمام بما سأكونه غدا

أكسم : وماذا ستكون؟

الخرمس : ملك هذه المملكة

يضحك أكسم

أكسم : ويتركك قمبيز؟ أو أشقاءه؟

الخرمس : سأفنيهم عن بكرة أبيهم بمساعدتك أنت وغيرك

أكسم : من معك؟

الخرمس : الكثير

أكسم : أرى فيك قوة وبطشا, فليكن, سأقف إلى جانبك

يبتسم الخرمس

يعود أكسم لحاضرة ليُدخل السيف في غمده ووجهه تعلوه تلك النظرات الحادة المليئة بالشر.

هكذا مضى الليل على الجميع, كل منهم أخذته ذكرياته لذاك الماضي ثم عاد لحاضره الذي يعيش, أشرق الصباح على الملك اليعبوب ليُطل هو من خلال شرفة مخدعه الفخم يستنشق بعض الهواء العليل ثم ينظر لحديقة قصره الكبيرة فيتذكر زوجته الجميلة الملكة الميسان

 

(ذكرى)

الملك اليعبوب واقفا في شرفة مخدعه ينظر للملكة الميسان التي تمشي في حديقة القصر في الصباح, يبتسم عند رؤيته لها ثم يخرج من مخدعه ليمشي في أروقة القصر ثم ينزل من على عتبات ذاك الدرج الطويل والمؤدي للحديقة الكبيرة ليمشي بخطواته تجاه زوجته الجميلة الملكة الميسان

اليعبوب : ميساني

تلتفت له الميسان : يعبوب, طاب صباحك

اليعبوب : وصباحكِ أيتها الجميلة الناعمة

تبتسم الميسان : هلا رافقتني في مشي؟

اليعبوب : بكل ودٍ وسرور

يعود اليعبوب من ذاكرته الماضية لحاضره

اليعبوب : كم أفتقدكِ ميسان, أتمنى أن يطيب لكِ المقام في مملكة السندوني

يخرج اليعبوب من مخدعه ليمشي في طرقات القصر ثم ينزل من على عتبات الدرج ليقصد الحديقة, يقترب من تلك الورود يشمها قليلا

اليعبوب : آهٍ يا وردتي الجميلة, هل أنتِ في شوقٍ أيضا للأميرة اليمام؟ لم يُطل صباح من دون أن تسقيكِ اليمام بيديها الناعمتين

ينظر اليعبوب للسماء ثم يُعيد نظرة للورود ليتذكر ابنته الأميرة اليمام

 

(ذكرى)

تسقي اليمام الورود من ذاك الإناء الذي تحمله يديها بينما ينظرها كل من الملكين اليعبوب والميسان بابتسامة وسرور, تقترب الأميرة اليمام منهما لتجلس بجوار والدتها بعدما تأخذ ذاك الأرنب من على أرضية الحديقة الخضراء فتداعبه بيدها اليمنى, يقترب كل من الحر والزهدم وأسفع

الحر : طاب صباحكم

الملكين واليمام : وصباحك يا حر

أسفع : طاب صباحكم أيها الملكين الرائعين

الملكين واليمام : وصباحك يا أسفع

الزهدم : طاب صباحكم جميعا يا والدي العزيز وأمي الغالية وأختي الرائعة

الملكين واليمام : وصباحك يا زهدم

يجلسون معا في سعادة وهناء بال

يعود الملك اليعبوب من ذاكرته الماضية لحاضرة على صوت ابنة الحر

الحر : طاب صباحك يا والدي العزيز

اليعبوب : وصباحك يا بني

الحر : أنت في شوقٍ لهم أليس كذلك؟

اليعبوب : أجل, إني كذلك

الحر : وأنا أيضا, أتمنى أن يطيب لهن المقام في مملكة السندوني

يبتسم اليعبوب ابتسامة ممزوجة ببعض الحزن, فما يشغل بال اليعبوب الآن هو أمر غريب لا يعلم له سبب, هو شعور الزوج والأب والشقيق والصديق.

الفصل الرابع: جبل الثمانية

الصِعاب كثيرة في هذه الحياة, ولكن إن وُجِد من هو أهل لها فستتحول كل تلك الصعاب لِلا شيء, الأمل هو الشيء الإيجابي الوحيد الذي يحركنا نحو أهدافنا والوصول إليها مهما كانت الظروف قاسية, وهذا ما كان يفعله كل من أبزينوم والأمير أنتيمون اللذين أصبحا يكملا طريقيهما لجبل الثمانية, هناك ثمانية فرسان شداد بواسل يحرسون سلسلة هذا الجبل العظيم دون أن يعبر أي من الأعداء هذا الجبل الكبير للوصول لمملكة الدينون, هؤلاء البواسل هم حاموا مملكة الدينون وبأمر من الملك اليعبوب هم يقومون بواجب الحراسة الدائمة, قائد الفرسان يدعى الزعيم ولكن اسمه هو “الباسل”.

في الصباح الباكر وعلى ذاك الجبل الشاهق الارتفاع يتدرب الباسل بالسيف ويتلاعب به بقبضة يده اليمنى ثم يتوقف لينظر السماء ولذلك الشاهين الذي يحلق عاليا, يفرد الباسل يده اليسرى للشاهين فيحط عليها

الباسل : هناك أحد ما على الطريق إذا

ينزل الباسل وبسرعة الخُطى من على الجبل ليقترب من الخيمة الكبيرة المنصوبة في السهل, يدخلها ليقول لرفاقه السبعة

الباسل : تأهبوا, لدينا زُوار

يخرج الباسل من الخيمة ليطلق الشاهين عاليا ثم يقترب من خيله يصعده, يقول لرُفقائه

الباسل : سأتقدم لأعرف كم عددهم وأعود, تأهبوا أنتم هنا, وإياكم أن يعبر أي أحد هذا الجبل

ينطلق الباسل في ذاك السهل الكبير بسرعة خيله وفوقه يحلق الشاهين بينما

لا يزال كل من أنتيمون وأبزينوم يجريان بسرعة الجوادين في ذاك السهل.

وبعد مدة حيث تكون الشمس تشارف على المغيب يعود الباسل لأصحابه اللذين يُشعلون نارا ليجلسوا ويتدفئوا حولها, يترجل الباسل من على خيله

الباسل : لم أرى أحدا, ربما لا يزالون بتلك الغابة الغامضة, كل ما علينا فعله هو الاستعداد للقائهم وحسب

أحد الجند : سأسهر الليلة

الباسل : فليكن

في حين كان الباسل وأصحابه يستعدون لقدوم الغرباء كان الدرقل يتواجه هو وفهد أسود في تلك الغابة الغامضة حتى قضى عليه بشراسة

الدرقل : تُرى ما الذي تحمله لي هذه الغابة بعد؟ في أي شيء قد زججت بنفسك يا درقل؟

أما عن الباسل فقد خلد للنوم في الخيمة حيث رأى ذاك المنام الجميل

 

(المنام)

الباسل واقفا في ذاك السهل الكبير هو وأصحابه ينظرون العربة الملكية التي تتقدم نحوهم وهي عربة الملكة الدأماء معها الأميرة يوح وبعض الجند اللذين يحرسون العربة الملكية, تتوقف العربة ليتقدم الباسل من بابها ويقول :

الباسل : مولاتي الملكة الدأماء مرحبا بكِ في ربوع جبل الثمانية, وأنا الباسل أرافقكِ إلى مملكة أخيكِ الملك اليعبوب

الدأماء بابتسامة : فليكن يا باسل

يوح : أماه, أريد النزول قليلا من العربة فقد تعبت رجلاي من الجلوس بها

الدأماء : حسنا يا يوح, فلنفعل كلتانا ذلك

تنزل الأميرة يوح من العربة وكذلك الملكة الدأماء, يستنشقن الهواء العليل في حين ينظر الباسل لجمال الأميرة يوح ثم عندما تنظره هي يُشيح بنظره عنها, تبتسم يوح ثم تنظر السماء فترى الشاهين المحلق

يوح : أمي, أنظري إنه شاهين كبير يحلق في السماء!

الدأماء : إنه شاهين الباسل فأنا أعرفه جيدا

الباسل : أجل مولاتي

يوح وهي تنظر الباسل : أريد أن أراه عن قرب

الباسل : فليكن مولاتي الأميرة

يفرد الباسل يده اليسرى للشاهين فيقترب الشاهين ليحط على يده, تقترب يوح لتنظره في سرور

ينتهي المنام ليستيقظ الباسل من نومه

ومع بزوغ أول خيط للفجر أكمل الدرقل طريقه في تلك الغابة يود الخروج منها, أما عن الأمير أنتيمون وأبزينوم فكذلك يُكملان طريقيهما المجهول, أما عن الباسل وأصحابه فهم في انتظار من سيتقدم لهم يبغي مملكة الدينون.

تُرى ماذا سيفعل الباسل عند رؤيته للأمير أنتيمون وأبزينوم؟ وهل سيسمح لهما بعبور جبل الثمانية أم لا؟ والدرقل الذي يقطع الغابة في سرعته هل سيصل لمملكة الدينون أم لا؟

 

الفصل الخامس: عودة السندوني والعهد العادل

ما غاب طائر عن عُشه مُرغما إلا وقد حن إليه, وشوق ذاك الحنين يُعيده لذاك العُش الذي ترك مرة أخرى, الأمان, العدل, السلام, راحة البال, مَوطِن الكرامة والعِزة هي أشياء ثمينة يحن لها المرء دوما.

وأخيرا تمكن الأمير أنتيمون معه أبزينوم من الوصول لجبل الثمانية ولكنهما وقعا بين قبضة رجال ملثمون يرتدون الرداء الأسود اللون وهم يسلطون سيوفهم عليهم

الزعيم وهو يوجه سيفه لأنتيمون : أفصِح عن نفسك

أنتيمون : وما حاجتي لذلك؟

الزعيم : إن لم تُفصح لا حاجة لك إذاً بسلك هذا الطريق

أنتيمون : ومن أنت لتوقف المارّة وتسألهم؟

الزعيم : أنا وأصدقائي حاموا جبل الثمانية بأمرٍ من الملك اليعبوب, والآن أفصِح

أبزينوم : أفصِح له

أنتيمون : كلا

أبزينوم : افعل

الزعيم : لا تقلق, لن نؤذيك ما دمت لا تريد الشر

أنتيمون : عليّ بقصد مملكة الدينون لطلب النجدة وبسرعة

الزعيم : فيمَ؟

أبزينوم : استُولِيَ على مملكة السندوني وقُتل ملكها وعلينا بطلب نجدت الملك اليعبوب على الفور

يكشف الفارس عن لثامه ليظهر وجهه المذهول : ما الذي تقولينه!

أنتيمون : دعنا نمر الآن بسلام

الزعيم : وأرافقكم بنفسي, لكن من أنت؟

أنتيمون : أنا الأمير أنتيمون شقيق الملك المغدور قمبيز

يجثوا له الثمانية رجال

الباسل : سمو الأمير اغفر لنا رجاءا

أنتيمون : استقيموا أرجوكم, لا أحتاج لكل هذا بقدر ما أحتاج للمساعدة الآن

يقف الجميع ليقول الزعيم : سأرافقكم لمملكة الدينون بنفسي, ولكن ألا تستريحون قليلا من عناء الطريق؟

أنتيمون : لا وقت لدينا مطلقا, هيا بسرعة

وينطلق كل من الأمير أنتيمون مع أبزينوم والزعيم على صهوة خيولهم لمملكة الدينون بسرعة كبيرة, وما هي إلا بضع ساعات إلا وأصبح الثلاثة على أبواب المملكة, دخلوا جميعهم بسرعة الخيل ليصلوا للقصر بسرعة.

يفتح الملك اليعبوب باب مجلسة على مصراعيه ليخرج منه والذهول يرتسم على ملامح وجهه خلفه يكون أبنائه الحُر والزهدم, يتوقف الملك في رواق القصر لينظر بذهول لأنتيمون ومن معه, يقترب أنتيمون من الملك بسرعة

أنتيمون : مولاي الملك!

الملك بذهول وقلق : ما أتى بك ها هنا إلا شر كبير, فما هو؟

أنتيمون بحزن : إنها الخيانة, الخيانة

يذهل الملك مما سمع كما الباقون

الحر : خيانة!

الملك اليعبوب : فلتتفضل مجلسي

وعلى وجه السرعة ذهب الجميع لمجلس الملك الخاص حيث أفاض أنتيمون بكل ما في جعبته, الملك اليعبوب جالساً على عرشه ينظر بذهول لأنتيمون وأبزينوم والفارس الباسل بينما ينظر الأشقاء لبعضهم البعض في ذهول

الزهدم لأنتيمون : قل شيئاً غير هذا!

أنتيمون بحزن وهو مُطأطأ الرأس : قتل أخي الملك, وأقيانس وبربار

الملك بصوت بالكاد أن يظهر : والدأماء؟!

أنتيمون : لا

أبزينوم : أبقى عليها, لتكون له زوجة

يقف اليعبوب بصعوبة من على عرشه لينزل من على تلك العتبات الصغيرة فيسقط على الأرض لتتلقفه أيدي الحر والزهدم

الحر : أبي!

يُحيط به الجميع, الملك في حالة صدمة شديدة يفقد وعيه

في لحظة ذهول وهلع كبيرين سقط الملك اليعبوب فاقدا وعيه, فمن هذا الذي سيسمع خبرا مهولا كهذا وسيمتلك القوة للصمود!

في حين كان الخرمس يُكمل طغيانه وجبروته ضد الجميع هناك في تلك المملكة وقد أعد الجيش الكبير ليقصد به مملكة الدينون ويحتلها كما فعل بالسندوني.

الخرمس واقفا في الذهبية الملكية ينظر لكل من الإبريز والورل

الخرمس : ستقودان الجيوش لمملكة الدينون, أبيدوهم عن بكرة أبيهم, وأرسلوا لي الأنباء السعيدة على الفور

الورل : بأمرك مولاي الملك

يُشير لهما بيده بالانصراف فينصرفا, يخرجا من المملكة يقودان جيوش مملكة السندوني العظيمة, الخرمس كان يقف هناك في المنصة العليا وقد أحضر الدأماء لتنظر للجيوش التي تقصد مملكة شقيقها حتى تنهيهم تماما

الخرمس ناظرا لها : ما رأيك؟

الدأماء : لا تستبق الأحداث مطلقا يا خرمس, مطلقا

الخرمس بسخرية : بل سأستبق, فشقيقكِ لا علم له بما أدبره أنا له ولمملكته التي سأملكها قريبا, سيفاجئ هو بجيوش عظيمة دونما أن يكون هو في استعداد لها, ثم

سيحدث ما أصبوا أنا إليه وستقع الدينون بين يداي وسأحكم المملكتين معا, وسأحضر رأس أخيكِ ها هنا أمامكِ, وسأجعلكِ ترين ذلك بأم عينيكِ

نظرته الدأماء بعينيها الجميلتين وهي تبتسم ثم تركته مغادرة بينما هو كان يستغرب تصرفها وهو ينظرها. 

