لا شيء يذكرني
شعر: خالد شوملي
لا شَيْءَ يَذْكُرُني هُنا
فَأَنا الْغَريبُ عَنِ الْمَكانِ
أَتَيْتُ مِنْ فَوْقِ السَّحابِ
كَأَنَّ طائرَتي مِنَ الْوَرَقِ الْمُقَوّى
كُنْتُ أَحْمِلُها وَتَحْمِلُني
وَكُنّا في سَماءِ الْكَوْنِ نَلْهو
لا يُعاتِبُنا الْقَريبُ إذا ابْتَعَدْنا
لا يُعاقِبُنا الْغَريبُ إذا اقْتَرَبْنا
كُنْتُ طِفْلًا جاهِلًا
وَالْكَوْنُ كُلُّ الْكَوْنِ لي
غاباتُ شِعْرٍ تَمْلَأُ الْعَيْنَيْنِ
ما بَعْدَ الْجِبالِ مَدًى جَديدٌ
لا نِهايَةَ أَيْنَما أَرْنو
أَنا النَّجْمُ الْفَريدُ
وَكُلُّ نَجْماتِ السَّماءِ قَصائدي
أَرْنو فَتَبْتَعِدُ الرُّؤى
أَعْلو فَيَكْتَمِلُ الْمَدى
زَرْقاءُ طائرَتي
وَهذا الْكَوْنُ لي
لا شَيْءَ يَذْكُرُني هُنا
فَأَنا خَفيفُ الظِّلِّ
لَمْ أَسْرِقْ سِراجًا يَحْرُسُ الْأعْمى
مِنَ الْمارّينَ عَكْسَ الْحُلْمِ
لَمْ أُلْقِ الْقَصيدَةَ فَوْقَ رَأْسِ بَريئَةٍ
لَمْ أَمْتَلِكْ مِنْ كُلِّ هذا الْكَوْنِ شَيْئًا
أَيَّ شَيْءٍ لَيْسَ لي
لا شَيْءَ يَذْكُرُني لِيوقِظَني
كَما أَنْسى سَتَنْساني النُّجومُ
فَلا الْهُمومُ وَلا الْغُمومُ
لَها مَكانٌ في جُيوبي
أَوْ نَصيبي
سَوْفَ أَعْلو فَوْقَ هذا الْكَوْنِ
حَتّى يَضْمَحِلَّ كَنُقْطَةِ الْإعْجابِ في طَرَفِ الْقَصيدَةِ
سَوْفَ أُهْمِلُهُ
سَأَتْرُكُهُ وَأَمْضي
لَسْتُ أَدْري إنْ سَأَنْظُرُ
حينَ أَتْرُكُ كُلَّ شَيْءٍ
كانَ مِثْلَ الْوَهْمِ لي
لا شَيْءَ يَذْكُرُني هُنا
فَأَنا الْغَريبُ مِنَ الْبِدايَةِ
وَالْغَريبُ إِلى النِّهايَةِ
كُنْتُ ضَيْفًا عابِرًا
لَمْ تَتْرُكِ الْأَشْجارُ لي ظِلًّا
لِأَرْسُمَ فَوْقَهُ حُلُمي
وَأَكْبُرَ مَعْ غُروبِ الشَّمْسِ
لَمْ تَمْسِكْ يَدي حورِيَّةٌ
حَتّى يَكونَ الْبَحْرُ لي وَطَنًا
بَعيدًا عَنْ إلهِ النّارِ
لَمْ أُشْعِلْ حُروبًا
كَيْ أُذَكِّرَكُمْ بِمَوْتاكُمْ
سَأَنْساكُمْ
وَأَنْسى أَنَّ هذا الْكَوْنَ يَوْمًا كانَ لي
لا شَيْءَ لي في هذِهِ الْأَرْضِ الْكَئيبَةِ
لا التِّلالُ أَضُمُّها حَتّى تُعانِقَني
وَلا الْأَنْهارُ تَعْرِفُ ذاتَها
حَتّى أُذَكِّرَها
بِأَنَّ ضِفافَها جَسَدي
وَأَنَّ يَدي بِدايَتُها وَمَنْبَعُها
وَأَنَّ مَصَبَّها قَلْبي
أَنا الْمَنْسِيُّ بَيْنَ النّاسِ
وَالنّاسي ابْتِداءَ الْحَرْفِ في لُغَةِ الْعَذابِ
أَنا الْغِيابُ
أَنا السَّرابُ
أَنا الضَّبابُ وَما يُخَبِّئُهُ مِنَ النُّوّارِ
طائرَتي مِنَ الْوَرَقِ الْمُقَوّى مِثْلَ قَلْبي اللَّيِّنِ الْقاسي
أَنا الْقاسي عَلى نَفْسي
لِأَبْقى لَيِّنًا مَعَكُمْ
وَأَنْساكُمْ
وَأَنْسى كُلَّ مَنْ طَعَنَ الصَّدى
وَأَساءَ لي
لا شَيْءَ فَوْقَ الْغَيْمِ غَيْرُ قَصائدي
وَكَأَنَّها طَيْرٌ تُحَلِّقُ في الْعُلى
لِتُسابِقَ الْمَعْنى إِلى بُرْجِ السَّماءِ
هُنا بَعيدًا عَنْ نُتوءاتِ الْكَلامِ أَطيرُ
طائرَتي مِنَ الْوَرَقِ الْمُقَوّى
شِبْهُ قَلْبي اللَّيِّنِ الْقاسي
أَنا الْمَنْسِيُّ بَيْنَ النّاسِ
وَالنّاسي عَذاباتي
أَطيرُ وَكُلُّ ما عِنْدي فَضائي
رِحْلَتي في اللّانِهايَةِ
وَالْمَدى لا يَنْتَهي
أَعْلو الْهَواءُ يَخِفُّ مِنْ فَوْقي
أَنا الْمَنْسِيُّ بَيْنَ النّاسِ
وَالنّاسي كَلامَ الرّيحِ لِلْأَزْهارِ
لا الذِّكْرى بِها أَرَقٌ لِتُرْجِعَني إِلى وَجَعي
أَطيرُ مَعي أُسابِقُ ما أَرى
أَرْنو لِأَبْعَدَ ما أَرى
أَعْلو الْهَواءُ يَخِفُّ بي
أَعْلو وَكُلُّ الْكَوْنِ مِثْلُ الْحُلْمِ لي
لا شَيْءَ يَذْكُرُني لِأَذْكُرَهُ
وَيُثْقِلَ روحَ طائرَتي
وَيُلْبِسَني ثِيابًا مِنْ حَنينٍ
لا مَكانَ هنا سِوى أُفُقي
وَرائِحَةِ الْهَواءِ
أَطيرُ لِلْأَعْلى
وَمِنْ حَوْلي الْقَصائِدُ
كَالْبَلالينِ الْمُلَوَّنَةِ الْهَواءُ أَخَفُّ مِنْ ريشِ النَّعامِ
وَفي يَدي الْأشْعارُ أَزْهارٌ تُراقِصُني
أَطيرُ مَعي إِلى ذاتي
وَكُلُّ الْكَوْنِ مَنْسِيٌّ
وَذاكَ الشَّيْءُ وَاللّاشَيْءُ لي