فصل المقال في قضية الدكتور عمر رحال
حازم القواسمي | فلسطين
لا يعقل أنه كل ما حكى شخص رأيه أو كتب كلمتين يتم تهديده بالقتل والعنف. وبغض النظر عن الموضوع، وعن الشخص، وعن الرأي، يبقى رأي أي شخص رأياً يجب احترامه مهما اختلفنا معه. لقد شهدت الساحة الفلسطينية مؤشرات خطيرة في الأيام القليلة الماضية واعتداءات صارخة على حرية الرأي والتعبير. فقد تم تهديد الدكتور عمر رحال، مدير مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية “شمس” بالقتل، كما تم حرق سيارة كاتبة معروفة بسبب كتاباتها، وكذلك تم تهديد أستاذة في جامعة بيرزيت، وتهديد الكثير من الكتاب والناشطين والناشطات بسبب ما يكتبوا أو يتحدثوا به.
إن الدكتور عمر رحال هو أحد أعمدة مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني، الذي يدافع عن الحق الفلسطيني وعن الوجود الفلسطيني. والحقوق الفلسطينية لا تتجزأ بل هي قصة كاملة متكاملة، تبدأ بمقاومة الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وتنتهي بأصغر حق من حقوق الإنسان، سواء كان يخص الرجل أم المرأة، والطفل أم الكهل. الدكتور رحّال إنسان مثقف له مواقفه الوطنية المعروفة، الصريحة والصادقة، ويتحدث بها في الغرف المغلقة، تماما كما يتحدث بها في المؤتمرات وعلى شاشات الفضائيات، لا يتردد في قول رأيه بكل قوة وجرأة. إلا أنّ هناك من عمل على ترهيب الدكتور عمر فقط لأنه يدافع عن المظلومين والفئات المهمشة والأقل حظا في مجتمعاتنا. إن حملة التهديدات الشرسة الذي تعرض لها الدكتور رحال هو وعائلته، شملت تهديده بالقتل وتهديدات شائنة لعائلته ولأطفاله. وقد أصدرت مؤسسات المجتمع المدني وبعض الفصائل الفلسطينية تنديدا واضحا ضد تلك التهديدات، فالتهديد بالقتل جريمة يعاقب عليها القانون بغض النظر عمن يقوم بذلك. وإن السكوت عن تلك التهديدات وغيرها، سيدخل المجتمع الفلسطيني في دوامة العنف ويهدد السلم الأهلي. إنّ أسهل ما يمكن أن يقوم به شخص هذه الأيام للتحريض على شخص آخر هو تكفيره وتصويره أنه ضد الدين وضد العادات والتقاليد. وهذا ما حصل مع الدكتور عمر رحال. فقد عبّر عن رأيه في الدفاع عن حقوق المرأة وإنصافها، سواء حقوقها المالية أو السياسية أو المدنية، سواء حقها في التعليم أو في العمل، وفي كل مناحي الحياة. فلماذا يتم تهديد شخصا يطالب بإنصاف المرأة وإعطائها حقوقها، ولماذا يتم تهديده بالقتل فقط لأنه له رأي قد يكون مختلف عن غيره. أين احترام حرية الرأي والتعبير، وأين تقبّل الآخر. كيف سنعيش وسنتقدم إذا قام كل من يختلف مع رأي غيره بتهديده بالقتل وتهديد عائلته. هل أصبحنا حقا نعيش في غابة مليئة بالوحوش!
إننا نشد على يد الدكتور عمر وكل الشريفات والشرفاء ونقف معهم بكل قوة ضد أي تهديدات، لأن لغة التهديد مرفوضة بين أبناء وبنات الشعب الفلسطيني الحر. ونقف مع كل من يدافع عن حقوق فئات شعبنا جميعها، وعلى رأسها حقوق المرأة الفلسطينية، فهي المناضلة التي تلد المناضلين وتزرع فيهم قيم الحرية والنضال. وعلى من يعجبه كلام الدكتور عمر أو لا يعجبه أن يناقش بطريقة محترمة وراقية، دون القدح والذم والتشهير والتخوين والتكفير والتحقير، لأن هذا النهج من الترهيب الفكري هو نهج مرفوض والأساس هي لغة الحوار والمنطق. إن الاختلاف هي سنة هذا الكون، ولا يوجد إنسان متشابه تماما مع إنسان آخر. والاختلاف في الرأي والفكر شيء طبيعي، طالما أدمغتنا مختلفة، وتربيتنا مختلفة وكل شيء فينا مختلف. بل إن الاختلاف شيء مطلوب وشيء صحي يجب أن نشجعه وندعمه، لأنه مصدر الإلهام والإبداع والتميز. فكيف نتميز عن غيرنا إذا كنا جميعا متشابهين.
ومن حق الدكتور عمر، مدير مركز شمس، أن يعبر عن رأيه، كما هو حق لنا جميعا، ومن حقه أن ينتقد أي سلوك أو توجه أو رأي مهما كان، أم أن حق التعبير والرأي الحر متاح للجميع إلا لهذا المفكر العربي الجليل. في النهاية، لن يصح إلا الصحيح، ويجب رفض تكميم الأفواه وسياسة الترهيب ضد بعضنا البعض. وعلينا جميعاً أن نتحلى بالشجاعة بتقبل الانتقاد والرأي الآخر دون اللجوء إلى العنف والتعنيف. وإلا ستسود الفوضى وانعدام الأمن في مجتمعنا وهذا ما لا يريده أحد لأنه سيعود علينا جميعا بالوبال العظيم، في وقت نحن أحوج ما نكون لأن نحرص على بعضنا البعض برغم اختلافاتنا ومعتقداتنا وآرائنا. ولأن كل ما يريده المحتل الغاصب هو رؤية الفلسطينيين مشرذمين يدمرون بعضهم البعض حتى يريحوه من هذه المهمة.