في مملكة الدينون حيث أصبح الملك اليعبوب طريح الفراش كان أبناءه يجتمعون في مجلسه الخاص

الحر بحزن كبير : ما يخيفني الآن هو أمر والدتي وشقيقتي! تُرى ماذا حل بهن؟

الزهدم : اللعنة على أولئك الخونة! ويلاه لقد كانت رؤية أبي صادقة إذا!

الحر : علينا أن نتحرك وبأقصى سرعة لدينا

الزهدم : أنا سأتولى تجهيز الجيوش

الحر : فليكن, وسأشرف على ذلك بنفسي أيضا

وبدأت التجهيزات بأسرع ما يكون في مملكة الدينون وإعداد العُدة للحرب فيما كان الدرقل على صهوة الخيل يقترب من جبل الثمانية فأحاط به السبعة رجال الشداد

الدرقل : عليّ بلوغ مملكة الدينون لأوصل للملك اليعبوب رسالة مستعجلة بالغة الأهمية من شقيقته الملكة الدأماء

سمح الفرسان بعبور الدرقل جبل الثمانية للوصول لمملكة الدينون وإخبارهم بما يود.

استطاع الدرقل من الوصول لمملكة الدينون حيث طلب مقابلة الملك اليعبوب على الفور في رسالة مستعجلة من شقيقته الملكة الدأماء, وما إن سمع الحر والزهدم بذلك إلا وذهبوا جميعا معهم أنتيمون وأبزينوم حتى قصدوا مجلس الضيوف على وجه السرعة ورؤية المبعوث.

الحُر مع أنتيمون والزهدم وأبزينوم يدخلون مجلس الضيوف حيث يكون في الانتظار الدرقل, ينهض الدرقل فور رؤيته لهم فينحني أمامهم

الزهدم : أنت؟!

الحر : قيل لي بأنك تحمل أنباء من مملكة السندوني

الدرقل : أجل, ومن الملكة الدأماء ذاتها

الزهدم : عمتي! أهي بخير؟

الدرقل : أجل يا سيدي, لكنها تطلب نجدت الملك اليعبوب وعلى أسرع ما يكون

يُخرج الدرقل الخاتم من جيبه

الدرقل : أعطوني هذا الخاتم كي أوصله للملك اليعبوب, هو خاتم الملكة الدأماء

أنتيمون : من أنت؟

الدرقل : كنت من عصابة مرمريس وكنت من ضمن …

الزهدم مقاطعا حديثه : المنفيون من مملكة الدينون

أنتيمون : ماذا؟!

الدرقل : أجل, وكنت كذلك ممن تآمر على مملكة السندوني وملكها

الزهدم يستل سيفه ليوجهه للدرقل : ويحك!

الحر يصد سيف الزهدم عن الدرقل : زهدم, إنه رسول!

الزهدم : ليس برسول بل خائن

الدرقل : أعلم, لكني لم أعد أرغب بالشر, وها أنا الآن آتيكم هنا وبنفسي لأبلغكم رسالة الملكة الدأماء, ثم إن الخرمس قد أعد جيشا عظيما يبعثه ها هنا

الزهدم : وفيمَ يبعثه؟

الدرقل : ليغزو مملكة الدينون ويُرضخها تحت حكمة الباطش

يضم الحر الخاتم بقبضة يده اليمنى الغاضبة

الحر : قمساً لأمزقه شر تمزيق

أنتيمون : ما أخبار الباقون؟ الأميرة يوح

الدرقل في حزن وهو يطأطئ الرأس : لقد أحرقت أيها الأمير, أحرقها الخرمس أمام مرأى الناس جميعاً وأُحرق معها صديقي أبزيمو

يذهل الجميع مما سمعوا, يكاد أنتيمون أن يسقط فيمسكه الحر

الحُر : تقوّى, فغداً الانتقام

ينظر أنتيمون بقهر للحُر, لم يكن لشيء من أن يخفف وطأة سماع أنتيمون للخبر المفجع الذي سمعه

الزهدم ناظرا للدرقل : الملكة الميسان والأميرة اليمام, ما أخبارهن؟

الدرقل ينظرهم بتوتر ثم يقول : لقد قُتلن يا سمو الأمير

الجميع بذهول : ماذا؟!

الزهدم يضع سيفه على رقبة الدرقل

الزهدم : من؟ من قتلهن؟

الدرقل : العنظوان قتل الملكة الميسان بينما أعنص تسبب بقتل الأميرة اليمام

الزهدم : تسبب!

الدرقل : كان يود امتلاكها فأبت ذلك

يصرخ الزهدم ألما, كان وقع الخبر الأليم عليهم شديدا ولكنه في ذات الوقت سيقوّيهم لحرب الانتقام والاسترداد.

جيوش الملك اليعبوب في استعداد دائم لحرب الاسترداد حيث يشرف عليهم الحُر بنفسه.

الحر يمشي في أروقة القصر معه الزهدم

الزهدم : ولمَ أبقى أنا هنا وأنتم تذهبون!

الحُر وهو يقبض بيده اليسرى على نصل سيفه : بقاؤك هنا ليس بأقل شأن من ذهابك

يتوقف الحُر لينظر أخاه

الحُر : زهدم, لا نريد أن نسترد مملكة فنخسر أخرى, بقاؤك هنا لتحمي هذه المملكة وشعبها

الزهدم : فليكن, لكن عليكم ببعث رأس الخائن لي

يبتسم الحُر فيربت على كتف أخيه : ولك ذلك, أتمنى من أن يكون شقيقنا أسفع بأمان وأن لا يصل لمملكة السندوني قط

ومضت الأيام بأسابيعها وها هو الملك اليعبوب يقف في مخدعه وقد ارتدي رداء الحرب, يأخذ خاتم الدأماء من على الطاولة ينظر له بحزن فيرتديه في إصبعه السبابة بيده اليُمنى, يدخل الحر وقد استعد للذهاب للحرب, يقترب من والده ينظره بحزن

الحر : أبي, الجميع مستعد للانطلاق للحرب

يدخل الزهدم : كُف عن هذا الحزن يا أبي

اليعبوب : الحزن هو ما أحتاج إليه الآن, فهو يُقويني, كل هذا الألم وهذا الغضب  كل هذه الشحنات التي تعتريني وتفجر الدم في عروقي, أحتاجها الآن للانتقام

يصعد الملك اليعبوب خيله ثم ينظر ابنه الزهدم بعينيه الجادتين, يتحرك بالخيل فيمشي خلفه بخيولهم كل من أنتيمون, الحر, أبزينوم, وزعيم السبعة الباسل والدرقل معهم الجيوش, يخرجون من المملكة ليقصدوا السندوني واستردادها.

قطع الملك اليعبوب وجيوشه جبل الثمانية والسهول وهناك قد التقوا جميعا بجيوش الخرمس فدارت بينهم معركة شرسة كان النصر فيها حليف الملك اليعبوب فمعظم جند الخرمس كانوا من جند السندوني الأوفياء اللذين قد التحقوا بجيش الخرمس مُكرهين وما إن دارت المعركة حتى أخذوا بقتل جند الخرمس والاصطفاف في صف الملك اليعبوب, هناك أيضا ظهر الأمير أسفع مع من معه من الجند ليقف مع جيش والده الملك اليعبوب فهو علم بما حدث بمملكة السندوني ولم يُكمل طريقه لها بل تبع الجيوش القادمة منها ولم يظهر هو وجنده إلا بالوقت المناسب.

ومع مرور الأيام بات اليعبوب يقترب من مملكة السندوني, وما إن علم أكسم بذلك إلا وقصد مجلس الخرمس على الفور

أكسم ينحني للخرمس : مولاي الملك

الخرمس دونما النظر له : استقم يا أكسم

يستقم أكسم

الخرمس : ما تحمل؟

أكسم : الملك اليعبوب وجيوشه يقتربون منا

ينظر الخرمس بعينيه الشريرتين المذهولتين لأكسم فيقف من جلسته ليمشي ثم يخرج من الذهبية الملكية ليقصد ذاك البرج العالي, ينظر الخرمس بذهول لجيوش الملك اليعبوب التي باتت تتقدم منهم

الخرمس في نفسه يقول : اللعنة!

يقصد وعلى الفور مخدع الدأماء الجالسة هناك على المقعد وتقرأ في كتاب بين يديها, يفتح الخرمس باب المخدع على مصراعيه ويدخل

الخرمس : اليعبوب هنا

يقع الكتاب من بين يديّ الدأماء لتقف وهي تنظر الخرمس بذهول

اقترب الملك اليعبوب من أسوار مملكة السندوني وطلب من جنده بدك بوابة المملكة العظيمة حتى يستطيعون الدخول فيها, وبينما جند اليعبوب يقومون بذلك كان الخرمس يمسك بالدأماء يجرها من يدها اليمنى جرا

الدأماء : دعني

الخرمس لأكسم : أطلق السهم الذي يحمل الرسالة

الديدبان يرى جند الخرمس يستعدون لأمرٍ جلل فيقول بسعادة : لابد وأنه الملك اليعبوب! قد وصلتِ إذاً يا أبزينوم

يُطلق أكسم السهم ليسقط أمام أنتيمون, يترجل أنتيمون عن ظهر الخيل ليقرأ الرسالة

أنتيمون بذهول : اللعنة!

اليعبوب : ماذا؟

أنتيمون : أريد منظاراً بسرعة

يُحضر أحد الجند منظار للأمير فيرى الملكة الدأماء في البرج يُحاصرها الخرمس بوضع خنجر حاد على رقبتها, يُنزل أنتيمون المنظار والذهول بادٍ على ملامح وجهه

اليعبوب يقترب منه ليأخذ المنظار

اليعبوب : أعطنيه

يرى اليعبوب ما يهوله

اليعبوب : يال الخائن القذر!

توكان : مولاي الملك, أستطيع أن أرديه بسهمٍ من هنا

اليعبوب : لست بجنيّ لتستطيع أن توصل سهمك إليه! أطلبوا من الجند عدم التوقف ومواصلة دك البوابة

الديدبان مع شعب السندوني ينتهزون فرصة انشغال الجند بحماية البوابة فيهجمون على جند الخرمس بالسيوف والسهام, بينما الخرمس كان في الذهبية الملكية وكله غضب ممزوج بتوتر يمشي ذهاباً إياباً كانت الملكة الدأماء واقفة هناك بكل شموخها تنظره بكل سخرية

الخرمس : لا يمكن أن أخسر كل شيء بهذه السهولة!

الدأماء : ما يأتي بسهولة يؤخذ بسهولة, عليك أن تدفع الآن جُرمَ خيانتك لملكك

الخرمس بصوته المرتفع : أصمتي عليكِ اللعنة!

الدأماء : صمتي لن يُبعد عنك الموت على يد أخي

ينظر الخرمس لها بكل شره وغضبة بينما كان جنده يتراجعون من شدة الخوف والشعب ثائراً عليهم, يفتح الديدبان مع بعض الرجال بوابة المملكة الضخمة

أبزينوم بسرور : فُتحت البوابة!

يلتفت الملك اليعبوب لينظر لذلك

الديدبان وبأعلى صوته : فلتحيا السندوني عالية شامخة

استطاع الملك اليعبوب دخول المملكة بخيله مع من معه, واستطاع الحر من أن يهزم أكسم ويضع سيفه على رقبته في رواق القصر بينما الملك اليعبوب ومن معه واقفون

الحُر :  أين الخرمس؟

أكسم والخوف بعينيه : في ذهبية المملكة ومعه الملكة الدأماء

يتحرك اليعبوب مع ابنه الأمير أسفع والأمير أنتيمون وأبزينوم وتوكان والفارس الباسل مع الديدبان لذهبية المملكة بينما يأمر الحُر الجند

الحر : زجوا به في السجن

أكسم : لا يا مولاي, الرحمة, لا تُعدني للسجن

الحر يلتفت لأكسم : لا رحمة لخائن, وأنت من تُرسل نفسك السجن لا أنا

قصد الجميع الذهبية الملكية حيث فتح اليعبوب باب الذهبية على مصراعيه فنظر لأخته وفرحها الحزين برؤيته ثم نظر للخرمس الواقف بكل غضبه, يمشي اليعبوب في الذهبية

الخرمس : لا اقتراب أكثر من هذا

يتوقف اليعبوب ومن معه

أنتيمون : وتأمر يا خائن!

اليعبوب : سأقتلك

الخرمس : أموت, لكن كفارس

أنتيمون : لا والآلهة, بل تموت حرقاً كما فعلت بأختي

الدأماء : أجل, ويشهد شعب السندوني ذلك

الخرمس : لكني فارس!

يدخل الحُر الذهبية : لا لست كذلك

الخرمس: أريد أن أموت كفارس

اليعبوب : ما لك سوى ميتة الكلاب

وأمام شعب السندوني يُصلب الخرمس على وتد خشبيّ حيث يحيط به كل ذاك الحطب, يقترب أنتيمون منه وهو يحمل الشعلة النارية

أنتيمون : آلمني قتلك لإخوتي, لكن حرقك ليوح هو ما آلمني أكثر

يُشعل أنتيمون النار في الحطب ليشتعل معها الخرمس بينما الشعب والملك اليعبوب والملكة الدأماء والجميع ينظرون له

اليعبوب : ها قد زالت الظُلمة

الدأماء بحزن : ما زال شيء, تبقى ظلمة قهري على أحبائي في هذا القلب الحزين

عاد الأميرين الصغيرين التيهور والتامول لوالدتهما ومملكتهما وقد أعادهما توكان

تفرد الملكة يديها للصغيرين وهما يصعدان الدرج الطويل في فرح حتى يصلا إليها فتضمهما لصدرها وتقبلهما

الملكة : لن يأخذكما مني أحد بعد الآن

وبعد أن استتب الأمر في ملكة السندوني واطمأن الملك اليعبوب على شقيقته عاد هو وأبناءه للمملكة بسلام.

قد تهبنا الحياة سعادة لا مثيل لها, ثم تعود لتأخذها منا وتعطنا ألما وتعاسة, لكنها تعود لتمنحنا تلك السعادة مرة أخرى, فحياتنا التي نحياها لا بد لنا من تجربة حلوها تارة ومُرها تارة أخرى.

تولت الملكة الدأماء زمام الأمور في المملكة, وبعد أن أمرت بسجن كل أعوان الخرمس وإخراج جند قمبيز الأوفياء من السجون, نصّبت الديدبان منصب قائد الجيوش مكان الشيهم وأعطته قصر مهيب في المملكة, وجعلت من أبزينوم ميمنتها كما كان يفعل الملك قمبيز, أما عن الدرقل فجعلته حارسها الشخصي, أما عن توكان فأرادت الملكة أن تنصبه منصب كبير الوزراء في المملكة لكنه رفض المنصب وقرر العودة للغابة ليعيش هناك مع زوجته آس التي علم بخبر حملها منه فور عودته لها, أما الأمير أنتيمون فأصبح كبير الوزراء بالمملكة وبات يتحمل

مسؤوليات وشؤون المملكة, وعادت السندوني مملكة العدل والأمان والسلام في ظل حُكم ملكتها العادلة الملكة الدأماء, أما عن الديدبان فقد تقدم لخطبة أبزينوم ووافقت هي بدورها.

تقف الملكة الدأماء بجوار قبر زوجها الراحل قمبيز تنظره وكلها حزن بينما ينظرها حارسها الشخصي الدرقل من بعيد, نقلت الملكة جثمان زوجها ليكون مكانه على ذاك التل الأخضر تُظلله شجرة السنديان بظلها الوافر, الملكة في حزن شديد تجلس بجوار القبر لتضع يدها اليمنى عليه ثم تهب نسمة عليل تُطاير لها شعرها الحريري لتتذكر هناك ذكرى جميلة عن زوجها الحنون قمبيز

 

(الذكرى)

تقف الملكة الدأماء تحت شجرة السنديان تستمتع بالهواء العليل الذي يلفح لها وجهها الناعم, يقترب منها زوجها وهو مبتسم الشفاه ينظرها بسعادة

قمبيز : دأماء

تلتفت له مع ابتسامتها العذبة

الدأماء : قلبها

قمبيز : انظري وتمعني لهذه الطبيعة جيدا يا عزيزتي, إنها تُثلج لي صدري, عندما يضيق صدري ببعض الأمور آتي لهذا المكان فيُزاح عن قلبي كل هم وحزن

الدأماء : معك حق بذلك يا عزيزي, فهذه الطبيعة الغناء تزيل أي هم وحزن, أسعد كثيرا بهذا المكان

قمبيز : وأنا كذلك

تعود الملكة الدأماء لحاضرها بعدما تسمع الدرقل يقول لها

الدرقل : مولاتي

الملكة : ما هنالك درقل؟

الدرقل : لقد تأخر الوقت, دعينا نهم بالعودة للقصر

الملكة : حسنا

بات الدرقل يشعر بالخجل والحزن الشديدين بسبب تعاونه مع الخرمس في يومٍ من الأيام, عادا معا للقصر وهو ينظر الملكة وحزنها الشديد, لكنها عندما لمحت الصغيرين التيهور والتامول في حديقة القصر ابتسمت وحاولت أن تُخفي حزنها عنهما

الدرقل في نفسه يقول : فلتغفري لي أرجوكِ

قرر الدرقل أن يُخبر الملكة بخبرٍ ما وهما يمشيان في ممر القصر حتى يصلا الذهبية الملكية ويدخلا

الدرقل : مولاتي الملكة

تلتفت له الملكة

الملكة : ما وراءك يا درقل؟

يجثوا الدرقل على ركبتيه : إني أشعر بالخجل الشديد منكِ ومما فعلت سابقا, وكلما رأيتكِ زاد خجلي أكثر, لذلك إن شئتِ يا مولاتي فأنا أود التنحي عن منصبي الذي شرفتني به وأعود للغابة حيث كنت أعيش سابقا

الملكة : منفيا!

تقترب الملكة من العرش لتجلس عليه

الملكة : استقم يا درقل

يستقيم الدرقل

الملكة : لكل امرئ هفواته وأخطاؤه التي تُشعره بالخجل أحيانا, ولكن المهم هو نسيان تلك الأخطاء بعد تصحيحها, وما كنت لأنصبك منصب حارسي الشخصي لو لم أجد بك التغيير الجذري الذي رأيت

الدرقل : لكن يا مولاتي

الملكة : لا تعد لمثل هذا الموضوع مرة أخرى, ولنبدأ معا بداية جديدة

الدرقل : فليكن يا مولاتي, وأُقسم بأني سأكون وفيا لكِ ما حييت

الملكة : اذهب الآن واستعد للغد, فغدا هو حفل زفاف الديدبان وأبزينوم

الدرقل : أجل, سأفعل يا مولاتي

ينحني الدرقل للملكة ثم يخرج من الذهبية

الملكة : أعلم يا قمبيز بأنك لو كنت مكاني لفعلت مثل ما فعلت أنا الآن

أما عن الأمير أنتيمون فقد باتت مشاغل المملكة تشغل باله أيضا وبات يسهر الليالي وهو يقرأ في تلك المخطوطات وغيرها ليعلم ما كان لا يعلمه عن شؤون

 وأمر المملكة, تدخل الملكة الدأماء المجلس الملكي لتقترب من الأمير أنتيمون وهو في وسط انهماكه بالمخطوطات

الملكة : أنتيمون

ينظرها : دأماء!

الملكة : قد تأخر الوقت لم لا تُرجئ ذلك ليوم آخر؟

أنتيمون : قد ضيعت الكثير منه وسط انشغالاتي, ولا أريد تضييع المزيد

الملكة : لكن عليك الاستعداد ليوم غد فأنت تعلم بأنه سيكون ..

أنتيمون مقاطعا لها : أعلم, زفاف أبزينوم والديدبان, سأستعد ولكن علي بالانتهاء مما بين يدي

تبتسم الملكة : حسنا, فليكن, طابت ليلتك

أنتيمون : وطابت ليلتكِ أيضا

تخرج الملكة الدأماء من المجلس وهي مبتسمة وتقول في نفسها

الملكة : ما أخاف من شيء وأنت معي أنتيمون

ذهبت الملكة الدأماء لمخدع ابنها أولا واطمأنت عليه بأنه نائم في سلام وأمان ثم قصدت مخدع ابنتها واطمأنت عليها كذلك, بعدها قصدت مخدعها لتبيت ليلتها في

هدوء وسلام, أما عن أبزينوم فلم تستطع أن تنام ليلتها تلك وكذلك الأمر هو بالنسبة للديدبان فقد أراقا في ليلتهما بسبب تفكيرهما بزواجهما المنتظر.

وفي صباح اليوم التالي أصبحت مملكة السندوني تستعد لحفل زفاف الديدبان وأبزينوم, تُزين المملكة بأجمل زينة, وقد جُهز رداء العريسين وعلى يد خياط القصر الخاص بأمر من الملكة الدأماء.

وها هو وقت الزفاف قد أتى, أبزينوم في مخدعها وقد ارتدت ثوب الزفاف, تُزينها الجاريات بأحلى زينة, تدخل كل من الملكة الدأماء وآس مخدع أبزينوم, تقف أبزينوم لتنحني للملكة, تقترب الملكة منها وهي مبتسمة لتضع في يد أبزينوم سوارا ذهبيا

أبزينوم : شكرا لكِ مولاتي

الملكة : لا حاجة للشكر يا عزيزتي

آس : ها هي العروس أصبحت جاهزة, ولكن ماذا عن العريس؟

توكان مع أنتيمون يدخلان مخدع الديدبان الذي ارتدى حلة العريس

توكان : آه ما أروعك من عريس!

أنتيمون : أجل

الديدبان : شكرا لكما

أنتيمون : هيا الآن فقد حان وقت الاحتفال

يخرجون جميعا من المخدع

وها هي ليلتهما السعيدة قد بدأت ليُعلنا أمام المملكة بأسرها بأنهما قد أصبحا زوجة وزوجا, يُقام الاحتفال الكبير ليرقص على إثره كل من بالمملكة فرحا وطربا, تنظر الملكة الدأماء للصغيرين التيهور والتامول وهما يعدوان في حديقة القصر الكبير مع أكزينوم وشقيقة الديدبان بسعادة وهناء

الملكة : اُقسم أن لا يُغير أحد بعد هذا اليوم هذه السعادة التي تملأ هذه المملكة, أُقسم على ذلك

يبتسم الدرقل وهو يسمعها

الملكة : سأزور قبر زوجي الليلة يا درقل

الدرقل : وأنا بأمر مولاتي الملكة

وبعد انقضاء الحفل وفي منتصف الليل وبينما الأمير أنتيمون نائما على سريره في مخدعه يرى في المنام شقيقته يوح

 

(المنام)

يرى الأميرة يوح جالسة على أرضية حديقة القصر الكبيرة تُداعب غزالها, ثم يرى الملك قمبيز وهو يقترب منه مع أُقيانس وبربار وهم يضحكون يمرون من جانب أنتيمون وهم ينظرونه ثم يجلسون بجوار يوح, أنتيمون لا يزال ينظرهم وهو واقفا على مسافةٍ منهم, تنهض يوح من جلستها وهي تنظر أنتيمون مبتسمة ثم تقترب منه لتمد يدها اليمنى له, يقترب أنتيمون منها ليضع يده بيدها ثم يذهبا ليقتربا من أشقائهم يجلسون مع بعضهم البعض في سعادة.

في تلك الليلة أيضا تستعد الملكة الدأماء في مخدعها للخروج من القصر, لقد ارتدت رداء طويل يسترها ولا يبين من ملامحها شيء, هي متخفية بالكامل, تخرج من مخدعها لتقول للدرقل الذي ينتظرها

الملكة للدرقل : اتبعني, ولكن ابق على مسافة بعيدة عني

الدرقل : بأمركِ يا مولاتي

مشى الاثنان معا حتى خرجا من القصر ثم قصدا قبر الملك الراحل قمبيز, توقف الدرقل وهو ينظرها من بعيد حيث جثت هي بجوار قبر زوجها

الدرقل : تُرى ما الذي يجعلها تأتي لقبر زوجها في هكذا ليلة ووقت؟ ولماذا هي متخفية بهذا الرداء؟

تُخاطب الملكة الدأماء زوجها ثم بعد مدة تقف لتُكمل مسيرها والدرقل يمشي خلفها بمسافة, تمشي في ممرات وأروقة المملكة حتى تصل إلى كوخ تطرق الباب ثلاث طرقات ثم تدخل, الدرقل ينتظر خارجا وفي رأسه تجوب بضع أسئلة, تُرى لماذا دخلت الملكة لهذا الكوخ؟ وما الذي تبغي من دخولها إليه؟ ومن يوجد بذاك الكوخ؟ ولماذا لم تأتِ في وضح النهار بدل الليل؟ ولماذا هي بذاك الرداء بدل رداء الملكة الفاخر؟ انتظر الدرقل طويلا ثم قرر الاقتراب من الكوخ ليطمئن على الملكة لكن الملكة فاجأته بخروجها ثم اقتربت منه ليُكملا طريقيهما وصولا للقصر ولازالت أسئلة الدرقل بدون أجوبه.

النهاية

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى