مقال

اتقوا عدوى الإحباط

بقلم: توفيق ابوشومر 
نعم إنه أخطر أمراضنا، مرضُ الاكتئاب والإحباط، وهو مزيجٌ من الشعور بالعجز والقهر، إنه مرضٌ خطيرٌ، أشدُّ خطرا من كل الأمراض الجسمانية المعروفة، وهو بالإضافة إلى ذلك مرضٌ معدٍ، يُصيب جميع المحيطين، كما أنه مرضٌ قادرٌ على استنساخ فيروساته في صورٍ شتَّى، فهو مُسبِّبٌ رئيس للعنف والقمع وحتى الجرائم.
وليس عنفُ الشوارع، وعنفُ الأسر والعائلات،وعنفُ العصابات والجماعات وحتى الأحزاب والتكتلات السياسية، إلا عرضا من أعراض الإحباط واليأس!
وهو أيضا بيئة مناسبة لتكاثر الأمراض الجسمانية كلها، فهو بيئة صالحة لأمراض القلب والسكر والضغط ، وحتى السرطانات.
نعم، إن الاكتئاب أحدُ أبرز مسببات مرض السمنة وانتفاخ الأجساد، لأنه المكتئبين والمحبطين، يهربون دائما من مرضهم الخطير، نحو الإفراط في الجنس والأكل، واستهلاك الأطعمة المحفوظة غير الصحية، فتتضخم الأجسادُ، وتتكاثرُ الأعدادُ، وتزداد أعباؤها، مما يزيد من همومها ، وهذا يُعززُ الإحباط والاكتئاب والشعور بالعجز.
لذا فإن الاكتئاب واليأس والإحباط، هي آخر حلقات هزيمة الأوطان بلا حروب، فالأوطان المكتئبة تعيش حالة هزيمة دائمة، وهي الهزيمة النفسية الأقسى والأمَرّ!
إن هزيمة المكتئبين تُنتجُ جيلا عازفا عن العمل والإنتاج، راغبا في الراحة والكسل، باحثا عن الثروات، بواسطة الغش والخداع، التي لا تتطلب جهدا أو عملا!
    كما أن عدوى الاكتئاب هي مضادات للإبداع والإنتاج والتفوَّق، لأن المكتئبين يكرهون المبدعين المتفائلين، وهم ينتقلون من طور الكُره إلى طورٍ آخر أشدَّ خطورة، عندما يقومون بمطاردة المتفوقين والمبدعين، ولا يرتاحون إلا بعد أن ينجحوا في مهمتهم، وهي إحباطُهُم وإفشالُ طموحهم، وقصِّ أجنحتهم!
نجحتْ دولٌ عديدة في تطويق هذا الوباء باستخدام الدواء الفعَّال، المضاد للاكتئاب، وهو رحيق الموسيقى، وكابسولات الفنون الجميلة والرياضات بأنواعها، وحُقن هرمونات الثقافة والإبداع، وشراب الأمل في المناهج المدرسية والجامعية، وكلها تُنشِّطُ عضلات الأمم،وتقوي إرادتها!
أما نحن فما يزالُ الغناءُ الحزين، ومواويل النواح والبكاء والجنازات والعزاءات، وشعارات الموت والفناء، هي سيدة المكان والزمان، وهي أشهر الأطباق الشعبية عند العرب.
     وما زال العرب حتى اليوم، يُلبِسون أبناءهم في الأعياد، لباس الجنود المحاربين، ويشترون لهم الألعاب النارية والأسلحة، يسلبونهم طفولتهم الباسمة الجميلة، ويلتذون بتحويلهم إلى شيوخٍ حكماء، وجنود مقاتلين، في سنوات عمرهم الأولى، فيسعدون إذا ألغى أطفاُلهم طفولَتَهم، وتحوَّلوا في سنٍ مبكرة إلى شيوخٍ هرمٍين، ثم يوَّرِّثونهم عدوى الاكتئاب والإحباط، ويُكرِّهونهم في الحضارة ومستحضراتها، ويرغمونهم أن يتبعوا سيرة أسلافهم في قشورها، باعتبارها هي الهدف والغاية!
وما إن يسلبوا أبناءهم طفولتهم، حتى يشرعوا في الندب على الأوضاع المحيطة بهم، والبكاء على أطلال الماضي، وهكذا تصبح أوطانُ الكآبة والإحباط مجردَ مسمياتٍ جُغرافية في الكتب والإذاعات، أما هي في الحقيقة فليست إلا مختبراتٍ لحفظ فايروسات الاكتئاب والإحباط واليأس والعجز!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى