مجازفة

نور الهدى شعبان | سوريا

تحاول المجازفة بنفسها المختنقة قبل أن تقبل على معركة الحقيقة ،خلف احلام عاجزة في مكان ما تعتصر مايجول بأروقتها اعواما من التعب، يتوقف الزمن برهة في التوقيت الخاطئ حين يحضر الحلم أمام عينيها وهي عاجزة من الذهول، يمر العمر عاصفا بأعاصير الشتاء وبرده القارس يلفح العواطف والرغبات التي اعتادت روتينها الباهت في محيط اختارها دون ان تختاره.

لماذا يحضر الحلم مستعجلا لإعتناقه ولا تفعل..؟

يعبث بها جنون الشتاء وتحمل مظلتها تحت المطر وترتدي المعطف. وتتساءل ؟

ماذا إن كانت أرواحنا تواقة  لرقص تحت المطر وبرد يسكن حرائقها..

فأعلنت تمردها ونفضت الروتين عن جسدها المرهق لتحمل روحها الطفلة بشغبها عبثها وطفولتها

تغرد في داخلها….

مشتاقة أنا لرقص تحت المطر دون ان أخشى البلل، متلهفة لبرد يثلج أسقامي فأكتفي بك معطفا لاحتوائي وينتهي بنا الربيع إلى حلم دافئ يجمع ظلينا خارج الأرض….

– كان يعلم بحاجتها للاحتواء يسافر محلقا في عذوبة فضاءاتها متساءلا عن ذاك النقاء يراقب عبثها بشغف

استحضرته كلمات بدوي الجبل حين قال:

الخالقان وفوق العقل سرهما ..كلاهما للغيوب الحب والله .. كلاهما انسكبت فيه سرائرنا .. وما شهدناه لكنا عبدناه.

بينما تتخبط بشغب طفولتها وكبرياء أنوثتها وأفكارها وذاكرتها  تعج بصور أضرمت بنار عشق وشوق يتآمر عليها ويعبث بها..

وهو يعلم أن الخروج من عنق الزجاجة البلهاء يحتاج لتراجيديا تكسر منتصفها وتحلق في سماء ليست سوداء….

كانت تعلم أن الخروج يحتاج لاحتواء وسكينة، فالتراجيديا لم يكن بإمكانها خلق السلام وهي عنوان العصافير التي هشمت أصفاد معصمها ذات مساء وغردت في فضاءات الحدود المغلقة…..

أجل الحدود المغلقة لأننا اعتدنا على تلك القيود التي تتلبسنا في أصغر تفاصيلنا

كانت تهذي في نفسها وتقول: مارأيت يوما كائنا وظله في نصفين منفصلين من الأرض إلا أنا وأنت

فعذرا لكواكب الفضاء لأنني اتخذتك سراجي ليلة ظلماء.

–  حاولت أن تكسر الهذيان  عندما التقطت  دموعها من بين شذرات البحر، الذي أخذ  يهدهد لألمها حائرا:

نامي قليلا سيدتي فوق هذيان الحلم وارسمي فجرا لياسمين تشكل فوق وتين الوجع ، أنا وأنت عصفوران حالمان خارج جاذبية الأرض، يداعبان خصلات العشق الممنوع في سهرة تنكرية، نطلق أنات وجعنا  الأخرس قبل أن يسدل الصمت وشاحه وتهب عليها نسائم الرحيل..

فأنا المعجبة برقصة المذبوح على صدر الناي الحزين  صوته أبلغ الحب من كل اللغات المسدولة في قوائم البلادة والحدود المغلقة والتوقيت المتأخر.. يباغتها لحن عصفور ذات صباح ، قائلا؛

أجمل الصباحات تبدأ بمن تعتقد انه يشبهك فاحمل بقايا روحك واغرسها في وتين قلبه واشرب كاسك الممزوج بالفرح من شهد شفتيه فأنت هو وهو أنت انصهر معه لأقصى مدى … وأحلم.

بقيت تلك الكلمات حائمة في ذاكرتها لتأسرها في عوالم روحها وتتساءل من هو وكيف أتى ومتى استعمر الكل فيها مرددة في ذاتها “أنت هو وهو أنت” .. “أنت أنا وأنا أنت”

كم كانت تختصر هذه الكلمات من أعوام الحلم الضائع وذلك الحب الذي نمى في سهوة رويدا ينهض مستعجلا يصب جماح فيضه في كلمة .

كلمة عاجزة عن النطق جعلت الطفلة تبكي.. كانت تقرأ كلماته مرارا ومرارا تتلعثم بالاستفهامات فتشعر بجوع مباغت تترك طاولتها وكل تلك الأسارير لتهرب إلى الثلاجة باحثة عن كسرة خبز وماء …

تقف أمام الثلاجة الممتلئة ولكنها تعود فارغة اليدين.. لقد تنفست رائحته في كسرة خبزها وشاهدت كلماته عائمة في كأس مائها كيف السبيل وهو يدور في كل أرجائها ويردد في ذاكرتها:

أتخافين أن أصبح من أشياءك..؟

عادت إلى حروفها مستعجلة هاربة حائرة تتساءل:

لما نمضي العمر مكفوفين عن عواطفنا ونقصنا متجاهلين ضعفنا وحاجتنا للاحتواء

وفي لحظة تستعمرنا الرسائل المجهولة بينما نفكر في الرد او التجاهل لا نشعر متى وصلنا لمنتصف الطريق

بينما كانت تخوض في  مخيلتها سرعة الأحداث وتتيه بها السبل….

عاد اليها كطيف أبيض نقي بزي كلمات تسد بعض رمق جوع وعطش…

هل الإعتقاد بوجود روح تشبهك مؤلم بهذا القدر الممنوع من الاقتراب وأنت بالقرب منه ..

كيف ينصهر بذاك المدى الراحل في عوالم الخطاب الروحي الخفي والحلم متربص بمكائد واقع مر.

إنه يشعر بالتيه والهروب المتسلل بينهما ولكن قوة ما خفية كلما ابتعد تدفعه للتمسك أكثر .. إلى أن يصيب حلمه اليأس فيسرع مبتعدا عن سبيلها المعبد بالاشواك والألم.. ولكن حبه تسلل حتى للألم

فلم يعد يستطيع الإمساك بتلك الكلمة الساحرة سيدعها تحلق في فضاءات المسافات وتحفر في الأرض الظمأى تعاريج للندى هي كذلك لم تعد تستطيع الهذيان طويلا فروحها مشتاقة لياسمين الصباح وروحه مشتاقة لهدوء الليل…

لم يصمد أكثر وكأن الحلم المتأخر جاء في غفلة منهما لم يرحل وتلك الكلمة ستنطلق كنجمة ترافق ليله المسكون بها “أحبك”

صمت الليل وبهت النهار وفي يديها الحلم تكسر

ابتلعت الأرض نداها قبل أن تسقط دمعة على أكفان الهذيان لتتحرر من حلم بات فكرة اغتالها المشيب وساعة متأخرة…

تناجي روحها المشتاقة لياسمين الصباح الذي أمسى ذكرى وروحه المشتاقة لهدوء الليل يتقلب في أحضان الحلم وهي تجدل من ضفائرها أنشودة اللقاء المستعجل على الرحيل…

وهو يطالبها بالنجاة من العقد.. بيد إنه لم يعرف أن الظل عنها انفصل:

ارمِي بظلال روحك فوق ظلي عند انكسار الظهيرة وانشدي مع صخب الأرصفة إني أحبك رغم صدائة الزمن .

ليغفو الحلم في عينيها مستعمرا وهي تنشد:

عذرا للساعة المتأخرة أسفا حصدت كرهي ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى