أسيرة الحروف
ريم العبدلي | إعلامية وأديبة من ليبيا – بنغازي
فى ليلة ممطرة ارتفع فيها صوت الرياح، وكأنها عاصفة شديدة، جلست ندى أمام التلفاز تشاهد مسلسلها المفضل،وبقربها كالعادة دفتر وقلم تسجل عليه جميع ملاحظاتها، تمعنت ندى جيدا بدفترها و جلبته نحوها، محاولة كتابة سطور من حياتها المليئة بالمغامرات، لكنها هذه المرة فكرت فى كتابة رؤية من واقعها، ربما تكون ناجحة وفيها دروس ومواعظ، بدأت ندى تحكي مع دفترها وقلمها عن طموحها في أن تكون ذات يوم كاتبة تشق طريقها نحو النجومية، حينما رسمت طريق طفولتها بثقة كبيرة بأنها مشروع ناجح يفخر به الجميع، حاولت ندى أن تكتب كل صغيرة وكبيرة عن أسرتها، وعن مسيرتها التعليمية وعن ميولها فى الغناء والرسم، نظرت إلى ساعة الحائط وأدركت بأن الوقت لا علاقة له بما كتبت، ولا السنين أيضا لها علاقة، بل ما تكتبه له علاقة بقوة الفكر الذي يجمع تلك الحروف،، استغربت ندى من نفسها كثيرا هذه المرة؛ فهي تكتب دون أن ترتجف يدها، ولن تسمح لدموعها أن تقف أمامها بل سيطرت على كافة جروحها وكأنها تغمض عينيها؛ لتجعل القلم طوع أصابعها وهي تكتب عن شبابها الذى حققت من خلاله طموحاتها المتزايدة مع الأيام دون أن تجعل ثغرات الحياة تقف أمام وجهها، واستمرت تكتب دون توقف، وكأن العبارات تتسابق مع بعضها البعض،، وإذا بالصباح يحل بيوم جديد، وهى تجلس على الأريكة تواصل الكتابة، ثم نظرت حولها لم تجد الأوراق ممزقة مثل عادتها، بل كانت أسيرة حروفها، وأن ما كتبته كان مستمدا من واقعه، حتى الشخصيات التى وضعتها لم تغير فى أسمائها ولا أعدادها، بل كتبت قصتها، على الرغم من إحساسها بحروفها المجروحة التي كادت أن تقسم قلبها نصفين.