الوجع بكبرياء
فاطمة برق /نشر قمر عبد الرحمن / مصر
خرجَ عليٌ وفتى القبعةِ صباحاً إلى المدرسة ، تمشي فتى القبعةِ كملكةٍ لا تهابُ شيئاً، وتتقدم كأميرةٍ لا تنظرُ خلفَها، مفعمةً بالطاقةِ ،والحماسِ،وتتدللُ كعربيةٍ يليقُ بها الفخرُ والاعتزاز ، تخطو متجاهلةً جميعَ الاتجاهات ، ينظرُ إليها عليٌ، وقلبُه يرقصُ فرَحَاً بسعادتِها.
وأثناء تحديقِه بها اصطدمَ بشابٍ في العشريناتِ من عُمرِه ، يرتدي ملابسَ ممزقةً قديمة ، كان يقفُ منتظراً وصولَهُما ، أمسك عليٌ من قميصِهِ ، ورفعَهُ عالياً، وقال له : أخبر والدَكَ بإعادةِ المالِ لي ، فحملتْ فتى القبعةِ حجراً ، ورمتْ به الشاب ، فأصابَ عينَه ، فأوقع عليٌ أرضاً، وهجمَ عليها ، دَفعها للخلفِ ، فاصطدمَ رأسُها بالجدار.
تجمّدَ كلُّ شيء حينها في عينيّ علي، وتباطأ الزمن، أخذتْ فتى القبعةِ تسقطُ ببطءٍ شديد ، وهي تُبعد يدَها عن الحائط ، والأخرى ترمي بها على الأرض ، وكأنها تقول:أيّها التراب دعني أتغلغل بداخلك بسرعة. ثم وقعت قبعتُها ، فتناثرَ شعرُها على أكتافها أخيرًا ، ثم وقعت على الأرضِ ، وتناثرت روحَها عاليًا ، تلطّخَ الجدارُ بدمائِها ، فلم يَحتمل ، وسرعانَ ما انشق معتذراً لها ، ارتمى عليٌ على الأرض بالقرب منها ، ووضع رأسَها في حُضنِه ، وأخذَ يضعُ أصابعَه المرتجفَةِ على وجهها ، ويلمسُ شعرَها الذي لم تستطع تسريحَه كلّ يوم .وقال بصوتٍ ثقيل:
(بعرف إنك نايمة).
ثم اجتمع الناس من فضولِهم هل فتى القبعةِ ، فتاة ؟ لم يسأل أحدٌ عن المجرمِ الهارب ، ولم يحزن أحدٌ على المقتول ، ما يُقلق الناس ،هو أن فتى القبعةِ فتاة ، اعتدنا قساوة البشر ، والجدارُ الأصمُ يبكي بدماءِها ، وعليٌ ينتظرُ استيقاظَها ، كان أملَهُ، وسعادتَه ، وشجاعتَه، وقوتَه ،وطيبتَه ،وشعورَه بالإنسانية، يكمنُ فيها وحين أدركَ أنّها ذهبت، تجرّد جانبُهُ المنير ، ثم سقط رأسُه على جبينِها ، يقبلُها ، ويهمسُ في أذنها (خديني معك).