الدراما العربية في خدمة رأس المال و السلطة
د. أحمد رفيق عوض | رام الله – فلسطين
الدراما العربية عموما، وفي هذا الشهر الكريم خصوصا، تعكس تماما ما آل اليه الواقع العربي من التشظي والتفكك و الانقسام المجتمعي والسياسي، اذ ان هذه الدراما التي تحمل مضامينها السياسية والفكرية خلف ستار من المبالغات الدرامية و الإسراف الاخراجي تحاول أن تخدم ممولها السياسي أو الفكري او التجاري .
فالسياسة والتجارة لا تغيبان عن الخطاب الدرامي عادة، وهذا الكلام ينطبق على كل الفنون البصرية والسمعية والمكتوبة فالاعلام بمعناه التقليدي أو على الأقل الذي تبلور منذر ظهور الطبقة الوسطى في الغرب يهدف إلى المتابعة والمراقبة والتوجيه والتعبئة، بعيدا عن كل ما يقال عن ليبرالية الصحافة او حرياتها المزعومة، و هذا نعوم تشومسكي إياه يكتب عن هذا الاعلام الجماهيري إنه يقوم على اسس سياسية تغذيه وتنشره ثلاث طبقات و هي: التولى أصحاب النفوذ السياسي والاقتصادي ثم الطبقه الثانية وهم المتواطئون من المثقفين والمنافقين الذين يقومون بتبرير وشرعنة أعمال الطبقة الأولى ثم الطبقه الثالثة وهم الذين يطلق عليهم تشومسكي مصطلح (القطيع الضال) وهؤلاء هم التابعون أو الجمهور الذي يبلع ويصفق لما يبثه ذلك الإعلام بكل ما في حمولته من سموم أو أفكار .
الدراما العربية الحالية، وبعد ما يسمى بالربيع العربي أصبحت بلا مضامين جادة، ولكنها تحولت إلى دراما مشحونه ومجندة إلى أبعد الحدود لقد فقدت العمق ولكنها استعاضت عن ذلك بالإبهار البصري و الجرأة.
الدراما العربيه – برأيي المتواضع – تثير الشفقة والرثاء، ذلك أن وطنا عربيا يتآكل بالتدريج، احتلالا رو تهديدا رو فقرا و بطالة أو صراعا داخليا أو كل ذلك ثم تكمل هذه الدراما الصورة بأن تتجاوز كل هذه الكوارث لتأخذ جزءا متخيلا أو هامشيا من الواقع لتصنع منه جنة تستمر ثلاثين حلقه تزدحم بالمواقف الفاقعة والمفتعلة، لتخدم شركات الأزياء والتجميل والسيارات والطعام والفنادق وغير ذلك من شركات الاقتصاد الريعي والخدماتي، هذا فضلا عن نشر نوع من الثقافة التي تتصادم مع معظم مواطني العالم العربي ولكن الركثر أهمية هو أن هذه الدراما مجندة لخدمة السلطات جميعا، بمعنى أن هذه الدراما تنشر زيفا للوعي وتضع ترتيب للأولويات غير الأولويات الحقيقية كما أنها تشيطن من تريد وتغييب من تريد و تمجد من تريد، وتقدم بذلك سردية إشكالية، وبدلا من أن تصبح هذه الدراما جزءا من سياق جمالي إنساني يدعو إلى المشاركة والفعالية والقيم المجتمعية، فإنها تتحول إلى منشور سياسي يضطرم بالدعوة إلى النفي أو حتى أكثر من ذلك.
الدراما العربية التي عادة ما تقدم معمقة بدون أزمنة وبدون أسئلة مقلقة أو مزعجة، و تختبئ في كثير من الأحيان تحت مسمى الفن والإقناع، فإنها تتورط ركثر فأكثر في خدمة أسيادها الدائمين، المال والسلطة .