لحظات بنكهة الكرز
هند يوسف خضر| سورية
أسندت جسدي المنهك فوق السرير ،شبكت أصابع يديّ ببعضها تحت رأسي المليء بعقدة الأحلام ،رحت أتأمل محتويات الفراغ من حولي ، عرجت بذاكرتي على أرصفة مسكونة بالحكايات ،تذكرت يوم قادتني خطاي إليها ،كانت الدروب تفتح لي ذراعيها وتتسع لإيقاعات فرحي ،كل شيء بدا مختلفاً لوهلة من الزمن ، عقارب الساعة دقت لتعلن للكون انهزام المحال أمام لقاء على جسر قصيدة غزلتها أنامل شاعر مخضرم في الحب ،كان لقاءنا استثنائياً ،استعاد الصباح وعيه وتنفس من جديد ،حالة من الغليان العاطفي عمت أبيات القصيدة ،تلاشت كل علامات الترقيم عندما سمح لتضاريس أجسادنا بالاقتراب من بعضها وألهب ما بين السطور ،كسر القافية ولم يلتزم بالمسموح والممنوع ،أزاح أدوات النداء من بيننا ،حاول دمجنا بظل واحد لنغوص في أمسية لزجة ،و أن نعبر سلاسل المستحيل إلى حدود الممكن ،كنا حينها مثل غيمة مطرية هاربة من بقايا الخريف -هكذا أعطانا تشبيهاً -أسقط من تفكيرنا كل فكرة ممكن أن تعبث به ،جعلنا نمتطي صهوة الشعر ونسير باتجاه الأمل المعلق في خاصرة الشمس -على سبيل استعارة – توقف الكلام في منتصف المسافة ،بدت لغة الأبجدية عاجزة فقد أعلن الشاعر في أبياته الأخيرة عن انتهاء اللقاء وحانت لحظة الانصياع للواقع المصاب باختلال عقلي والعودة إلى اللاشيء -هكذا أنهى قصيدته-
أتذكر أنها لم تكن مدة كافية التي جمعنا ذاك الشاعر فيها بين دفتي قصيدة كي نشعر أننا ملكنا العالم بين أصابعنا وحركناه كيفما شئنا ولكن ذلك حصل حقاً ، كانت لحظات تعادل حياة ،لحظات بنكهة الكرز تركت صباغها فوق شفاهنا المشبعة بغبار اللهفة ..
نهضت من سريري بعد أن اجتاحتني عاصفة من الذكريات وأدركت أن لقاءنا كان حلماً أو أبعد .